اقتصاد

واصف عواضة: الزراعة ثم الزراعة..فويل لأمة تأكل مما لا تزرع!

الزراعة ثم الزراعة..فويل لأمة تأكل مما لا تزرع!

كتب واصف عواضة:
كان جبران خليل جبران يقول:”ويل لأمة تأكل مما لا تزرع ،وتلبس مما لا تصنع”.
رحل جبران عن هذه الدنيا قبل تسعين عاما ،وما زال الويل يلاحقنا ،لأننا لم نأخذ بكلام جبران الذي نسج للعالم نهجا اقتصاديا سليما ،سلِمت الدول التي أخذت به وأعزت شعوبها ،وسقطت دول تجاهلته وأذلت ناسها.
صحيح أن جبران لم يكن عالم اقتصاد ولا خبيرا في إدارة الدول ،لكنه رسم للشعوب(ربما من دون أن يدري) دورة اقتصادية حقيقية ،لا تقوم فقط على الخدمات والنفط والمصارف والنظام الريعي،بل تبدأ من الأرض ،أم الخيرات وأبيها ،حيث تنبت الحبة “ومنها تأكلون”.
ولعله من أبسط بديهيات الاقتصاد السليم ،أن الدورة الاقتصادية تبدأ بالزراعة لتعبر بالصناعة وتنتهي بالتجارة.وليس سرا أن الدول التي اعتمدت هذه الدورة ،هي اليوم بين مصاف الدول المتقدمة التي تشهد نموا متصاعدا وتتمتع بالراحة الاقتصادية ،وليس غريبا أنها ليست دولا نفطية .يكفي أن نعطي مثالا على ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
وقد وهب الله لبنان أرضا خصبة (ساحلا وجبلا وبقاعا)،كما وهبه ينابيع وأنهر لا ينضب ماؤها ،ومناخا مناسبا (في فصوله الأربعة) ،وشعبا مجاهدا طموحا مبدعا (في كل مناطقه وطوائفه)،لكنه عزّ وعلا لم يهبه إدارات حكومية واعية تتناغم مع هذه الصفات ،فلم تعر الزراعة منذ الاستقلال الاهتمام المطلوب ،بل أكثر من ذلك أهملتها ،موازنةً ورعايةً وحماية ،وبات المزارع اللبناني وما يزال، يشق الأرض وينزف عرقا على قاعدة “إذهب أنت وربك فقاتلا”.
في المناسبة كان والدي مزارعا نشيطا ،وقد أمضيت طفولتي وردحا من شبابي بين الحقول والبساتين ،وكان أكثر ما يبهجني مرافقة الحبة وهي تشق الأرض فتنبت شتلة خضراء أوشجرة باسقة تحمل من الثمار ما لذ وطاب.لكن أكثر ما كان يتعسني أن مواسم الخير كانت تذهب هباء فيضيع جنى العمر بأبخس الأثمان ،حيث لا حماية ولا رعاية ولا من يحزنون،في غياب دولة تنظر الى الزراعة والمزارعين بعين الاحتقار.
بالأمس ونحن نستمع الى رئيس الحكومة حسان دياب وهو يصرح بأن الأولوية في الخطة الاقتصادية هي للزراعة والصناعة ،أخذنا التفاؤل،ولكن بحذر ،لأن ثمة نظاما إقتصاديا سائدا في هذه “الجنة الريعية الخدماتية ” ،ما زال يحتقر الزراعة والمزارعين .
قد يقول قائل إن صناعتنا ليست تعيسة ..
هذا صحيح ،ولكن أي صناعة هذه تستورد معظم موادها الأولية من الخارج.قمحنا مستورد.يعني طحيننا وخبزنا مستورد .خضارنا وفواكهنا في معظمها تردنا من الخارج.أرضنا معظمها بور.مياهنا مهدورة..الى آخر المنظومة.
وعود على بدء..
الزراعة ثم الزراعة..فويل لأمة تأكل مما لا تزرع.
رحم الله جبران !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى