منتديات

“الكنيسة القريبة ما بتشفي” بقلم د. ليلى شمس الدين

“الكنيسة القريبة ما بتشفي”
د. ليلى شمس الدين


حادثتني مساء من ميونخ، من تلك المدينة الهادئة التي أعشق في بافاريا في ألمانيا، وقالت لي بطلاقتها المعتادة “شوفي العالم الواعيين المتحضرين”، عمّا تتحدّثين عزيزتي داني، آه تتحدّثين عن الصور التي أرسلتها لي من صحف ألمانية تُظهر جماعات مكتظة من الناس في سوق عام وسط ساحة بلدة، وصور أخرى تبيّن جماعات كبيرة تتزلّج في منطقة خلاّبة، فالناس في ألمانيا تعيش حياتها بشكل طبيعي مع أنّ حكومتهم أعلنت اليوم عن 10.000 إصابة بفيروس كورونا، وأضافت “أنا جد مصدومة، نقول دوماً هذه بلاد الحضارة والوعي، إلاّ أنّ السنوات التي عشتها هنا كشفت لي أنّنا نرسم في خيالنا صورة مخادعة عن وعي الناس والحكومات في بلاد برا، من ألمانيا إلى بريطانيا وغيرهما .. أحسن شي عنّا بلبنان” هكذا أنهت كلماتها داني، فقد اكتشفت أهمية الإجراءات المعتمدة في لبنان بعد أن اجتاح فيروس الكورونا بلاد العالم برمتها، فقلب التصنيفات العالمية عن دول العالم الأول والمتحضّر، ودول العالم الثالث أو ما يُسمى الدول التي في طور النمو.
لم أكن قد استفقت بعد من الإبحار مع داني وحسرتها على عدم وجودها هذه الأيام في لبنان، لتنعم بالأمان والطمأنينة، بدل اللامبالاة في نمط الحياة التي وصفتها في هذه الظروف، حتى قطعت رنّات الهاتف رحلتي، فوجدت نفسي وسط عاصمة الضباب، مع أنين ملاك موجع، وهمسات حزنها وخوفها الذي أسرني وكبلني بشدّة، قالت لي ملاك بنبرة يلفها الخوف والرعب، “هل تعرفين أنّ أعداد المصابين بهذا الفيروس القاتل تتزايد بشكل سريع، هل تعرفين أنّ أطفالنا معرّضون للإصابة كل لحظة لأنّ المدارس لم تقفل أبوابها بعد، هل تعرفين أنّ المسنين هنا لا حول لهم ولا قوّة في ظل قرارات الحكومة التي لم تقدّم لهم سوى الكلام، هل تعرفين أنّي لا زلت أبحث منذ ساعات عن طعام لي ولأسرتي في أكثر من منطقة ولم أجد، لا يوجد شيء هنا فقد أفرغت الرفوف من كل شيء، وكأنّ الجراد غزاها، لقد انقطعت المواد الغذائية ومواد التنظيف وكل شيء، صدقيني كل شيء، هل تصدقين أنّه لأول مرة أقول بقناعة مطلقة فيكن تقولوا الحمد لله يلي عايشين بلبنان ومش ببريطانيا”..
كمتابعة إلى حد ما لما يجري في دول العالم في هذه الفترة لم يصدمني كلام ملاك ولا حتى ما ذكرته داني، ولا زال هناك الكثير الكثير ممّا قالتاها ولا مجال لذكره الآن. ما صدمني حقاً هو رسائل وصلتني ليلاً تشير “أنّ أعداد المصابين في لبنان بهذا الفيروس الملعون لامس الآلاف، وأنّ المعنيين يخفون عنّا حقائق الأمور”، معطيات وشائعات أقلّ ما يُقال عنها أنّها ّمضلّلة وكاذبة، لكنها دفعتني إلى التوقّف عند من يسوقونها، ويعملون جهاراً نهاراً لشيطنة كل شيء، ولمذهبة كل شيء، ولتحطيم كل شيء، أجل كل شيء، فلم يسلم حتى موتى ومصابي فيروس كورونا من تصنيفهم. أمر أراه مضحكاً ومبكياً في آن، مبكٍ لأنّنا نعيش اليوم في بلد تعصف به ألف قضية وقضية، ولا زال يحاول بصعوبة أن يبحر إلى بر الأمان وسط بحر متلاطم الأمواج، ومع ذلك يأتي البعض ليحطّم أشرعتنا عنوة ودون وجه حق، ومضحك لأنّه يذكرني بأمثال شعبية تُضرب وتُقاس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى