حنان بدران في قراءة نقدية ل ” زواج المسافات ” قصة أحمد اسماعيل
زواج المسافات/ القراءة النقدية
قصة واضح من الشخصيات التي يورايها لنا الكاتب خلف شخصيات حيوانية إنه راحل لتأليف كتاب على غرار كليلة ودمنة لابن المقفع .
من البداية حتى النهاية هناك خط يسير مع القصة القصيرة وهو يقدم لنا قصة قصيرة بسرد كلاسيكي جميل ومن القضايا التي طرحها لنا
- قضية الحب قبل الزواج
-وقضية التمرد على المجتمع في سبيل النجاة بهذا الحب
-وقضية الحب مع الفقر ..
-والفروقات النوعية في الحب إلى أين تؤدي …
الاسم في القصة
زواج المسافات
من الواضح جدا أن الكاتب أن الاختيار لم يقع عبثا للتركيز على كلمة … المسافات …
والزواج المفروض فيه أن لا يكون هناك مسافات نوعية أو فروقات طبقية أو نوعية…الخ من الفروقات التي لربما تكون عائقا في وجه هذا الزواج .
وهنا في هذه القصة رصد لنا عدة فروقات طبقية ونوعية في الزواج مما جعل هذا الحب حتى وإن كان حقيقي ينتهي إلى الدمار .
من هنا جاءت كلمة زواج المسافات أي الفروقات التي تصنع مسافات تباعد لا مسافات تقارب بين المحبين .
وتكون النتائج في التقارب كارثية على أرض الواقع .
قراءة حول القصة القصيرة
في قضية الحب
عادة الحب أمرا لا يد فيه للإنسان وهو هبة الله لخلقه يضعه فيما يشاء وينزعه مما يشاء .
لكن هناك أنواع للحب فالحب الحقيقي هو الذي يأتي مرة واحدة بالحياة وأنت تدرك أن هذا الإنسان خلق لك وخلقت له مهمًا اختلفت في الفروقات لا تكسره ولا تشوه أنقى ما فيه وهو حب روحاني يسمو حتى تظن أنهما روحان في روح واحدة .
وعادة هذا النوع من الحب الحقيقي بالزواج قد يثمر بحب وترابط أكبر على أرض الواقع.
وهناك حب الطبيعي والذي تتحكم فيه المشاعر ولا يتدخل العقل فيه بتاتا وهذا بالعادة نتائجه بالزواج كارثية الشكل والمضمون .
لأنه قائم على قواعد فارغة الأسس بالزواج والالتقاء يرحل الحب ويأتي فصل التعود ويبدأ الخريف فورا ليهطل الشتاء فيه سريعا .
ونتائجه إما طلاق وانفصال حقيقي أو انفصال وطلاق وهما يعيشان تحت سقف واحد وهم يدركون أن الاحلام التي رسماها الاثنين ذهبت ادارج الريح .
وهذا ما رسمه لنا الكاتب هنا احبها واحبته هربا سويا تحديا بحبهما العادات والتقاليد، تمردا على الرفض ، ظنا منهما أنهما أتخذا قرارا صائبا .
ولكن عند الزواج هناك معطيات وتحديات تفرض نفسها حتى مع وجود الحب ..
وقد تكون هذه التحديات هي بحد ذاتها من تحدي لواقع مرير يعيشانه ولا يستطيعان انكاره شكلا ومضمونا .
أدرك من التصاعد الدرامي الرائع للقصة وقبل مضي الوقت تشعر أن الحب الحقيقي انتصر وأن نقش الاسم واشهاد الطبيعة لهما هو الانتصار الاكبر ..
وأنا أدرك حرفيا أن الحب الحقيقي مهما قلنا ما هو إلا التقاء عاطفي وفكري وجسدي بينك وبين إنسان آخر .
والأهم أن يتصاعد هذا الالتقاء الإنساني ويغتني على مر الأيام ويزداد عمقا ومتانة .
لأن أصل اللقاء يجب أن يكون نتيجة للقاء انسانين على صعيد فكري وروحي قبل أن تكون الغاية هو مجرد تفقيس أطفال لحفظ البقاء .
ومن هنا تبدا المشكلة حرفيا ..
فالحب يحتاج لمقومات كثيرة ليستطيع أن يتحدى الجميع ويعيش وكأن الكاتب ا.احمد اسماعيل يقول لنا حرفيا ( إذا دخل الفقر من الباب قفز الحب من الشباك).
وهنا تبدأ العقدة في القصة تتنامى وتكبر ..
حين تغدو الايام جبل هموم بدل أن تكون جبل غيوم طائرة فوق السحاب..فكيف يمكن لهذا الحب أن يكون
حقيقة على أرض الواقع ؟!
ولهذا لمح الكاتب أن السعادة بهذا الحب لم تكن مكتملة
والسعادة هي القدرة على ردم الهوة بين صدق الإنسان الداخلي وبين سلوكه الخارجي ، وهو القدرة على تحقيق ما نحس به ونبطنه ، وبين ما نعلنه ونبديه ونحيا من اجله ..السعادة هي ذلك السلام الداخلي ، حين يكف الإنسان عن حربه مع صدقه ويبدأ حربه ضد القوى التي تحول بينه وبين انسانيته .
وهنا بدأت عقدة القصة حيث كان العمل الذي يقوم به شوقي بالكاد يؤمن احتياجاته ، وبدأت الحياة تسير بمنهج جدا صعب على الاثنين معا ، فهو منهك من العمل من الديون من العمل المضني والمنهك فكريا وجسديا وروحيا ، شعور سماسم بالفرق بين ما كانت تعيشه حرفيا ببيت والدها وبين ما تعيشه الآن لربما ادركت أن الحب أولا والمال ثانيا ليزدهر الحب (فالمال يعني شراء الزمن وامتلاك الوقت الحب).
ثم الذكاء المتدني الذي لا تستطيع معه حرفيا أن تصنع المعجزات .
وهنا تقاطع الحب مع الواقع واخذ العلاقة إلى منحى منحدر واكتمل الأمر بالحمل ، وهنا كانت المفاجاة الكبرى فالواقع أن الحمار لا يشبه جمال المهرة سماسم ومن هنا بدأ الخوف يزداد ويضغط على كلاهما فقر قلة حيلة حتى وضعت المهرة المولود الصدمة …
فالمولود بغل وهنا كانت الصدمة التي وضعت الإثنان على محك الاعتراف بأن هذا الزواج كانت ثمرته تراكمات من الصحو الذي جعل المهرة تخرج عن طورها بفداحة الغلطة التي ارتكبتها وجعلت من الصامت الهادئ يخرج عن طوره ويجدا انفسهما أمام الحقيقة ينفصلا بعدائية ولربما كره أيضا .
وتختم بعبارة سأبقى بعيدا عنك بعدا تشتهين فيه على المدى مسافة رسالة .
وهنا يكشف الواقع عن الوهم الخاطىء في العلاقة بأن الأمرين متناقضان وغير متكافئين وهنا ينكشف لنا تناقض بين الثورية وبين الحب على الطريقة السينما العربية حيث تنتهي بالميلودراما ولكن لا تناقض بين الثورية والحب المعافى أن كلا منهما يكمل الآخر.
ومن هنا نقول أن الحب ليس نقيضا للجدية في مواجهة قضايا الحياة ، وليس نقيضا للحس بالمسؤولية
وكثير من الثوريين لم ينذروا العفة وهناك ملايين الرجال لم يعرضوا عن الحب ، لأن الحب ليس من اختراعهم بالنهاية فنحن هنا لا نتكلم عن الحب البرجوازي الأخلاق ولا غنائيات النزوات الجنسية ،بل هو صيحة من الكاتب ا.احمد اسماعيل لأجل دق جرس الخطر من الحب غير واعي والغير المسؤول .
فالحب الذي لا يفجر طاقاتك الإنسانية للعطاء فهو يحمل في بذوره أسباب موته .
تحياتي واحترامي الكبير لك قصة قصيرة رائعة وجميلة
على السنة الحيوانات ولكن من واقع حالنا الذي لا يحمل وعي حرفي بعواقب الأمور على أرض الواقع.
بقلم الناقدة
حنان بدران
القصة
زواج المسافات
في الحقل الأخضر كل شيء يزهر حتى الحب و إن كان منظره لا يعجب الكثير من الحيوانات، فالحمار شوقي لا تفارق نظراته المهرة سماسم حتى في الحلم، و لهفة سماسم بلقاء شوقي كلما ازدادت تنكسر مع رفض عائلتها و تحذيرها المستمر لها من تدنيس المكانة الاجتماعية للعائلة و أصالتها،
تقدم شوقي كثيرا لطلب الزواج من سماسم، لكن في كل مرة كان يطرد فيها، و كلما طرد يزداد إصراراً للظفر بها،
لذلك اتفق مع حبيبته أن يهربا خارج الحقل الأخضر في عتمة الليل ،
في الليل حيث الهدوء و السكينة، الجميع يغطون بالنوم،
الفرصة سانحة و لا تفوت،
تسللا بخفة خارج الحقل، ثم مضيا يجريان و الضحكات تزرع عطرهما هنا و هناك ….
يسبقها أحياناً و تسبقه أحيانا لا أحد يمكنه أن يقف حائلا بينهما بعد الآن.
تزوجا عند شجرة جوز ضخمة بعد نقشا الحرف الأول من اسميهما مع شكل للقلب بينهما على جذع الشجرة. و كأنهما يشهدان الطبيعة فقط على زواجهما.
استأجرا بيتا و وضعا فيه بعض الأشياء وبدأا هناك مرحلة جديدة في حياتهما،
كان العمل الذي يقوم به شوقي بالكاد يؤمن احتياجات المنزل من الطعام و الشراب و الديون تتراكم عليه يوماً بعد يوم.
و سماسم لم تعتد على هذا النمط من العيش و مع مضي الأيام باتت تحس بالحسرة و الحزن كلما تذكرت الترف الذي كانت تتمتع به، إلا أنها عندما ترى شوقي عائدا و التعب يملأ ملامحه تسكت وتحبس في داخلها كل تلك الإحساسات.
إضافة إلى أن ذكاء شوقي لا يؤهله لصنع المعجزات، فهو مجرد عتال لا أكثر.
بعد مضي عام على زواجهما و في صباح أحد الأيام أحست بالإقياء الشديد عدة مرات و هي تقوم بترتيب البيت، تركت كل شيء و ذهبت إلى عيادة الماعز الحكيم في الحقل، و بعد الكشف السريري عليها وقف أمامها بابتسامة و وجه بشوش و قال: مبارك مبارك.
استغربت سماسم من كلماته و سألته و هي خائفة هل أنا حامل ؟
أجاب الماعز الحكيم : نعم و في الأسبوع الثامن تقريبا
عادت من عند الحكيم و الأفكار السيئة بدأت تقلق راحتها، و الفقر كان دافعا ليحرضها على الإجهاض و الذي لم تفلح به في محاولاتها المتكررة، بل على العكس كلما تقدمت بها الأيام زادت حالتها النفسية تعبا ، و المشاكل تخلق في بيتها من لا شيء، و مع تذمر و ارتفاع صوتها المستمر يجد شوقي نفسه مضطرا لانسحاب تكتيكي بإتجاه السرير، السرير الذي بات يجد فيه المخبأ الوحيد لخيبته، لاسيما أن الصباح ينتظره بالأحمال التي لن ترحمه إن لم ينل قسطاً كافيا من النوم.
مضت الأيام وكأنها جبل من الهموم المتكدسة على رأس و قلب شوقي، كل يدعو في سره بأن يكون القادم يشبه حسن أمه و جمالها ، و سره هذا يمده بالصبر و الأمل و عودة الفرح الذي غادره بدون إذن أو تصريح.
أتت ساعة الولادة …هاهو الماعز الحكيم يبشرهما بالمولود.
نظرا إلى المولود لكن الدهشة أفقدتهما الوعي.
وضع الماعز الحكيم المولود جانبا وانهمك في إيقاظهما …بعد لحظات عاد لهما الوعي،
سماسم غير مقتنعة بالمولود لأنه لا يشبه شوقي
و شوقي يصرخ في وجه الماعز الحكيم و يتهمه بأنه غير المولود قبل عرضه عليهما في العيادة فهو لا يشبهه و لا يشبه سماسم.
طلب الماعز الحكيم منهما أن يهدأا، ثم وضح لهما أن كل حمار تزوج مهرة يتوج زواجهما بولادة بغل.
هذه الكلمات التي تفوه بها الحكيم أخرجت سماسم عن طورها فقالت : هذا ما كان ينقصني ، حمار و تزوجناه بالغلط .. أ فوق هذا أحتضن بغلا في الملأ ؟
لم يكن في حسبان الحمار شوقي أن يسمع كل هذا و لم تمنعه برودة أعصابه الدائمة من تفجير ما بداخله من جواب فقال:
أنا يا من ضيعت أمسي و غدي
بحب مغبر يزهر في النواح عاجلا لا آجلاً
سأبقى بعيدا عنك بعدا تشتهين به فيه على المدى مسافة رسالة.
أحمد اسماعيل/ سوريا