إبحار على متن القصيدة

” كمن يحرس الورد ” للكاتب و الناقد حسّان عزت

لا الورد يهدأ ولا دمه يستريح
قصيدة : حسان عزت
1_
الريح المنقلبة على ظهرها
وحدها تمارس الجنس
بطهارةِ من يصعد إلى الله
2_
من يصعد إلى الله
يتوضأ بالعطر والياسمين
ولا يرى أحدا
أجمعين
لا ينحني للموت
لا يمجّدُ أسرارَهُ
ولا يرتجي فلكا في اليقين
من يغتني بحبيبهِ
حبيبهِ
لا يراعي الهبوبَ بالخوف
لايهادنُ ليلَ الأذى
لا يُصلّي لسيفٍ عتِيّ
و لا ينحني بالجبين
كيفَ يخشى الجحيمَ أخو الماءِ والنون
أو ينْحني لسواه
الله الله على وردةِ النّون
وعلى نهدةِ السين
من أراد الحبيبَ
توضّأ بالعطرِ والعندليب
وشعشعَ بالحسنِ ألحانَه
وأهدى غناءً وماءً
وأنا كلّي حبيبي
وكلّي لهُ
من شبوبٍ وخوخٍ
بنُسغي وَوَقدي
وشهدِ هُيامي الّذي ..
كيفَ يفصحُ قلبي و..
وكيفَ أقولُ
اتعبني العشقُ
ورمتني الفصولُ
وفي خفوتِ الضّوءِ
وفي سطوعِ القلبِ
وفي هبوبِ الحاسّةِ والحاسّةِ
وفي المُضعفِ الرّيحان ..
من يفتدي العطرَ
يمجّد الملكةَ
ويحاذرُ الحاشيةَ
ومنْ يحرسُ الوردَ
ينحني ويصلّي صلاةَ الهوى والحنين
حتّى الكواكبَ في الكونِ تندى غراما
فتَحلو السّماءُ برعشتِها
وتحْلُو النجومُ التي عشقتْ
حتّى الرياح وهي تلعبُ بطنا وظهرا
تمارسُ حلوَ الشّبوب العظيم
وتشعلُ دوّامةَ الجناسِ وجمرةَ الحسّ في سرّها
حتّى الجنونِ وحتّى السماوةِ في بحرِها
ترجعُ طاهرةً إلى الله أرعشَ فيها
وترقى بأنفاسِها
حتّى حارسُ الغابةِ في الغاب
حتّى الريشةُ وهي ترودُ السحابَ .. وتبكُّ به رعشةً رعشةً
فتكتبُ مالا نَرى
ويقرؤه العاشقونَ والشعراءُ
ويقرؤه الأنبياء
حتّى حارسُ الوردِ
وهو بلا عدّةِ أوحصان
يدخلُ عاريا
إلا من دَمِهِ
و حلمهِ
وجراحِه في الكون
إلّا منَ الروح في جمرِها
والحطامِ الأخيرِ
وأشتاتِها
في ذرّةٍ
رملةٍ
رعشةٌ من ثمالةِ روحٍ وأنثى
حينَ تهمي بهِ الرّيحُ مقلوبةً
وتسمو إلى الله
عذراءَ من غير سوءٍ
كأوّلِ خلقٍ لها
كأوّل وردةٍ بيضاءَ
أسعفوني لأقولَ مالا يقالُ من العصف
وأردّ الوجودَ لأسرارِها
ادفنوني بأحضانِها
واجعلوني صليباً بشاهدةٍ في الأذانِ وخمّارةِ العاشقين
وأطوّحُ كما الكونُ طاحَ بي وعنّى
فمنَ البدءِ كنتُ الأوامَ بها والأنينَ بأصلابها
ومضغةَ ماءٍ غليل
أدهشُ للفلّ
وأحنو على شهقة الياسمين
كمن يحرس الورد
كمن يراود عن دمه
3_
سأذكر صبية الضوء
وهي تتقلب بعسلٍ
يسحبني
كبجعة تخفق بجناحين
وهي تنفض نثار الماء
لتطير
قلبي يطير
كمن وقع إلى هاوية
وابتلعه اليم
كمن أفاق من حلم عظيم ولم يبرح فيه ..
لا أنا في الماء
ولا أنا في الضوء
وكنت كمن يحرس الورد
ياريم
ياريم الغزال
أنت بي ما أنافي الشفاه أشقشق سكران
أرى لا ترى
ترى وأرى ..
أطلق دمي وخيالي
أجرني بمائك ياريم مني
أغثني بشم العبير الحرام
ابلغ جمار دمي وكياني
بنبع الهيام واستر عرائي
في حضني قمرٌ وفي يدي نجمتان
وأنا بسخاءِ الفلّ على أمّاتِه
لا أريدُ إشباعَ الحاسّةِ ولا أرفعُ أعلامَها فوقَ صاريةٍ
وأظلّ هيمانَ
كلّ خليّة بي أطيبُ
كلّ غارقةٍ بي تيمّمُ ولا تصلُ
كلّي وجعٌ دفينٌ
وكلّ أشرعتي وسُفُني في عاصفةِ الوردِ والأغصانِ
فهلْ تخذِلُني عنهُ وتخذِلُني بدَمي وعَصفي وعوسجي عن توتِه وذوبِ جناهُ
وهل تخذِلني عن أنهارِه الغامرةِ بدَفقِها
لا تخذِلْني إلهي
لا تخذِلْني حبيبي
قراءة نقدية للشاعر يوسف ركين

ينفتح النص على إشكالية ترسم طريقاً مختلفة للوصول حيث اليقين الوحيد هو المحبة والإيمان الخالص المختلف والمغاير الذي لا يعترف بالقيود … يصعد بنقاء غيمة ، لا مكان للخوف عندما تكون المحبة مطلقة ، والتي تصل في القسم الثاني من النص إلى حالة الذوبان والاندماج الكلي :
” وأنا كلّي حبيبي
وكلي له “
هو طريق وحيد ووجهة واحدة ترسم معالمها واضحة كلما ازددنا توغلا في النص ودون أن يشغله أي شيء عن هدفه :
” من يفتدي العطر
يمجد الملكة
ويحاذر الحاشية ”
وتتوالى الحقول المعجمية التي تسير على الطريق نفسه لتبدو كل الأشياء حوله وحولنا في حالة دوران وعشق ، صدى للبذرة التي زرعها الله بأرحامها …
” حتى حارس الورد ”
هذه الإنعطافة والتي سيؤكدها تالياً تحول الضمير إلى المتكلم :
” أسعفوني – ادفنوني – اجعلوني …”
ليكشف الشاعر عما يدور بداخله ، معلقاً بين الاحتمالات
” لا أنا في الضوء
ولا أنا في الماء
وكنت كمن يحرس الورد “
يريد أن يظل عالقا في هذه المسافة دون أن يصل
فهنا متعة الرحلة وسرها رغم كل ما يكتنفها من صراخ ووجع وتتاقضات تفتح باب الأسئلة واسعاً
وتتركه بين يدي الشاعر نفسه الذي فرش المسافة بالعطر وترك لنفسه مسافة يطل من خلالها على كل هذا المشهد إلى الأعلى حينا وإلى داخله أحيانا أخرى …
لغة جميلة وخيال وتوظيف متقن للفكرة …
أعتقد أن الاسترسال في بعض أقسام النص كان يمكن الاستغناء عنه وضغط النص وتكثيفه ليكون أكثر تماسكا
هو صوفي آخر ودرويش يبحث مثلنا عن ضالته
اختار طريقته وحسم أمره ، مضى محملا بكل قلقه وشغفه وأسئلته ومحبته وأقفل الباب وراءه
وحدها الكاف في ” كمن يحرس الورد “
تعطي الرحلة شكلها الأخير