أدب وفن

وفيق غريزي ديواناََ/ زمن تحت أقدام الجياع/ بقلم الدكتور قصي الحسين

وفيق غريزي ديوانا
زمن تحت أقدام الجياع
٠٠٠بقلم الدكتور قصي الحسين ٠٠٠


” ياعذاب الروح لا نجوم تأتلق/ في عتمة الأفق/ يعشش الخواء فيها…/ تحترق/ الدروب القفر تدنيني بلا سفر/ من حقولنا الجرداء أجني البؤس/ والعذاب/ والعبر.”

هذة المجموعة الأخيرة من الشعر لوفيق غريزي، تأتي في زمانها وفي مكانها، حيث تمر البلاد بأسوأ الحالات. إذ ضاقت بأهلها من كثرة الشدة. وبات الناس على حافة المجاعة، أين منها المجاعة التي عرفت في زمن برلك. إذ سطا أصحاب المصارف والبنوك على أموال الناس. وتقاسموها مع أهل الدولة و أصحاب النفوذ. وتدنت نسبة الرواتب، إلى ما يساوي العشرة في المائة. وطارت الودائع والأمانات والمدخرات. وجنت الأسعار.

ترزح الأرض تحت أقدام الجياع/ والحفاة/ غاباتها/ حقولها أضحت موات/ عبر دورة الفصول يتوحد/ الموت والميلاد/ تزدهر في أرجائها الرعود./ رحى تدور فوق أشلاء البشر/ الوطن يا حبيبتي/ يهبنا القهر/ والعذاب/ والحرمان/ والضجر.”

كان لا بد لشاعر عميق الشعور. عميق الوجدان، مثل وفيق غريزي، أن ينهض بقامته الشعرية المعروفة، ويقف في وجه الجور والظلم والطغيان. ويسجل التمزقات الوجدانية التي تبرحه، في قصائد ذائعة.
“وفيق غريزي: زمن تحت أقدام الجياع. ط. خاصة. ” تحدث فيها عن عذاب الروح وعن حقول الحب وعن قوى الشر. وصور لنا كيف يولد الأطفال أمواتا. وكيف نعيش صمت القبور. وكيف تمور الأرض تحت أقدام الجياع. إلى جانب القصائد ذات البعد الذاتي، مثل: يلفني الليل بأثواب الهموم. وكذلك رائحة الفجيعة وأغراس الرؤى وحقل من الألغام. دون أن ننسى غبائر النسيان والمدينة والضحية وممرات أخر وقصيدته المميزة: الأنفاق.

نتفحص إنحناءة الأغصان/ المثقلة بالثمار/ وإرتجافة الأنغام في حناجر الطيور/ المبللة بالمطر/ وطننا ينزف من كل الجهات/ يحفرون تحته الأنفاق/ من جوفه تفوح نتانة الأموات.”

هي أكثر من خمس وثلاثين قصيدة، نسجها الشاعر هدية لبيروت الجميلة. وليست قصيدته: علميني يا بيروت، إلا واحدة منها، ليكون بعدها: فيض عنفوان والطائر السجين والدروب الموحشة ومملكة النعاس وظلال تائهة وكرسي الرئاسة وهدم الجسور. ويختتم بقصيدته القصيدة: الإنفجار.

نساء بلادي ينحن بأثواب الحداد/ أرقب كيف يغيب نداءهم خلف/ المداد/ دفء بيروت الطعينة أضحى/ إحتراقا وإنهيار/ يغيبنا نحن ركامات الإنفجار/ كي تسكر على جثثنا زمرة الأشرار.”

لا أريد أن أدون جميع عناوين هذة المجموعة الشعرية المتفجرة، لأنني أحبذ الإكتشاف الذاتي. فالوقوف على هذة المجموعة، غير سماعها. ولا بد لنا من تأمل معانيها، حتى ندرك عمق التحولات الجارية، في أعماق نفس الشاعر التي تمور بالمشاعر. كيف لا، وقد عرف الشاعر توفيق غريزي، برهافة الإحساس، في تصوير وطن تحت أقدام الجياع. فليس الزمن هذا الذي يتحدث عنه، إلا وطنه الذبيح من الوريد إلى الوريد. غدر به الأوغاد والمتوحشون من كل صنف ولون، وجعلوه يتمرغ بالتراب. يعض على الجرح، بعد أن يعضه الجوع، فيخرج من تحت الأقدام مثل رجل بطل، لا يرضى بالخنوع.

ترك لي العمر إرثين/ إرث الشعر والإبداع/ وتحوم آلام أوسع من الأمداء/ والبحار/ بين الأزل والأبد والزمن/ المدرار/ نفسي الواعية تسهو في الليالي/ تنام في النهار/ هل الخلود يرفع عنها الستار؟.”

مجموعة الشاعر توفيق غريزي الأخيرة، أكثر من سجل لأحداث النفس المتألمة. يسجل الوقوعات التي تمر بها لحظة بلحظة. ولا يدعها تمر مرور الكرام. كيف لا، وهو الذي ما أضاع لحظة من عمره، إلا وهو يسردها قطعة من عذاب.

إنطفأت في سمائنا النجوم والأقمار/ فصول توقد الأحزان/ بين الليل والليل يموت في حاضري/ النهار/ يذر في العيون الماء والبهار.”

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى