قراءة د.ناديا حمّاد بين سطور رواية ” قناع بلون السماء ” للأسير باسم خندقجي
رواية (قناع بلون السماء)
للمؤلف الفلسطيني ” باسم قندقجي”-
فازت رواية “قناع بلون السماء” للكاتب الفلسطيني باسم خندقجي، بالدورة الـ17
2024 للجائزة العالمية للرواية العربية، .
عن المؤلف
……….
كان “باسم خندقجي” في السنة الأخيرة بتخصص صحافة وإعلام عندما اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، معتبرة إياه العقل المدبّر لعملية سوق الكرمل التي نفذها فدائي شاب ..
ونتساءل كيف يمكن لأسير
قضى نصف عمره في السجون وما يزال
ينقله سجانه من سجن إلى آخر وينكّل به ويتلف أوراقه وكتبه، أن يكتب روايات طويلة وينجح، ليس فقط في تهريبها إلى خارج السجن، بل في منافسة الكتّاب الطلقاء؟ ..
كتب باسم رواية “قناع بلون السماء” خلال ستة أشهر فقط، لكن بحثه الروائي لها استغرق عدة سنوات في ظروف معقدة وشديدة الصعوبة كان يفقد خلالها الكثير من مادة البحث والمسودات الأولى للرواية. مع ذلك، كان ينجح في إعادة الكتابة وإيصالها إلى يد شقيقه عبر سجناء محررَّين، وفي بعض المرات عبر البريد الإسرائيلي نفسه، ويا لها من إرادة..
(لا بد من الإشارة أن آلاف الأسرى والمعتقلين فرضوا حالة ثقافية في السجون الإسرائيلية، وأنتج المئات منهم أعمالاً أدبية وفكرية)
د.ناديا حمّاد
**عندما تأهلت رواية “قناع بلون السماء” للقائمة الطويلة بجائزة الرواية العربية “بوكر”، أوردت بعض وسائل الإعلام العربية اسم باسم خندقجي مسبوقاً بلقب “الأسير”!
نعم إنه “أسير”، لكن كان لديه مشروع روائي كبير. وعلى الرغم من ظروف السجن القاسية ونقله من سجن لآخر، احتفظ باسم بمشروعه وأفكاره في رأسه أكثر من تعويله على الأوراق التي كان السجانون يمعنون في إتلافها ومصادرتها
نقل باسم خندقجي أدب السجون من بين الجدران الباردة إلى آفاق عالمية؟
اهمية الرواية تأتي من انّه نجح في إعادة صياغة تاريخ فلسطين الحقيقي أدبياً في زمن أوغل فيه المحتل في تزوير رواية فلسطين وطمس هويتها وإبادة سكانها..
شخصيات الرواية متخيّلة، لكن تاريخ فلسطين حقيقي كنور الشمس. ،
وقد اعتمد في كتابة هذه الرواية “على قراءاته للأبحاث والدراسات عن التاريخ الفلسطيني، واستند لشهادات بعض الأسرى داخل السجون ومن خارجها وبالأخص فلسطينيي الداخل المُحتل
***ليس القناع في هذه الرواية سوى بطاقة الهوية التي عثر عليها شاب فلسطيني مهتم بالتاريخ والآثار في جيب معطف اشتراه من سوق المستعمل” البالة” في يافا هوية زرقاء تحمل اسم شاب إسرائيلي من يهود الإشكناز اسمه “أور شابيرا”.
وهنا يشتغل خندقجي على ثيمة “النور” مجدداً. يعني الاسم “أور” “نور” بالعربية، وهو اسم الشاب الفلسطيني (نور الشهدي)، فيستغل تلك البطاقة، إضافة إلى ملامحه القريبة من يهود الإشكناز، في التسجيل بمعهد أولبرايت الإسرائيلي للعلوم الأثرية بهدف التنقيب عن التاريخ الفلسطيني الحقيقي. شخصيات الرواية متخيلة، لكن تاريخ فلسطين حقيقي كنور الشمس. وهنا أذكر المؤرخ الفلسطيني الدكتور جوني منصور الذي مدَّ باسم بالمعلومات عن قرية اللجون وكيبوتس مشعار هعيمق والفيلق الروماني السادس”[7].
في الرواية يشترك بطلها “نور” في العمل مع مؤسسة أمريكية ستنقب عن الآثار في كيبوتس “مشمار هقميق” المقام على أراضي قرية أبو المهجّرة، إحدى الأماكن التي دارت فيها أشرس المعارك أثناء نكبة 1948.
يقنع “نور” نفسه بأن اشتراكه في هذا التنقيب يهدف للبحث عن صندوق مريم المجدلية لكي يُثبت بعض الوقائع التاريخية، لكن صديقه “مراد” الذي يتراسل معه يسأله إذا ما كان الأجدر به أن يوجه بحثه كخبير آثار للتأكيد على ملكية أراضي الشيخ جراح بدلاً من البحث في تاريخ مريم المجدلية! ويلتقي نور بباحثة فلسطينية اسمها “سماء” تعمل ضمن الفريق وتجاهر بتأففها من الهوية الإسرائيلية المفروضة عليها، رغم أنها تبدي تعاطفها “مع ضحايا النازية، ولكن ليس مع الصهيونية التي استغلت الضحايا لتصنع ضحايا آخرين من الشعب الفلسطيني”.
في إحدى محطات الرواية، يعترف “نور” لـ “سماء” بأنه فلسطيني لاجئ يسكن مخيماً في رام الله، ويسرد لها قصة الهوية، فترد عليه بأسف: أنتظرُ عمراً كاملاً للخلاص من هذه الهوية، وأنتَ خسرتَ عمرك كله لترتدي هذا القناع…..))))