أدب وفن

الشاعرة ميشلين مبارك تقرأ بين سطور ديوان ” خيمة في الغابة” للشاعر باسل عبد العال

الخيمة في الغابة للشاعر باسل عبد العال

ميشلين مبارك*

الخيمة في الغابة للشاعر باسل عبد العال، وفي العنوان رموزٌ تغوص في المعنى:

هي الكلمة في غابة القصائد، وفي كلّ الأماكن

وهي الحماية في المنفى، وهي البيت المتنقل على امتداد خرائط الأوطان

هي الظلال تحت الأشجار الباسقة، وهي الشجرة الواقفة في وجه كل العواصف.

لطالما قلت: إن أردت أن أتعرف على شخص، عليّ قراءة نصه.

وأنا أعرف تمامًا نص باسل. فهو كالشجرة الراسخة جذورها في باطن الوطن وأغصانها الوارفة من روحه، من فلسطين إلى كل البلدان. في شخصيته الهادئة يعبّر عن الراحة ويفرش في ظلال نصوصه المحبة والعطاء حتى ليتكامل الفرع مع الأصل.

في ديوانه الصادر حديثاً عن “الآن ناشرون وموزعون ” يُطالع القارئ بادئ ذي بدء الإهداء: إلى الشهيد الخال أبو غازي نضال (من أجل رؤيتنا المشتركة في حضرة المهمة النبيلة) فالظاهر أنّ الشاعر كما خاله يحملان الرؤية المشتركة لرؤى صادقة ترافقهما في الحياة. وفي الواقع هذه الرؤية يتشاركها الشاعر أيضًا مع آخرين، كالروائي الشهيد نضال عبد العال وله قصيدة مهداة في متن الديوان.

هذه الرؤية التي يستهلها الشاعر في البحث عن الذات في هذا العالم، هي بمثابة قصائد تغفو على خاصرة الجرح ومن الجرح تُنسج الحكايات، حكايات مهداة إلى الأصدقاء، ومن خيوط الهوية يُحيك ذكراهم، من فلسطين إلى الشام فبيروت إلى فلسطين، والإلهام يجري على امتداد الرؤى، من عبور مُريد إلى الحق مرتويًا من كأس حيفا وروح الشاعر ما برحت تصلي صلاة الخلود.

فغفوة الديك لم تعلن بزوغ الفجر لأن الحرب قائمة وأطفال الحجارة أضاعوا الربيع.

يصحو باسل ليكتب نصه، فيرسم كونًا يشبه نقاء الشاعر، يستعير من البحر زرقته ليلون ذبول هذا العالم، يُنزل الشمسَ على مسرح الحياة ليبعث الروح في روزنامتها المملة. لكنه لا يكتفي، هو الذي لا يعرف الانكسار، ألم أقل لكم إنه شجرة راسخة. فروعها تعانق الريح وتدنو من غيمة فوق الشرق، فوق حفاة حنين ينتظرون النور، فوق حبّ لن يذبل.

وهل يقوى الطوفان على هذا الحب؟

ننتقل مع باسل إلى الجزء الثاني من الديوان، الذي يستهله بقصيدة “مديح الطوفان” المختلفة في الأسلوب والمضمون عمّا سبقه، في هذه القصيدة ينادي النبي نوح ليضرب الظلم والفساد فيجمع شظايا الروح في شهداء فلسطين وما تحمله هذه القصيدة من رموز الثبات على الصبر والحق وصولاً إلى تطهير الأرض.

ولا بدّ هنا أن يكون لغزة مكانٌ في قلب الشاعر وقلب الخيمة ووسط غابة القصائد، فغزة وإن كانت هي الصباح الحزين، هي ماء الحياة الذي يروي العشاق، وهي جنة الفضائل، فيها البواسل تصرخ لباسل وهو يخلدها بالحبر والدمع.

الخيمة في الغابة وهي القصيدة التي يحمل الديوان عنوانها، مهداة إلى صفية، صفية غسان كنفاني وقد تكون صفية كلّ فتاة عربية، يبوح لها الشاعر بحقيقة القضية، بما آلت إليه جغرافيا الدم والدموع، وما يحمله المستقبل من عزم وخلود.

الحرب هنا والحرب هناك، تسجننا الذاكرة في عتمة نفق نظنه لا ينتهي، نربط المتخيل بالواقعي في سردياتنا، وبين فكرة الموت وفكرة الفردوس، وبين المنفى والعودة، تتعدد الرؤى وتكبر ظلال الشجرة الصغيرة التي ارتوت بدم الشهداء، لأنها عرفت المعنى فكسرت السجن، وفي ازدحام الطريق لامست أنفاس السماء وهي تغني:

“خذي مني الزنابق قبل أن تجف

وخذيني إليكِ قبل أن أجف

وأتساقط كالأوراق في هذا الخريف الطويل”.

*كاتبة و شاعرة لبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى