عالم ما بعد كورونا / بقلم الشاعر أنور الخطيب
عالم ما بعد كورونا
كأن العالم كان ينقصه هذه الجائحة النائحة، وهذا القلق والتوتر والعصبية، والكمامات والأقنعة، والقفازات والملوثات، كان في حاجة إلى الزنازين الجماعية والإنفرادية، ومنع التجول، وتكميم الأفواه، كان ينقصه الحواجز بين الأفراد والجماعات، وحواجز الجيش والشرطة والمخابرات، كان ينقصه القمع وممارسة البطش بذرائع جديدة، كأن هذا العالم كان ينقصه الخوف من الغد والمستقبل والمجهول.
فجأة، لا عناوين في التلفزيونات العتيدة إلا فيروس الكورونا، وفشل العالم في السيطرة عليه، واكتشاف لقاح لمحاربته، فجأة تختفي الأخبار السياسية والاقتصادية، ليحل مكانها مذيعون يجلدون المشاهدين كل لحظة بسياط المرض والقلق، وكأنهم قد جهزوا أنفسهم واستعدوا لبث الرعب الممنهج.
سباق مقرف في الإعلان عن الإصابات، القادة يتبجّحون في توقعاتهم بالمزيد من الإصابات والوفيات، يتنمّرون على كبار السن الذين أعطوا من دون حساب، ويهددونهم الآن بتركهم لمصائرهم، تصريحات مشبوهة في نقص أجهزة التنفس والكمامات والقفازات ومواد التعقيم، كأن العالم قد ساوى بين العالم المتقدم والعالم الثالث والدول الفاشلة، دول كبرى تعلن عجزها الكاذب لتوفير الأسرة والمعدات.
الصين، الدولة التي انطلق منها الفيروس، كما يزعمون، انتصرت عليه، وتحولت إلى مصدر دعم للدول الأخرى، وباتت تجربتها في التصدي نموذجا للدول المنكوبة، ورغم ذلك يطالبها رئيس الولايات المتحدة، الكاوبوي ترامب، بدفع تعويضات بالترليونات، من دون أدلة دامغة، ما أعادنا إلى بوش الإبن بعد أحداث 11 سبتمبر، حين وجه الاتهامات للقاعدة، التنظيم الذي أسسته الولايات المتحدة وتحولت إلى محاربته.
قصص كثيرة أشبه بالمؤامرات، أمريكا هي من صنّعت الفيروس، لا، الصين هي من فعلت، كلا، فرنسا لها مصلحة في ذلك، عجبي كيف لم يتم توجيه التهمة لإيران أو كوريا الشمالية أو الفلسطينيين، وحماس وحزب الله! أوروبا نجت من أي اتهام، وانشغلت في مداواة جراحها بصمت، لتظهر التصريحات الموبوءة عن فشل الاتحاد الأوروبي، وعن تفككه بعد انتهاء الوباء، وهي أمنيات كثيرين لا يشعرون بالسعادة لقوة أوروبا.
من دون أدنى شك، العالم بعد الكورونا سيكون مختلفا عن العالم ما قبل الكورونا، ومعطيات كثيرة تشير إلى ملامح المرحلة القادمة:
أولا: ليس عبثاً استخدام القوة والقمع العسكري ضد المدنيين الذين يخرقون حظر التجوّل، المشاهد التي سُرّبت تعكس استعدادا شرسا لممارسة القمع ضد الناس لفرض منع التجول والالتزام بالتعليمات التي فرضتها حالة الطوارئ، وكأن من خرق الحظر إرهابي يحمل حزاما ناسفا، أو كأنه سرق خزينة المصرف المركزي. مشاهد الشرطة والجيش في أكثر من مكان في العالم أظهرت متعة لدى تلك الأجهزة في ممارسة القمع.
ثانيا: ليس عبثا أيضا خلق أزمة اقتصادية أدت إلى إغلاق آلاف الشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، واحتجاز الناس في بيوتهم ومعهم من الذهاب إلى العمل، ما يجبرهم على صرف مدّخراتهم وإفقارهم تدريجيا، وجعلهم في حاجة دائمة للدولة/ السلطة.
ثالثاً: ليست مصادفة أن تتفق كل محطات التلفزة، الفضائية والأرضية على ضخ أخبار الكورونا على مدى 24 ساعة، ناشرة الإحباط أكثر من الوعي، والملل أكثر من الأمل، ويبدو لي أن نسبة لا بأس بها من الناس ستلجأ إلى الأطباء النفسانيين.
رابعاً: أليس من المدهش والمحزن في آن أن تفشل مختبرات العالم المتطور في التوصل إلى لقاح، والانهماك في عدد الإصابات التي اقتربت من المليونين، ولن نتطرق هنا إلى الأخبار الخاصة بالبلطجة الدولية والحكومات في التعاقد على لقاح معين، والأخبار الخاصة في سرقة أجهزة التنفس.
خامساً: أليس من الغريب أن تنشر الدول الرعب بين المواطين وتصرح في الوقت نفسه أن 85% من الإصابات لا تظهر عليها الأعراض، ونسبة من النسبة المتبقية تظهر عليها أعراض خفيفة، بينما تظهر الأعراض أكثر على كبار السن؟ إذا كان هذا هو الواقع، فلماذا كل هذا الرعب، لماذا لا يتوجهون إلى كبار السن مباشرة ويوفرون لهم الرعاية الصحية والأجهزة؟ وهذا يقودنا إلى ما فعلته السويد من عدم فرض حظر تجول أو إغلاق المحلات والأسواق، واهتمت بالمسنّين.
إن عالم ما بعد كورونا عالم خبيث جدا ولئيم وكريه، لأن أكفه ملوثة بدم البشر عمداً.
هذا العالم سيسوده البطش والقمع ومصادرة الحريات والتحكم بمصائر الناس عن طريق التحكم بلقمة خبزهم ووظائفهم واشغالهم، وسينصاع الناس في البداية خوفا من عودة الفيروس، الذي سيكون الشبح الذي يخيفونهم به، وربما ينتفضون بعد سنوات، لا سيّما أنه أظهر عنصرية وأنانية غير مسبوقتين.
عالم ما بعد الكورونا سيزيد من قمعه للشعوب المطالبة بالحرية، مثل الفلسطينيين والأكراد، وقد تظهر معادلات سياسية جديدة في المنطقة تؤدي إلى توقيع اتفاقيات لصالح الاحتلال ومن يدعمه، ولصالح الدول المتصدية (للإرهاب)؛ تركيا قامت بإرسال شحنات مساعدات طبية لـ(إسرائيل)، تركيا تحارب الأكراد و(إسرائيل) تحارب الفلسطينيين.
عالم ما بعد الكورونا سيشهد تعزيز واقع جديد، الدول غير المنتجة والمعتمدة على الآخر سيزداد اعتمادها عليه، والدول الغنية ستزداد ثراء. وعالم ما بعد الكورونا سيشهد عودة ملايين العمال والموظفين إلى بلادهم من دول الخليج العربية والمهجر، ما سيسبب أزمات خانقة جديدة.
سيبقى كورونا الذريعة التي ستلجأ إليها الدول أو أسياد العالم لسنوات قادمة، لتعزيز قبضتهم على الدول الفقيرة وغير المنتجة، وتدجين الأصوات المعارضة، والضغط على التنويريين.
بعد هذا كله، هل كورونا فيروس طبيعي أم أنه من صنع البشر؟