أدب وفن

صدى/ بقلم القاصّة هند يوسف خضر

صدى
عندما أرخى الليل ستائره على وجه الغروب كان القمر يحمل ضوءه فوق لهاث الروح ليضيء الطرق المظلمة أمام دعسات المتسكعين عند شواطئ الانتظار…
جلست فدوى (أم جمال) التي بلغت الثالثة والخمسين من عمرها و قد ابيضت خصلات شعرها بقرب المدفأة لتدفئ عظامها التي ترتعش برداً، أنارت شمعة فالظلام حالك والكهرباء مقطوعة كالعادة، وضعت بجانبها كوباً من الشاي ولم تستطع شربه فقد تذكرت أن ابنها البكر جمال يقضي خدمة العلم الاحتياطية وقد اعتادت أن يشرب الشاي معها في كل إجازة ومنذ فترة طويلة لم يأتِ، سرحت به( ترى ماذا يفعل الآن؟ هل يشعر بالبرد؟ وهل ستطول مدة غيابه؟)
أنصتت قليلاً للهدوء الذي يجتاح المدى، لعله يأتيها باتصال هاتفي يثلج صدرها الذي بدأ يشعر بانقباضة شديدة ترافقت بخفقان شديد في القلب وتعرق في اليدين رغم برودة الجو( إنه إحساس الأم)
اعتدلت في جلستها على الأريكة، كلما أتاها سلطان النوم فإنها تقاومه إلى اللحظة التي غلبها فيها النعاس فاستسلمت له دون إدراك، يد حنونة ربتت على كتفها كي لا تخاف، أيقظها ابنها الأصغر محمد لتنام في سريرها…
شق الضوء ثوب الليل ليعلن عن صباح آخر عسى أن يكون أكثر رأفة بحالة تلك الأم…
وسط الهدوء الريفي جاءها اتصال على هاتفها المحمول، اتجهت مسرعة حتى كادت أن تقع، رقم غريب يتصل بها، تمتمت: اللهم اجعله خيراً
آلو..من صاحب الرقم؟
صباح الخير ..أنت الخالة فدوى( أم جمال)
صباح الخير .. نعم أنا أم جمال …من تكون؟
أنا ضابط الوحدة المسؤول عن القطعة العسكرية التي يخدم فيها ولدك جمال يؤسفني أن…
أخبرني بسرعة أرجوك ماذا حدث لابني؟
لقد تعرض لإصابة شظية في عموده الفقري أدت إلى شلل نصفي ويتواجد الآن في مشفى تشرين العسكري في دمشق ليأتي أحد أخوته إليه ويأخذه بعد أن يتعافى
صرخة مدوية في الأعماق عبرت أسلاك الهاتف وصلت إلى أبعد مدى، سقطت الأم أرضاً فاقدة الوعي و دخلت في حالة سبات…
عاد جمال مع أخيه بعد مدة زمنية لابأس بها، صدى صوته أيقظ والدته من سباتها الطويل، لم تكحل عينيها برؤيته عريساً بل رأته مقعداً، لقد عاد طفلاً بأول أعوامه بين يدي أمه.
هند يوسف خضر …سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى