أدب وفن

باقة قصائد للشاعر الشيخ حسين أحمد شحادة

ما لا نعرفه
عن أوصاف الجريح



قلت له : كم مرة وقفت
على الشفير بين الموت والحياة
فابتسم
وقال : أنا والموت تآخينا من زمان
هو مثل مكاتيب الهوى حين ترسلها
إليّ معزوفة الرصاص
أتأمل لحظة الإستسهاد في سبيل الله
كمن يحدق بلوحة فنية مرسومة لمحاكاة
الحق والخير والجمال
وأنا حين أركب الخطر لا أبالي وقع الموت
عليّ أم وقعت عليه
فأنا مستثنى من سكرات الخوف والهلع
ولهذا لا اجد مسّ القتل في جسدي
إلا كما يجد الصوت صوته الفرحان
عند خطوط التماس بين المفتاح
والباب
——

من ذاكرة الحجر الفلسطيني


—-
كانت الأيام اللونية
تكتظ بالفوارق بين العصور والشعوب
وعند نقطة التقاطع بين شرق وغرب
كان الفضاء الأزرق
ينقل وعلى الهواء مباشرة
صورة تمتدح الأمهات
اللواتي يرضعن الصغار
دخان الحرائق
ودخان الطائرات
أيقظتني الذاكرة
رأيت الحجر الفلسطيني مضاء
بأيدي الأطفال
وهازئاً من آلة الحرب الوحشية
وضاحكاً : أزحتها من الطريق
أزحتها من الطريق
في ذلك النهار
شهدت بعيني أعظم أسطورة
كان الولد الفلسطيني ذَا موهبة سرّية
يفهم قواعد الإشتباك
بين الصغار والكبار
وكان أشدّ بهاء
من صمتنا الدائر من غامض إلى غموض
وبرغم بقائنا المتكرر خارج التاريخ
تقدّم الزمن
وتقدّم الحجر الفلسطيني
وكان أسمع منّا وأبصر
كبر الطفل
وكبر الحجر
لكنّ العيون الزجاج
ما تزال في علياء السماء
مثل ناطحات السحاب
فوق أنقاضنا
تحدثنا عن فضائل الصمت
وعن فضائل المهرة
التي ترقص حافية القدمين
—-

الجريمة والعقاب



يعاقبنا التاريخ على غفلتنا
وتعاقبنا الحرب الناعمة على يقظتنا
وقد آن الأوآن أن ندرس الأسباب
والمسببات التي قذفتنا إلى قلب الخطر
الوجودي فذهبنا بانقساماتنا – وَيَا للأسف –
إلى تبرير عجزنا واستسلامنا للأمر الواقع
بين تيارين
أحدهما : استبدل مفهوم المناعة بمفاهيم
التعصب الأعمى لأقفاصه السياسية والطائفية
وثانيهما : أوغل في الحياد فلا هو يريد
أن يقاوم الخطر الوجودي العلني في صميم مشاريع الهيمنة والإحتلال
ولا هو يريد أن يضع نقطة للفصل
بين نقد الذات وتدمير الذات
—-

كي لا يحشر الصمت
يوم القيامة أعمى


—-
كلمّا انتقص من عرضنا وطن
قلت لأصحابي :
تعلّموا من اليمن
وخذوا زينتكم من العقيق الأحمر
أو من عاشقة لعنبر مفتوت
بمسك صنعاء
واستغفروا من أسرج الخيل والصهيل
وكونوا عرباً أحرارا
واسألوا المدن السبايا
أليس للروح قبّة من حديد
أو بردة يمانية تهبّ بنخوتها
إذا انتهكت في الأرض حرمة النساء
يا موتنا العربي
لا تمت ثانية
واشتعل بالتي غيرت طعم التاريخ
وطعم الحياة
فهذا الصمت
بلع الصمت ذروته الصمّاء
واستخفّ بدمي المكتظ بغار الخطايا
وارتدى شكل صورتنا بفردوس النفط
وارتمى
ما أقبحنا بأحضان الخذلة
وأنا شبيهك
لكن لي خصال الينابيع الوفية للتراب
أقاتل الخوف المصاب بلعنة الجدل
وليس في يدي سوى قمر حوثي
يتهجى سعفة الضوء
من نخلة تجهمت بالحزن على لغة
تمشي على ساق واحدة
من أنت يا أنا
وتلك العواصم المخاذيل سقطت
كأن لم يكن في حبل صرتها
سحابة تشهق على سرير الولادة
وهذا مصرعي يقاضي مصرعك
وليس من أحد يترك نصرة الوالدات
إلا وخاب وانقطع
وعاش بدون يدين
كمسخ يفتش عن بؤبؤ لعينيه
فلا هو يراه في قاع الظلام
ولا هو يراه في بقايا الحطام
واختلف الرواة هذا دمي أم دمك
ما أصعب الدمع بأجفان بلا أمهات
وكذا يموت النسي
كما يموت فاقد الأحداق
ويحشر يوم القيامة أعمى
بلا عينين
——
الشيخ حسين أحمد شحادة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى