أقدار…قصة قصيرة
الكاتبة فضيلة معيرش/الجزائر
أقدار….
يمرّ شريط عمرها الذي تغيب فيه الألوان ماعدا الأبيض والأسود مكتظا بقاطرات الشجن والمآسي لا محطة تستقبل مآتم وجعها ، استرسلت أقدار ذات ليلة في قراءة رواية القضية لكافكا أثار فضولها البطل ” ك ” تكال له التهم من كل جانب دون أن يعرف حقيقة ما هو متورط فيه. فارقَ والداها الحياة وهي دون العاشرة من حلمها، تربت في كنف أختها الكبرى ميساء تأخر زوجها تاجر المواشي في زواجه حتى شارف على العقد الرابع ، اختارت أقدار المكوث عند أختها ميساء دون سواها من إخوتها حسب ميول مشاعرها وكون أطفال أختها يقاربنها آنذاك سنا ، نالت من التعليم يسيره شغفت بمطالعة الروايات البوليسية بلغت العشرين سنة ، تذكرتها الأقدار التي أحذت من اسمها نصيب لا يستهان به ألمت وعكة صحية مباغتة بأختها ميساء لتفجع في موتها وقد خلفت ثلاثة أطفال .
تتراكم ثلوج الفقد على قمم صدرها لتتوقع توقف قلبها عن نبضه ، خذلتها ميساء واستسلمت لقدرها الذي استجابت له طواعية وغادرت ذات صبيحة مجهولة الهوية ، وجدتها دون حراك والدّم المتدفق يبرد ويسدّ الأوردة . وزرقة قاتمة تكسو بشرتها البيضاء الناصعة، لم تعد تعنيها الأيام والمواقيت حينها.جالست الوحدة وسكنت إليها كرفيقة أبديّة، تمرّ الشهور ويتمها يلبس أسماله البالية ، تجر تعب قدميها عائدة من المقابر أضحت تقضي معهم أوقات خلوتها . تدمي أشواك المحن قلبها ، تزداد مناعتها وجراحها تفتح بمشرط القسوة …حكمت محكمتهم التي لا يرد حكم قاضيها أن تحل محل أختها ميساء يتجول يتمها هذه المرة
بمدن كلّ أبواب البيوت غدت موصدة والشوارع خالية لا دبيب لكائن حي ، تشكو رحيل من كان فيها.
جارت عليها النوائب وما عاد يشكل يتمها مبررا لمبالاتها ، تقوم بشؤون البيت تربية أطفال زوجها تاجر المواشي وإنجاب أطفال جدد،حكم القبيلة لا يمكن تجاوز قوانينه .
تزورها صديقتها غدير في غياب زوجها أضحت البلسم الشافي لتصدع أوتاد عمرها
تحمل إليها ثمار الفرح المبطن بالنميمة ،
تماهت في كلامها المنمق وهي تستفز ككل مرة تمردها : خُلقتِ لأقدار أكثر بهجة ، ما كان عليك قبر جمالك مع شيخ سبعيني ،ستفترسه أنياب المرض ستبتلعك فوهة اليتم بجواره أضعاف ما أنت عليه. أضحى مطلب اصررها عن الانفصال حديث
من يعرفها ، حملت حقائب التعب وعادت لبيت والديها العتيق ،عادت لما غاب عنها من قصص كافكا و دوستويفسكي و يوسف السباعي… وقد اشترطت على طليقها نظير عتقها أن لا يحرمها من حضور أفراح وأتراح ولديها وكذا أولاد أختها ، عملت كخياطة ليكون لها صيت لا يضاهى احتفظت في غرفة نومها بصور من فقدتهم تتمتم بأدعية وصلوات ، تغرق في صمتها فيسدل الصمت أغطية الذهول لتعود لروحها السكينة.