في قانون عزّة النفس فقط، يصير المرء ما يريد
في قانون عزّة النفس فقط، يصير المرء ما يريد.
الكاتب مارفن عجور
كثيرون هم المعذّبون من ماضيهم، كثيرون هم من فشلوا في الابتكار والابداع وعاشوا متاهات المجتمع، وقلقوا بشأنه وبشأن نظرته، عاشوا متاهات أهلهم، الذين ما قبلوا سوى أن يلتحق أبناؤهم باختصاصٍ معيّنٍ وأن يمارسوا مهنةً لا شغف لهم في ممارستها. نعم، كثيرون هم من كرهوا أنفسهم، وأحبطوا قلوبهم، وشتّتوا أذهانهم واكتسحهم شبح المجتمع ونظرة المجتمع ونظريّاته الغبيّة، التقليدية، الجاهلة، المحدودة، وما يجول في ذهنه من أفكار، كثيرون من لم يقدرّوا ذاتهم، قدرّوا الآخر وتحدّوه بتحدٍّ خاطئ، ليثبتوا له أنّهم سينجحون في ما لا علاقة لهم فيه، تعلّموا ما لم يختاروه، تعلّموا اختصاصًا بعكس اختصاصهم الحلم فظنّوا أنّهم سيبرعون وسمعوا للآخر ولم يسمعوا لأنفسهم فرسبوا سنواتهم ألف مرّة ومرّة وعادوها ألف مرّة ومرّة. تخرّجوا ويا حسرتاه على هذا اليوم! تخرّجٌ مخجلٌ، وكيف للمرء أن يرمي قبّعةَ تخرّجه، قبّعة الحلم إلى أعالي السماء وهو قد رمى حلمه منذ زمن ولم يعد يشغل باله سوى رضى الآخر وزعله، وحكم الآخر عليه. وراحوا ليعملوا فكم من بابٍ أُقفِلَ بأوجههم وكم من “لا نريدك في العمل” سمعوا وكم من ابتسامةٍ ساخرةٍ أضعفتهم وأخجلتهم ودمرّتهم، فكيف لهم أن يبرعوا في العمل في مهنةٍ أضاعوا آلاف السنين وهم يدرسون مسائلها المعقّدة ويصارعونها على جبهة الانكسار؟ كيف لهم أن يثبتوا في عملٍ لا علاقة لهم فيه، علموا فيه وتعرّفوا عليه وحفظوا قواعده وما زال يجهلهم؟ ومن يعتاد على شيء لا يريده؟ ومن يتشوّق أن يصبح ما لم يطمح إليه؟
شبح المجتمع يمضغ الانسان منذ أن يكون طفلًا، ففي وقتٍ تبدأ مهاراته بالظهور، يبدأ من حوله بمهمّة تكسيره، وكأنّهم يقولون له :”لن تعيش سوى على حسابنا”، لهذه الدرجة يكون المجتمع وقحًا أمام الرائد الصغير إلى حين يكبر، وما على الطفل سوى أن يكون ذكيًّا منذ الصغر، فإمّا يصيب هدف المجتمع ويتغاضاه لصالحه وينتقم منه ناجحًا، إمّا يعمل على مشيئته ويتقوقع طوال حياته، ويقبع في زوايا خانقة، سوداء، ويسّجل على قائمة الفاشلين والمستسلمين والخاسرين بمعارك الطحن التي يخوضها المجتمع مع كلّ مخلوقٍ جديدٍ أهداه الله حياةً متلوّنة التفاصيل ليعيشها ويكون جندها والمدافع الشرس عنها الأوّل والأخير، ويختبره ليرى مدى ذكائه وقوّته وحكمته. يكبر الطفل ويمرّ بفئات عمرية متعدّدة، ينضج مع الوقت، توقظه المواقف، تقويّه، تنميّه، تغذّي عقله، وتشرق عينيه على الحياة أكثر وأكثر، حيث يعرف حينها هدف كلّ من يقابله وكيف لمحيطه أن يغارَ من نجاحاته ويبدأ في اظهار انجازاته لأنّها أفضل وسيلة للانتقام من المجتمع الساحق الذي يترك قضاياه ويهتمّ بقضايا الرواد والمفكرّين والعظماء،لأنّه لم يستطع أن يكون مثلهم. وفي مقابل هذا الطفل، طفلٌ آخرٌ، استطاع الجهل أن يتفوّق على ذكائه، جهل من يحيطه، ومن تطلّع على مواهبه، وحطّمه، غار منه فغاظه وقدر بغيظه أن ينجح في اقتحام طريقه الذي يشقّه نحو المستقبل. طفلان اثنان زُرِعت في قلبيهما المخاوف والعقد النفسية منذ أن جاءا إلى هذه الحياة. واحدٌ منهم داس بقدميه القويّتين على سواد عقول المجتمع ومنهم من اسودّ عقله ورأى في عقل المجتمع بريقًا لامعًا، استثمره، ليرضي الآخر، وكأنّ من الآخر منفعةٌ واستمراريّةٌ. وكيف نقول للمتشبّث بالناس أنّك لنفسِكَ يا عزيزي؟ لا! نحن لا نستطيع اقناعه! هي المواقف، آملين أن تصفعه، ومن شدّة الوجع تصحيه على أفعاله البلهاء، وأن توقنه أنّ السير على طريق الآخر لن يجلب له سوى الاحباط والبكاء ونوبات الهلع والارتجاف من كلّ المواقف الصعبة التي سيظلّ يعيشها حتى الرمق الأخير.
وأمام هذين الطفلين، اللذين كبرا في العمر، مصيران حسمهما بيديهما، وقرّرا من قرارة نفسيهما مجرى حياتيهما، ونبئّا العابرين المستقبليّين على جسور الحياة أنّه قرارًا واحدًا قد يحسم مصيرهم في جميع مراحل حياتهم وأنّ نمط عيشهم يرتكز على إرادتهم فقط إرادتهم. إمّا يقيّدون أنفسهم بأقوال المجتمع، إمّا ينجزون ويفرحون ويأملون ويحلمون ويحتفلون ويلمعون ويغردّون طيورًا للحريّة والاستقلالية ويبدعون ويستنشقون أزهار الطمأنية، الطمأنينة بأن الله يقودهم، وهو على كلّ شيء قدير.
أقول لكم اليوم، اختاروا نفسكم واعتزّوا بها وافخروا بمكانتكم، اعملوا أن تكونوا أنتم ولا أن تكونوا هم، دعوا حلمكم يغتالكم، ولتكلّفكم أحلامكم ثمن أعمالكم، كونوا في مهنتكم أيقونةً يشمخ فيها كلّ صرح تتواجدون به وتنتجون فيه وتعملون في سبيله ليكون من أهمّ وأفخم وأعرق الأمكنة في مجاله، أبدعوا واهدفوا أن تتبوأوا المراكز المرموقة وتنالوا البطولة ليراهن عليكم رؤسائكم على النجاح والفوز في أصعب وأكبر الأعمال والمشاريع والأبحاث التي تجيئكم فرصةً لاظهار قدراتكم، فاجئوا من حولكم، وبرهنوا له أنّكم عندما اخترتم نفسكم برعتم وقطعتم أشواطًا من التميّز والفرادة، غنّوا أحلامكم على مسارح انتصاركم وإيّاكم أن تغنّوا بؤسكم على مسارح انكساركم، وفكرّوا دومًا أن صحتّكم النفسية هي أولوية وكلّ قرار ناضج تتخذّونه في البداية اعلموا أنّه لن يؤذيكم وسيخفّف عنكم ويجنبّكم المناقشات واللحظات الوعرة ونصائح الناس المسيئة لكم ولمستقبلاتكم.
إن كنتم تريدون أن تصبحوا كتّابًا، اقرأوا واكتبوا وطوّروا مهاراتكم ولا تضعوا لها حدودًا وليكن حلمكم بحدود السماء، لا تتعجلّوا النشر، اصبروا فالصبر مفتاح النجاح، تعلّموا جيّدًا واكتسبوا معلوماتٍ مفيدةً، تأمّلوا وتعمّقوا بالكلمة ومن ثمّ اشرعوا في مغامرتكم الأولى وانشروا كتابكم الأوّل ومن بعدها الثاني والثالث وهكذا وذاك، يتصدّر اسمكم كلّ قائمة تتعلّق بالأدب والكتابة، كونوا كتّابًا إن أردتم وإن علقتم بقرار مجتمعكم ودبّ الهمّ أعماقكم وقلقتم على انفعاله من عدم اختياركم لِما قاله لكم فأقول لكم، أخرجوا من هذه الكارثة فورًا، فأنتم تختارون مهنةً ستكون لكم، أنتم من ستتعلّمونها وتكتشفونها وتعملون بها وليس هو. النجاح نجاحكم، الفشل فشلكم، الحياة حياتكم، القرار قراركم، إن أرادوا منكم أن تصبحوا أطبّاء، أرفضوا، أخطئوا في ما اخترتموه مرّةً ولا تخطئوا في ما لا تريدونه ألف مرّة، ارتكبوا الأخطاء الإملائية، ولا تقتلوا أرواح البشر وتتكفلّون بعمليّاتٍ عصيّة لا تمت لقدراتكم بصلة، انكبّوا على الروايات بهمّة وعزم ولا توجعوا أذهانكم بدراسة الطبّ وجسم الانسان الذي لا تفقهون شيئًا منه.
اتعبوا الآن، وارتاحوا لاحقًا. اختاروا شمعتكم وأضيئوها بتفوّقكم واستسلموا لإرادة الله وثقوا بمشيئة الله ولا تتردّدوا بقول “لتكن مشيئتك”.
همّ المجتمع الذي يحمله الانسان على ظهره ثقيلٌ جدًّا. لن ترحم الحياة إنسانًا من كلام إنسانٍ آخر، لن ترحمه من الأمراض النفسية والعقلية ومن الخوف والهلع ومن تعب الضمير وإنهاك الجسد واستنزاف الطاقة على أعمالٍ فارغة لا فائدة منها. هناك من يعمل على نفسه وهناك من يهمل نفسه إلى أقصى حدود. ولربّ انسان ركّز على طموحاته فاعتزّ بنفسه وصار ما يريد، ولربّ انسان غفل عن طموحاته فدفن نفسه بنفسه، سمح لإرادة محيطه أن تتحكّم به وتنزع منه إرادته. في خلاصة كلّ ذلك، نحن نصير ما نريد عندما نطبّق قانون عزّة النفس علينا، نطبّقه بالفعل لا نتظاهر به، فالتظاهر أسخف ما يمكن للمرء أن يفعله! ولِمَ نتظاهر بأكاذيبنا وبصورتنا المزيّفة؟ ليس الجواب إلّا سببٍ واحدٍ، هو خوفُنا وفشلنا وذلّنا مدى الحياة ورهابنا من ردود فعل الناس.
سنصير يومًا ما نريد، ما زلنا نحلم ونأمل ونثق أنّنا للحلم نحن، ونحن لِما اخترناه وسوف نناله شاء من شاء وأبى من أبى.
عزّة نفسكم أوّلًا والمجتمع لا مكانة له في حياتكم.
وفي قانون عزّة النفس : يصير المرء ما يريد.