على أبواب سنة جديدة…
على أبواب سنة جديدة…
بقلم رندلى جبور
كثيرة هي الأمور التي تُقال بين سنتين، بين أملَين وألمَين، بين نجاحَين وإخفاقَين، بين ماضٍ وحاضر ومستقبل…
كثيرة هي الابتسامات التي تُرسَم على خارطة بداية جديدة، وكثيرة هي الدموع التي تُذرف على النهايات وما أكثرها…
كثيرة هي الصفحات التي نفتحها، وكثيرة هي الصفحات التي نغلقها…
كثيرة هي الذكريات التي تسكننا وكثيرة هي الاحلام التي لا نعرف إذا ما كانت ستتحقق!
على أبواب سنة جديدة، نمارس فِعل مراجعة، ونَكتب فِعل رجاء.
أما في المراجعة، فلعلّ الموت أقسى التجارب. ليس في لحظته على جنونها، بل في حالة الفقدان والانقطاع عن رؤية من نحبّ، عن تَلَمُّسِه، عن الانبهار برائحته، عن غياب الغمرة والنظرة، عن ممارسة يوميات كنا اعتدنا عليها ومضَت.
ولعلّ ثانية التجارب القاسية هي المرض. ذاك الذي يجعلُك مسكوناً بالقلق، مغمّساً بالتعب، فاقداً القدرة على التركيز وناقصاً الرغبة في الاستمرار، وواقفاً على أبواب الانتظار القاتل بخوف، بألم.
ولعلّ ثالثة التجارب القاسية هي الوجع الجماعي الذي تفرِضُه عليك الظروف العامة، وتحدّي المقاومة والصمود والتأقلم وسط حفلة هستيريا مستمرة، وتحدّي أن تتمتّع بقدرة على الاكمال وبث الأمل وزرع الايمان رغم كل شيء.
فأحياناً تفرض عليك مسؤولياتك أن تقف حين ترغب بالسقوط، وأن تبتسم حين ترغب بالبكاء، وأن تتكلّم حين ترغب بالصمت، وأن تواجِه ولو كنتَ مشتاقاً للاستسلام.
ولعلّ رابعة التجارب القاسية أن تتخلّى. ليس التخلّي أمراً سهلاً كما يعتقد البعض. وليس هيِّناً أن تدير ظهرك وتمشي ولو كان التغيير راحة لك في أحد وجوهه.
ولعلّ خامسة التجارب القاسية أن تكتشف أنك لم تحقق الكثير، أو على الأقل لم تكن روزنامتك متجانسة مع الروزنامة التي يفرضها عليك الزمن، ولم تصبح أحلامك التي رسمْتَها في مخيلتك حقيقة.
ولعلّ سادسة التجارب القاسية، أن تشعر ان الزمن يمرّ بسرعة، وأن السنة الجديدة تعني انك خسرت من عمرك لا انك ربحت سنة.
أما أجمل التجارب، فأن تحافِظ على من تحبّ لسنة إضافية. ليس أروع من أن تكون محاطاً بأشخاص يحبّونك وكفى. ذاك الحب المجّاني الذي لا يطلب شيئاً. ذاك الاهتمام الطوعي والمتبادَل. ذاك الذي يسهِم في بقائنا على قيد الحياة والأمل. ذاك الذي يجعلك تكافح لأن هناك من يستحق أن نبقى معه ومن أجله.
وثانية التجارب الجميلة، ان تعود وتلتقي بأشخاص وتكتشف أن هذا اللقاء يعيد فَيْض دقّات قلبك ويُحييك من جديد. وأن تُجدّد صداقة لم يشطبها خلاف بل أبعدتها الايام بلا سبب وجيه. وأن تكتشف أناساً جدد يجمعك بهم الكثير بين العقل والقلب والقيم.
وثالثة التجارب الجميلة هي العطاء. اهتمامك بالبعض هو إنجاز في الحياة، بل هو معجزة فائقة الجمال. أن تصغي لمن يحتاج إلى إصغاء، أن تمد يدك بحب، ان تقدِّم ذاتك بشغف، أن تساعد من ينتظر مساعدة وأن تزرع ضحكة. وهل أجمل؟
ورابعة التجارب الجميلة، ان تجعل من ذاتك قيمة مضافة لك وللآخرين، وأن يكون لاسمك وَقْع، وأن تكون مناضلاً وشريكاً في الاحلام والآلام العامة فعلاً لا قولاً… أن تنجز وتنتج وتبرع في مجال ما وتحقق بعض طموح. ان تكون فاعلاً في مجتمعك ومتفوقاً في مهنتك ومقدَّراً في محيطك ومضحياً لوطنك.
وخامسة التجارب الجميلة أن تبقى واقفاً في بحر هائج.
وسادسة التجارب الجميلة أن تمارس هواياتك. أن تقرأ وتكتب وترسم وتغني وتسافر وتلتقي بالاصدقاء وتمارس العشق الفكري ولو على أبواب جهنّم.
أما فعل الرجاء فلقيامة آتية. لقيامة شخصية ووطنية بعد صلبان. رجاؤنا أن ندحرج الحجر وننهض إلى النور من جديد بعد موت جسدي ومعنوي ونفسي، بعد موت جماعي أرادوه ولكننا نؤمن أننا من أبناء اليوم الثالث!
*روائية و إعلامية