إبحار على متن القصيدة…
هذا الوقتُ غيرُ صالحٍ للحبِ/ الشاعر علي سلمان
إذاً
اطبقي الكتابَ على اسمَينا
وروحي
روحي تئنُ من البرد
لبست كنزتَي صوفٍ
وما
زلت
أرجفُ ….
أرشفُ قهوتي باردةً
ككلِ المطمئنين في بلادِ الكفرِ
أقرأُ جريدةَ الأمسِ
أرتّبُ الوقتَ
أربّتُ على كتفَي قاتلي …
وأنصتُ جيدًا
ذاك الذي في مرآتي كثيرًا يشبهُني
كغريبٍ أنظرُ من نافذتي إلى الخارج
ألغيمُ سعالُ البحر
ننهرُه أنا وأنتِ بأصابعِنا المرتجفة
ونجلسُ كعجوزين لا يذكران شيئاً من ماضيهما
يَهشّانِ على الشوق بيدينِ ثقيلتين
ويشتمانِ الآتي …
خجولٌ أنا الآن
كيف أخبّئُ وجهي منك
إلى أين أهربُ
كيف أقولُ لك أحبُك
وجَيبي فارغٌ
كيف أغمرُ كل هذا الجمالَ الصارخَ أمامي
كيف أكونُ رومنسيًا هكذا دفعةً واحدة
وأمعاءُ الأطفالِ تُطلقُ صفاراتِ الفراغِ في وجهي ….
ما أسخفَنا
كيف نتكاثرُ في بلدٍ مأكولٍ من حراسِه
أذكرُ
قالها لي يومًا أبي
لا تتركِ اسمَك وحيدًا في العراء
فأنجبت أربعةً ليحملوه
عنّي
معي
بَعدي …
ما أثقلَ أسماءَهم على ظهري
تذكرتُ صديقي الذي أمّن على حياتِه
قبل حياته
وضحكت …
ربما علينا أن ننامَ طويلاً
لنحلم بوطن
( ربما علينا أن نموتَ لننجو )
سأنتظرُ أولَ تلفازٍ يلاحقُ خبرا في الخارج
لأُسمعَ الثوارَ قصيدةً
ونرقصَ معاً
فوق أنقاضِ الحلم الذي قضى
يا أمي
لا تقفي على الباب طويلاً
وتنتظري صغيرَك الذي مضى
نحن في بلادٍ لا قطاراتٌ فيها تعودُ للوراء
هذه الدروبُ خاويةٌ يا أمي
والذين يتوارَون
يأكلُهم الغيابُ
يصيرون أشباحًا
كلما ذكرناهم قرأنا المعوذتين
قل أعوذُ بربِ الناس
برب الفلق
طفلُك يا أمي الذي كبرَ
جرفَه الويلُ
لا تقلقي عليه
لا تفعلي شيئا لأجلِه
فقط أغمضي عينيك الضيّقتين
ومدّي صوتَك المتجعّد من شباكِك الخشبي
وتأمّلي
ربما
يعودُ
يومًا
فراشة …
قراءة أدبية / الشاعرة رنة يحي
شاعري الذي أثمل بنيذ خياله
يقول “هيدجر”: الإنسان كائن الأبعاد. وعلي سلمان هنا يرقص السامبا بين الأزمان خفيف الظل ثقيل الإيقاع والإحساس؛
فيمزج الماضي(لبست/ ضحكت) بالحاضر(أرتب/أربت/أنصت/أسمع…)بالمستقبل (سأنتظر /سأعود).
وفيما يعتبر “هيجو” أنه عندما يأتي الطفل تأتي البهجة ويهل النور؛نرى هنا الطفل العجوز الذي ثقل كتفه بأسماء أطفال أنجبهم قسرا ومرضاة للأعراف؛ وبالهموم والويلات؛ بات عاجزا عن إطلاق مشاعره وعن رؤية الجمال ليس أي جمال بل جمال الوطن ؛لنتذكر هنا “مالك بن نبي”حين قال:الجمال هو وجه الوطن في العالم ؛ليستعيض عنهم برؤية الوجود عاريا كما هو بحقيقته المؤلمة وبسواده؛ فينسج قصيدة تخاطب الوجود الهامشي ليرسم بحبره وجودا من ألوان الفراشات.
هذا الشاعر الذي يعكس خوفه على ذاته بخوفه على الأم مصدر الإنجاب والحياة والأمل فيناجيها ويناديها وينبهها ويطمئنها(يا أمي… لا تقفي… لا تقلقي… لا تفعلي… أغمضي ومدي وتأملي…) لتكون هي الروح التي ينفذ فيها الشاعر ما يبتغي من الوجود الممتعض منه .
هذه القصيدة الراقصة يكسوها الخواء(الغريب/جيبي فارغ/ارتجف/الدروب خاوية) كل هذا العراء لا يدفئه الصوف.
و لا يكتفي بربطه الأم بالحياة بل يمزج الطبيعة بالإنسان حتى نرى سعال البحر يتكثف غيما في حروفه؛ والإنسان يتحول لفراشة ناجية.
قصيدة أنيقة المبنى شفافة المعنى خصبة الخيال حبلى بالفلسفة معطرة بروح إلهية تتجلى في إسقاطه لآيات النجاة ربما(أعوذ برب الفلق/ أعوذ برب الناس)
ربما الله أو الأم أو الفراش يعيد لهذا الوجود المرير المزيف رقص الربيع فيه.
فلننصت للسباعي في قوله:إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود؛لرأيت الجمال شائعا في كل ذراته.
علي سلمان الفراش يشبهك في رونقه وحريته وتمرده وأبديته