قراءة لقصّة شارع الخلوة للقاصّة نورة عبيد
بقلم أستاذ الفلسفة فيصل السائحي
قراءة لقصّة شارع الخلوة للقاصّة نورة عبيد
لمّا لمحت صورة غلاف المجموعة القصصيّة
“شوارع ” القاصّة التونسيّة نورة عبيد أصابني ما يشبه الهوس. وهي حالة تصيبني عندما يبلغ بي الشّوق إلى اكتشاف عالما اعلم جيّدا انّ فيه من الجنون ما يلبّي توقي إلى السّباحة فيه. لذلك ورغم بعد المسافة تمكّنت من الحصول على نسخة منها إذ لم تسمح لي الظروف بزيارة معرض الكتاب بالعاصمة.
نورة عبيد في مرايا التّراب كانت قد سحرتنا بروايتها للتفاصيل المنسية في حياتنا و هي التي اعتقدت دوما بأنّ الأدب هو رسالة الحياة؛ بما يعني ضرورة الانغماس في قلب الحياة و في ادقّ تفاصيلها.. و في مجموعة “شوارع “نلمح بوضوح هذا التٌوجّه لدى نورة عبيد عندما و بشكل فيه الكثير من رغبة في التجديد
إذ تحاول أن تكون وفيّة لاستراتيجية النّفاذ إلى التّفاصيل التي يجد فيها كل منا ذاته و تاريخها.. كلّ من يقرأ شوارع لابدّ له من أن يقترب من الشارع الذي يجد فيه بعضا من تفاصيل ذاته. لكلّ شارعه بل شوارع بالمعنيين :المادي و الرمزي. كلّ شارع يحيلك إلى شارع آخر أكثر التواء.. كما الدهاليز المظلمة. لكنّها ظلمة أو عتمة تجبر البصر و َالبصيرة على الرؤية.. فتظهر لك الأشياء على غير ما كنت تتوهم. تلك هي ميزة الكتابة عند نورة عبيد.
انا لا أدري لماذا اخترت شارع الخلوة لاتجوّل فيه. كنت احسب انّي ساجد المنفذ الذي يجعلني اغادره.. غير انّي تهت ولم استطع ان اتبيّن نقطة العبورالتي تنقذني من الفخاخ التي نصبتها نورة عبيد.
تحليل بنيوي للرموز والدلالات الفلسفية في قصة “شارع الخلوة “
قصة “مزرعة الذرة” أو شارع الخلوة في مجموعتها القصصية الماتعة” شوارع “
للكاتبة التونسية نورة عبيد تحفل برموز وإيحاءات فلسفية عميقة. فمزرعة الذرة تمثل رمزًا للحياة والخصب والنماء. وتتجلى فيها دورة الحياة من الولادة إلى الموت والبعث من جديد.
الذرة رمز للطهارة والبراءة، فحبات الذرة الطرية كأسنان الحليب تشير إلى الطفولة والنقاء. بينما الحبات الناضجة الذهبيّة تمثّل النضج والخبرة. وشعر السنبلة الأسود والأصفر والأرجوانيّ والأبيض يرمز إلى تنوع البشر وتعدد ألوانهم وأجناسهم.
اللحاف الذي يغطي السنبلة يرمز إلى الستر والحماية. وقشر اللحاف للوصول إلى جسد السنبلة يرمز إلى كشف الحقيقة والوصول إلى الجوهر.
مزرعة الذرة تمثل أيضًا رمزًا للجسد والروح. فهي “حصن الجسد” الذي يحتمي به الإنسان. وفيها يحلو العراء والتحرّر من قيود الجسد. كما أنّها مكان للتّطهر والتوضؤ من أدران النفس.
وتكشف القصّة عن الجانب المظلم في الطبيعة البشرية. فالأب وهو رمز للسلطة والأمان ينحرف عن مساره ويرتكب فعلاً منحرفًا مع الجارة. وهذا يشير إلى أن الإنسان قابل للخطأ والانحراف مهما كان موقعه.
وتنتهي القصة بخروج الفتاة من مزرعة الذرة وهي رمز للخروج من حالة الجهل والضياع إلى حالة الوعي والإدراك. فالفتاة تدرك حقيقة الأب وتنفر من سلوكه المنحرف. وتعود إلى بيتها وهي ترسم طريقًا من السنابل المتساقطة وهو رمز لترك آثار وعلامات على درب الحياة.
بهذه الرموز والإيحاءات تنجح نورة عبيد في تقديم رؤية فلسفية عميقة عن الحياة والإنسان والطبيعة البشرية في قصة “مزرعة الذرة”
مقارنة بين أقصوصة “مزرعة الذرة”شارع الخلوة ولوحة فان جوخ :
لم استطع ان اقاوم رغبة عنيفة في اقتحام عالم حقل الذرة الذي فتحته نورة عبيد على مصراعيه بعد قراءتي للقصة …هو عالم يتكثف فيه الغموض الى حد كبير ابتداء من “عبود المستورة المتلحف بالاغلفة و الالحفة ..قد تذكرنا بصورة العذراء المصفحة وصولا الى ما يميز الحقول من صفة المتاهات التي تقترن باللعب ….عالم من الاسرار يذكرني بلوحة فان غوغ ” حقل الذرة و الغربان ” لوحة تحيل الى الكأبة و السوداوية حيث تنقض الغربان على الحقل ..حقل الذرة المليء بالحياة تحوله الغربان الى ساحة دمار….و مع ذلك هناك في اللوحة في وسطها تحديدا ممر مفتوح الى اللانهاية ..كبصيص امل
ما وجه المقارنة؟
الطفلة التي تلعب و تتبرز ..تتستر بكثافة عالم الذرة ..تعيش لحظة صدمة تنقلها من عالم الطفولة اللاهثة باللعب الى صدمة الجنس ..من لذة التبرز و التغوط الى لذة لا تعرفها….هي دنست طهورية نبتة المستورة ..ملقية ببقايا شهوة طفولية لما اكلت التين اما الوالد فقد انكشف لها مدنسا جديدا لم تعهده …لا تتقن فن الاختفاء …هربت و فتحت وسط كثافة وجود متشابك للذرة طريقا الى الخارج …غير ملتفتة ..بما يسمح لي ان افهم سر الدرب المفتوح في لوحة فان غوغ.
صورة الأنثى في مزرعة الذرة شارع الخلوة :
الأنثى كجارة محترمة: في البداية، تُصوَّر الجارة على أنها امرأة محترمة ضمن المجتمع.
الأنثى كمصدر جذب وإغراء: تتحول الجارة إلى مصدر جذب وإغراء للرجل، حيث يقتات منها ويقتات منها، مما يعكس تبادل الجمال والرغبة.
الأنثى كمصدر للجمال والأنوثة: يُشير النص إلى تحول الأنثى إلى مصدر للجمال والإغراء بمفهوم معين من الأنوثة، مما يُعبر عن القيم والتوقعات المجتمعية تجاه المرأة العربية.
الأنثى كضحية للرغبات الذكورية: في النهاية، تُصوَّر الأنثى كضحية للرغبات الذكورية المتحكمة والمستغلة لجمالها وأنوثتها.
إذن، يُقدم النص صورًا متعددة للمرأة تتراوح بين الاحترام والاستغلال، مما يُعبر عن تناقضات المجتمع العربي في نظرته للمرأة وأدوارها.
في قصة “مزرعة الذرة” للكاتبة التونسية نورة عبيد، يتم تقديم صورة الأب على النحو الذي فسرته فرضية عقدة اوديب في القراءة التحليلية الفرويدية. هناك بعض المؤشرات على ذلك:
الأب يمارس الجنس مع جارتهم بطريقة علنية في مزرعة الذرة، مما يشير إلى غياب الحياء والحدود.
الراوية تنسى في لحظة أنه أبيها، وتنظر إليه كشخص آخر، مما يوحي بوجود نوع من الاغتراب والانفصال.
عندما يكتشف الأب وجودها، تهرب الراوية وتتساقط السنابل خلفها، كأنها تشير إلى “موت” الأب أو انتهاء سلطته.
بعد المشهد، تشعر الراوية بالريبة والخيبة، وتعود إلى البيت وقد فقدت براءتها، مما يعكس تأثير هذا الحدث على علاقتها بأبيها.
إذن، يمكن القول إن هناك إشارات في النص إلى فرضية الأب المقتول في تحليل فرويد لعقدة أوديب، حيث يتم تقديم صورة الأب بطريقة تشير إلى غياب السلطة والحدود، مما يؤثر على علاقة الابنة به وعلى نظرتها للعالم.