أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

عن سيوران المثير للجدل و اعترافاته خلال مقابلة عام 1983

ترجمة / سمية تكجي

المصدر /ddooss – cultura inquieta

بالرغم من ان نظرته للحياة كانت متجهمة ، لكنه كان يمتلك حس الفكاهة ، و فهما عميقا لهشاشة الوجود
يمتاز بأسلوب أدبي فريد و بفكرته المتشائمة ، قارب مواضيع عديدة : العذاب، الموت، و عدم جدوى الحياة

بالنسبة لإميل سيوران المتشائم ، معنى الحياة ليس في الفعل بل باللافعل!! و الغياب المتعمد وبحسب رأيه : حياة خالية من الطموح و الأطماع تفسح الطريق للتأمل العميق . و هذا الأمر طبع حياته ، فهو لم يعمل و رفض كل مكسب مادي بل عاش طفيليا معتمدا على سخاء الأصدقاء و المجهولين .
قال سيوران : ارفض بشكل قاطع اهانة المهنة ، برأيه الحرية تكمن ان لا تعمل شيئا .
سيوران وضع الفقر في مكانة رفيعة فهو برأيه رمز الشرف الفلسفي و لقد وجد في باريس التي وصل اليها عام 1937 المكان المثالي لممارسة الكسل التأملي ، فتسكع في شوارعها و تقرب من المتسولين و المهمشين والسكارى و بنات الهوى بحث عن الحكمة في الخواء خلال ليال طويلة من الأرق .

يقال انه يعيش على هامش العالم و انه يرفض اجراء المقابلات …لكن عام 1996 جمع غاليمار ما يزيد عن 300 صفحة للناسك الكبير سيوران و قد تمت المقابلات مع كتاب و صحافيين المان و اسبان و امريكيين …لم يبخل سيوران على الصحافة الغربية بالتعرف الى اعماله …

هي مقابلة اجريت في باريس عام ١٩٨٣ و لكن باللغة الالمانية و قد اجراها الألماني هانس جورغن هاينريتشHANS JURGEN HEINRICHS في هذه المقابلة يتحدث سيوران بلا غموض عن اعماله في العمق ، و عن علاقته المتناقضة باللغة الفرنسية . عن رفضه لكل الألقاب التي لقبوه بها و رفضه لما قال عنه المعجبون من انه من رواد التشاؤم و العدمية و قال انهم فئات مدرسية و انه ضد العقائدية ، حين تقرأ هذه المقابلة المطولة مع سيوران تتأكد ان ان هذا الكاتب صاحب القياسات الحقيقية للمرارة ليس كما يروج له في الكتب و القواميس على انه كاتب العدمية و الإنتحار …هو فقط كاتب تتشابه افكاره و سلوكه في حياته تماما مع كتاباته ..هو ذاك القريب من احاسيسه البدائية …تتطور قريبا منه هو يرفض كل الافكار المسبقة كما شرع بكلمات حاسمة و شديدة رفضه لجزء كبير من أعمال نيتشه …قلقه الوحيد هو ان يصبح رجلا حرا لا شيء آخر …

عن باريس

حين جئت الى باريس ادركت ان هذه المدينة ستوفر لي فرصة العيش مع العاطلين عن العمل …انا في حياتي قضيت اربعين عاما من دوم عمل .. لم اعمل الا مرة واحدة في رومانيا حين درست الفلسفة في براسوف في رومانيا ..باريس هذه المدينة رائعة لانك تنتمي اليها و ليس الى أمة …انا باريسي و لست فرنسيا …جميل ان تنتمي لمدينة و هذا ما تمنحك اياه باريس…!! هنالك كتابان يعبران عن باريس . كمدخل اولا كتاب ريلكيه Rilke, Los Cuadernos de Malte Laurids Briggeو كتاب هنري ميللر Trópico de Cáncer و هذا الأخير مختلف عن كتاب ريلكيه فهو يكشف وجها آخر لباريس مدينة الحانات و الغانيات و القوادين و باريس مدينة الرجال الوحيدين و بنات الهوى و هذا ما أعرفه انا .

عشت المرحلة نفسها في رومانيا،حياة الحانات التي كانت رائجة جدا في البلقان و عندما جئت الى باريس اكملت هذه الحياة و كنت اقيم الكثير من الأحاديث مع الغانيات ، و قد كنت اسكن في فندق و تعرفت الى سيدة من بنات الهوى و هي كبيرة في السن لكنها تمتلك حس الفكاهة و الذكاء و التجربة و نمت صداقة فيما بيننا كنت استمتع كثيرا بأحاديثها و تتملكني الدهشة . لقد علمتني هذه السيدة من خلال تجربتها و وأحاديثها الكثير …أكثر مما تعلمته من المفكرين و الأدباء!!!

عن اللغة الفرنسية :
املك علاقة معقدة جدا مع اللغة الفرنسية ، عندما بدات الكتابة بالفرنسية قلت في نفسي ان هذه اللغة ليست لي ، و لكن منذ بضع سنين حين بدأت هذه اللغة تغرق ، احسست انني موصول بها …الفرنسيون ليسوا غير مبالين بخفوت لغتهم و لكنهم يقبلونه . كلما تعرضت اللغة الفرنسية للمقاطعة تعلقت بها اكثر، ربما السبب لأنني ان كل شيء يتعرض للضياع او الإضمحلال او الإختفاء يمارس جاذبيته علي . هذا العزل يدهشني ، اول الأمر كان الأمر صعبا للغاية مع الفرنسية، الجميع في رومانيا يتكلمون الفرنسية و لغات أخرى ، انا الآتي من ترانسيلفانيا حيث لا يتكلم الفرد الا الالمانية و الهنغارية ، لقد أخذت على عاتقي اللغة الفرنسية بشكل جدي ، كل ما كتبته بالفرنسية اعدت كتابته مرات عديدة ، مثالا و ليس حصرا : el breviario de podredumbre – كتاب الصلوات الصغيرة . اعدت كتابته اربع مرّات ، بحسب مزاجي ربما علي الكتابة بالروسية او الإسبانية …فالفرنسية تمتلك صرامة لا تتناسب مع مزاجي و لكن هذا ايضا ما بعجبني فيها .

عن النساء
قال سيوران انه يملك نقطة مشتركة مع سارتر الذي قال قبل موته انه لطالما كان ينسجم و يتفاهم مع النساء اكثر من الرجال ..و هذا ايضا يعبر عني فأنا انسجم اكثر مع المرأة اتعرف لماذا ؟ المرأة غير متوازنة و مهووسة و مريضة أكثر من الرجل ،تحس اكثر بالأشياء التي لا يحس بها الرجل حتى ، لقد ادركت ان النساء اكثر قربا من اسلوبي بالكتابة من الرجال ، لقد اغبطني كثيرا سارتر حين قال انه يفضل احاديث النساء عن احاديث الرجال.

عن المهنة و العمل
حين سئلت في احد المرات لماذا لم اتخذ مهنة ما اجبت لأنني قوادا !ربما يكون هذا مدعاة للتندر و لكن ثمة شيء من الحقيقة كلمة قواد برأيي هي كلمة عالمية و وواسعة حين تكون المرأة هي من تتولى حياة الإثنين فذلك يعني ان الرجل قواد و معظم الكتاب العظماء هم الذين عاشوا طفيليين على النساء هم قوادون و بهذا المعنى أكون انا قوادا!

عن رومانيا و الصلة مع الأصول
لست ملتصقا كثيرا بأصولي و لكنني ابقى بصورة عميقة موصولا بهؤلاء البوغوليين من البلقان . و عن فكرتهم ان الولادة هي كارثة . و من الأمور الكارثية انني في لاوعيي أعود الى جذوري و للحقيقة فكرة ان من خلق الكون ليس هو الله بل الشيطان تجذبني كثيرا و لقد الهمتني نظرية البوغوليين فكتبت كتابي aciago demiurgo. حاولت كثيرا التحرر من أصولي و لكن كل محاولاتي باءت بالفشل انا في لاوعيي موصول بمعتقدات البلقان المانوية و الغنوصية و لقد انتقدت رومانيا في الكثير من كتاباتي و قلت ذات مرة ان تكون رومانيا: فهذا شيء مثير للسخرية و لكنني قدري و الرومانيون كلهم قدريون في حياتهم اليومية و انا ايضا قدري و لم استطع التحرر من نفسي .

حول التناقضات
لطالما عشت و ما زلت في هضم التناقضات من دون ان يعذبني هذا الأمر .لو كنت شخصا منهجيا لكنت اضطررت الى الكذب كي اجد حلا …لا بل اكثر من ذلك أحس بلذة ان لا اجد الحلول للأشياء ،لا أسعى ان ابدا الى ايجاد التسويات أو لم الشمل او الموائمة بين شيئين كما يقول الفرنسيون ، اتقبل التناقض كما يأتي في حياتي الخاصة و في النظريات ، ليس لدي هدف و لا اتطلع الى النتيجة هكذا دائما و ليس ذلك بدون معنى ،اكره هذه العبارة بل لأن ذلك غير ضروري…عادة ، لو كنت متناسقا مع نفسي لم اكن لأتمكن من فعل شيء و برأيي ان كل حياة في العمق هي محكومة بالتناقض

حتى العدمية تصبح محض عقيدة
أريد ان أقص عليك شيئا مضحكا …اذا كنت في المقبرة تزور قبر عزيز لك كان بالأمس و اليوم هو بلا ملامح ضحكت معه ليوم او يومين …ماذا يسمى ذلك ؟ كيف يمكن بعد ذلك ان تبني نظاما ؟ بالنسبة لي هذا شيء لا يمكن تصوره ، كان لي صديقا يؤمن بنظرية العدمية اكثر مني كان صديقا جدا ضحكنا كثيرا معا .الآن امام قبره ما هو الإحساس ينتابني او ينتاب اي احد آخر في نفس الموقف …و هذا شيء عادي كل الناس يختبرونه كل يوم و لكن حين تترجم ذلك في الفلسفة ماذا يعني ؟ يعني ذلك انه حتى العدمية تصبح عقيدة لذلك من هنا و هذا ذا الشرح فأنا لست عدميا …كل شيء محض خيال كل شيء بلا محسوس ،كل شيء سخيف …لأن العدم هو ايضا برنامج …في الأساس كل شيء بلا اهمية، لا شيء موجود سوى على السطح . كل شيء ممكن . كل شيء مأساة !

عن الحب
طالما تساءلت …عندما نقدر ان نخمن ونخترق كل شيء عبر النظرة ، فكيف يمكن ان يقع المرء في حب أي كان ؟ نعم هذا يحصل..
أريد ان انهي هذا التعبير بلمسة تفاؤل ، نعم هناك متعة في الحياة و جاذبية لأنها، بعد كل شيء،هي بلا معنى و دائما انا اعطي هذا المثل : بإمكان المرء ان يشك في كل شيء و بإمكانه ان يؤكد توصيفه عدميا ، لكنه حتما سيقع في الحب كأكبر الحمقى!
هذه الإستحالة النظرية للشغف التي يسخر منها الواقع هي من يمنح الحياة سحرا …احدهم يعاني وفي الوقت نفسه يضحك على معاناته ، و هذا التناقض هو من يجعل الحياة تستحق ان تعاش في نهاية المطاف

حول السخرية
صدقني ، انا حين اكتب لا ابحث عن ان اكون كاتبا و لا احب هذا الجزء في الآخرين و لا ابحث عن المجد بل انا اكتب ما يمر ببالي دون الأخذ بأدنى الحرص ، السخرية في كتاباتي نعم و لكن ليس في كل نواحي الحياة، مع تقديري للأدب الساخر كتصنيف نظري ، اسعى لإماطة القناع عن الوجود دائما اقول انه يجب كتابة ما نريد في نفس الوقت الذي نعيشه بالحقيقة مهنا كان هذا الشيء تافها وقحا او موجعا ..
حين اكتب لا اضع حدودا لتعابير العاطفة و لا يهمني النتائج ؛ لا احد فكر بالإنتحار بسبب كتاباتي ؛ بل على العكس كثيرون قالوا لي : بفضل كتاباتك لم احاول الإنتحار ، و للذين لديهم كآبة عندما يقرأونني يفهمون ان يستمتعوا بالغرق فيها اكثر فيها ..و اذا تكلمنا كما كيركغارد ..فإنه يقول : الكآبة هي مرحلة على طريق الحياة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى