أدب وفن

الحقد والكراهية معضلة و مأساة !

الحقد والكراهية معضلة و مأساة !

أنطوان يزبك*


من يدرس علم النفس ويتبحّر في تفاصيل السلوك البشري لا يستطيع أن يجد حلولا لمعضلاته النفسية بشكل دائم ، أو يستطيع أن يدرك معنى و أسباب بعض التصرّفات التي تلمّ بالبشر وتنكّد عليهم حياتهم .
في مسألة الحقد ، تتعدّد التفسيرات والتحديدات والدراسات ؛ فالبعض يعتبر أن الحقد هو شعور إنساني مرتبط بالكراهية تجاه شخص ما أو حتى مجموعة من الأشخاص أو يكره زملاء له في العمل مثلا أو أقارب أو أسرته وهذا الشعور ناتج من عدم القدرة على الانتقام أو حين تفشل النفس في الدفاع عن نفسها وتبقى الكراهيّة مخفيّة داخل الصدور وتتعمّق أكثر فأكثر في داخلنا.
الشخص الحقود هو غالبا حسود ومتكبّر ومتعجرف يشبه القنبلة الموقوتة بانتظار أن يحصل الإنفجار الكبير والانتقام المريع !
يقدّم شوبنهاور تحليلا للحقد والكراهية قائلا : أن الكراهية تصدر عن القلب بينما الاحتقار فينبع من الرأس وكلاهما لا يخضعان تماما لسيطرتنا وهو في قوله هذا يقصد أن حالة الحقد هي حالة تمرّد تخرج من الإنسان بشكل مزدوج من العاطفة ومن العقل ، فلا يستطيع المرء، أن يكبح جماح نفسه ولا أن يسيطر على هذه المشاعر السلبيّة مهما استعمل المنطق والتعقل و غّلب المنطق على الغريزة المندفعة .

في عالم الشعر نجد قصيدة رائعة لابن الرومي يصف فيها الحقد وصفا رائعا يقول فيها :

يا مادحَ الحقد محتالا له شبها
لقد سلكت إليه مسلكا وعِثا
لن يقلب العيب من يزيّنه
حتى يردّ كبيرا عاتيا حدثا ….

و يتابع ابن الرومي قائلا :

الحقد داء دوي لا دواء له
يري الصّدور إذا ما جمره حُرثا !

يقصد الشاعر في البيت الأخير أن الحقد هو جمرة كاوية تفعل فعلها في الصدور كما سكة الفلاحة التي تحرث الارض مشددّا أنه علّة لا شفاء منها .
و يقول الإمام جعفر الصادق : الحقد لا يسكن في قلب المؤمن ، لأن الحقود من أهل النار .
وهو بذلك يلقي الضوء على كيفية أن تكون مؤمنا لأن من شروط الإيمان المحبة والتسامح و أن لا يحمل قلب الإنسان ذرة حقد كما يقول السيد المسيح : أحبوا بعضكم بعضا سامحوا لاعنيكم أغفروا لمبغضيكم !
ونصل الى بيت القصيد من كل هذا العرض ؛ كيف لشعب واحد في بلد واحد أن “يتكاره” و اعتذر من أساتذة اللغة العربية إذا كان استعمال فعل( كره) بهذه الطريقة مستهجنا ؟!
لن أطيل و أُكثر في الكلام ولكن أشارك معكم هذه الخاطرة :
هل بإمكان الحقد بين أهل الوطن أن يبنيَ وطنا ؟

*كاتب و باحث لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى