أدب وفن

المعادلة التضادية بين التشكيل الشعري ورؤيةالذات الشاعرة للالوان في تجربة الشاعرة والفنانة كوكب الهامس

الباحث و الناقد نزار الديراني

المعادلة التضادية بين التشكيل الشعري ورؤيةالذات الشاعرة للالوان في تجربة الشاعرة والفنانة كوكب الهامس

نزار حنا الديراني

بين الشعر والرسم شجون ورؤى في كل منهما ينسج الفنان والشاعر رؤيتهما وتجربتهما ، الأول بالألوان والدوائر والأشكال والثاني بالكلمات والصور .. فتتشابك وتتداخل هموم الشاعر والفنان لتكشف لنا علائق جديدة تعيد على ضوئها ترتيب الأشياء ثانية، وتصنع عالما جديدا للصورة بلغة بلاغية تسبح ما بين الخيال الذي يستمد قوته من الشعور بالحب أو الحزن ومن هموم الواقع ، كلاهما يتعانقان بلغة تصويرية تنبثق من صميم القلب لغة ترنو وراء الحلم في الدروب المعتمة من أجل ان يطلق شعلة الحرية .

فالفنان يتعامل مع الألوان وما لها من طاقة وزخم وشحنات وايقاع يسكب فيها رؤاه التي يبوح بها للبحر والسماء والطبيعة والإنسان كي يمجد الجمال وينقل رؤيته الى المتأمل بالصورة وكذلك فالقصيدة هي الأخرى تفتح لنا فضاءً رحبا بالمفردات التي تنبثق منها الصورة الشعرية تلك اللوحة التي تهزنا بكلماتها ومضمونها . وللألوان ( وكما هي الكلمات لدى الشاعر ) أهمية عظمى بالنسبة للفنان في اِضفاء روحه وما تكنه نفسه لاِعطاء المضمون الفني الرائع في اللوحة، لما للون من قيمة رمزية معبرة عند الفنان في أعماله الفنية.

نظرة أولية الى لوحات الفنانة والشاعرة كوكب الهامس تكشف لنا عن فضاء اِشتغالاتها الفنية ورؤاها والتي تعني تجربتها مع المستقبل والتي تكونت من خلال الواقع وعن طريق الذات المبدعة، فهي تجربة لأنها لا يمكن أن تبنى في فراغ، ومن علامات هذه التجربة الوعي، وكذلك النضج الذي يحدده طول تجربتها الاِبداعية في الشعر والرسم والموسيقى وقدرتها على التعامل مع مادته تعاملا متجددًا ومتطورًا ومن ثم مبدعًا.

هذا التجربة التي عكست لنا رموز الألوان المستخدمة ودلالاتها ، تجربتها الفنية وتعاملها مع اللون لذا تجدها دائما تركز على الألوان ( البني ، الأخضر، الأزرق) وقليلا الأصفر والأحمر (الوردي) هذه الألوان هي التي تكشف لنا عن طبيعة الفنانة وشجونها ورؤاها ، كون الألوان أسوة باللغة تعبران عن جميع النواحي الجمالية عن طريق التوافق. وفق قانون جمالي من الصعب تحديده ولكنه مختمر في بصيرة الفنانة ، والذي يجعل الألوان الجزئية أو الصور اللونية الجزئية منسجمة مع بعضها في تأليف الموضوع، والأنسجام هي الصفة التي يجب أن يتمتع بها الفنان لكي يعطي لعمله الفني قيمة عالية.

حين دخولنا معرض الفنانة كوكب سنجد ان أغلب إشتغالاتها هي على الطبيعة وما يحيطها من أسرار واِزدحام بدقة الألوان التي ألهمت الفنانة لتنسج حولها أجواء من الخواطر، لتضفي عليها من أحاسيسها وتطلعاتها كي تستشف البواطن من الظواهر ليظهر كوامن النفس المرهفة.

قراءتنا الأولية للوحاتها يتبين لنا محاولتها الأبتعاد عن هموم ومشاكل الأنسان الصاخبة لتنطوي وتحتفي بالهدوء الى حد خلت لوحاتها إلا ما ندر من أشكال الطيور والفراشات و.. كونها تبحث عن الهدوء ، لذا ركزت على اللون الأزرق فهو لون السماء الصافية، بما فيها من دلالة على الهدوء والسلام، وهو لون البحر بما فيه من دلالة على الأنتعاش والراحة والنشاط وكذلك ركزت على اللون الأخضر الذي يدّل على الخير والجمال ويرمز للطبيعة، وهو لون العشب والربيع، هذين اللونين يبعثان الهدوء ويرمزان على الثقة، الأمان، الإستقرار، النجاح، والتصالح مع الذات وهي بهذا تنزوي بعيدا عن ضجيج الإنسان وصراعاته لتتأمل الإنسان والوطن… ولكن لجوئها الى الطبيعة بلونيه الأزرق والأخضر لا يعني الاِستسلام والدليل على ذلك إنها ركزت على اللون البني الذي يدل على المتانة، الفردية والموثوقية، فهو يعمق من العواطف . البني لون صلب وقوي وناضج، ولثقتها بالنفس في مواجهة التحديات اِستخدمت ولو بدرجة أقل اللون الأصفر (الذي يدل على البهجة، السعادة، التفاؤل، فهو يوحي بالاِشراق والأمل ) واللون الأحمر وبالأخص الوردي والرماني وحيث يدل على القوة والاِثارة ، العاطفة، الحب، فيرمز للدم ، حب المغامرة لتقول لنا إنها موجودة بين الإنسان لتكافح معه وهذا ما اِنعكس في بعض قصائدها التحدية…

فهكذا هو شعرها أيضا ، فالقصيدة في تجربة الشاعرة كوكب الهامس كائن ينتقل من صورة الى أخرى، تتردد أصداء ذاتها في آفاق الدلالات النصية لقصائدها في تشكيلات اللغة والصورة معا، وبها تنتقل الشاعرة من الداخل الى الخارج وبالعكس حيث تتقارب العناصر اللفظية في صياغة هيكل القصيدة ويظل القلق الوجودي هاجسا حسيا حياتيا وفنيا وشعريا لديها ، فلغة الشعر لديها وصورته هي نتيجة لرؤية خاصة للأشياء ، وما خصائصه الفنية إلا اِمتداداً لرؤاها في مستقبل الإنسان. وهذه الرؤية الخاصة الفنية والشعرية نشأت لديها نتيجة لاِنعكاسات العلاقة الخاصة التي بنتها مع من يشاركها في العيش ، هذه العلاقات ترجمتها الشاعرة والفنانة كوكب لغوياً وايقاعياً وحسيا على شكل صورة كي تجسد للعلاقة ذاتها وكما تقول في قصيدتها 18 :

يا يسوع

لست وحدك المصلوب

ففي هذا الزمن

كل دقيقة

يصلب إنسان

ويصلب وطن

هذا ما دعاها أن تهرب من عالمها لتتقمط الطبيعة لترسمها في لوحاتها لا شعرها مؤكدة فيها ان الهدوء والطمأنينة والجمال لا تجدها إلا في هذا العالم. ومن هناك ترسل الشاعرة رسائلها الشعرية بلغة شفافة وجدانية ثرة في معانيها وفضائها السيرذاتي .

فلو عدنا الى قصائدها الشعرية ولوحاتها لتبين لنا ان الشاعرة تشتغل على خطين متوازيين:

  • في الأول تجد أناها تظهر بهدوء كالتي تلملم جراحاتها وتنسحب من حلبة الصراع لذا فطابع الحزن والهدوء ماثل في قصائدها وكما تقول في قصيدتها1:

حبيب من غصن ياسمين أنت

أسال

لماذا سرقت كل فراشات ربيعي ؟

من أنانيتك

ماتت ياسميني

دون إرتواء

الشاعرة تسأل بلهفة وهدوء وتبقى تسأل وتحاكي المرآة من غير أن تثور وهي تذكره بأنه مهما حاول لا يستطيع نفيها من الوجود فسيبقى هو آدم وهي حواء.. وحين لا تجد آذانا صاغية تراها تلملم أشلائها الجريحة وتسافر بهدوء وهي تسحب معها ما يُذكِرُها بوطنها وشريك عمرها فتقول في قصيدتها 1:

آتيه مسافرة على أجنحة الحنين

أتكلم أحيانا

مع النجوم والغيوم والقمر …

📷

وهذا ما جسدته في لوحتها حين رسمت سفن شراعية في وسط البحر بفضائها المفتوح والمترامي الأطراف…

وفّرت الثقافة والتقنية الحديثة للشعرية المعاصرة الإنفتاح على الفنون البصرية، كالتصوير والتشكيل ، وهذا ما لاحظناه في لوحاتها التي تنقل لنا كامرتها في كثير من الأحيان الزوايا الجميلة في الطبيعة برؤيتها الشعرية للتعبير والمناورة بشكل مضاعف، من خلال الكلمة والأيقونة معاً، وتمكينا لولوج القصيدة من خلال الصورة والعكس.

📷ولكن أهم ما أفضت إلينا به منذ عتبة الاستهلال هو التوازن والاِنضباط والهدوء، ويلاحظ التماثل البنائي بين مكونات بنائاتها إن كانت في اللوحة أو القصيدة ، لقد اِستثمرت الشاعرة المقدرات العصرية لهذا التكامل الذي دشنته الفنون الأخرى وخصوصاً فن الطباعة والتصوير، ففي صفحة غلاف مجموعتها الشعرية ( بقايا وطن ) وهو تعبير مجازي معنيٌ بإبراز براعة الكلمة الشعرية في ركوب الخيال، تجد بناياتها تميل الى السقوط رغم أن أشجارها في أوج الربيع ، وكما في لوحتها التي تشير فيها الى اِنحناء شديد لبرج ايفل رغم أن أشجارها في أوج الربيع ، من هنا جاء تشكيل المعنى من خلال الصور الشعرية المؤثرة في عنوانها، حتى كأن العنوان هو قصيدة شعرية ولوحة فنية ، مما يكشف للقارئ أن الشاعرة هي رسامة ومن هنا جاء سبب اِستخدامها للون البني والأصفر لتقول إنها قادرة أن تصنع من بقايا الوطن، وطن جميل من خلال اِستخدامها للون الأحمر لثمارها هذا اللون الذي يرمز الى العواطف الثائرة والحب الملتهب لوطنها الجريح الذي تراه أمام أعينها يتساقط ، إلا أنها عبرت عن القوة والنشاط التي تكمن بالجيل القادم الذي رمزت به بالثمار الحمراء من خلال الاِتحاد ، لتقول في قصيدتها رقم (3) سنعيد بناء الوطن من جديد :

أنا الماء وأنت التراب

تعال نتحد معا

نكون بروحينا عجينة الطين ..!!

نرمم ونبني الوطن الذي تهدم من جديد

يفترض في الأيقونة النصية والشعرية، أن ينهض الشكل المرئي للقصيدة، بدور حيوي وأساسي في تشخيص المعنى وتجسيده ، وتجسيمه، واِستقطاب الأنظار وجذب الاِهتمام، وذلك من خلال اِستخدامها لصور شعرية بسيطة خالية من التعقيد والتوظيف الأسطوري وحتى لوحاتها تجدها تصويرية واضحة المعالم وفي سياقها يتكامل ويتداخل فن الشعر وفن التشكيل، جمالياً ودلالياً .

وهكذا في بقية لوحاتها وقصائدها التي ضم ديوانها ومعرضها حيث وظفت وبنسب متفاوتة باِمكانات الفن التشكيلي، والتصوير ، وحضور الصورة التشكيلية أو الفوتوغرافية، الملازمة للنص الشعري، وفق رؤية مخطّطة وهادفة، لعلاقة تناصية بين اللوحة والنصوص الشعرية، لها حمولاتها الدلالية والايحائية فمثلما تجد اِختفاء العصافير والفراشات من لوحاتها بسبب قساوة الآخر تجدها تقول في نفس القصيدة 1:

كلحن عاشق .. أنا

وحيدة أغفو على صدر طيفك

في الحر

وفي برد الشتاء

ما زلت أحاكي وأتمتم مع مرآتي كل صباح

فللرؤية في لوحات وقصائد الفنانة والشاعرة كوكب الهامس وجهان :

  • الأولى حسية خارجية ثابتة
  • والثانية قلبية داخلية، متغيرة ترى الأشياء بحسب تقلب الحالة النفسية، وتعيد اِكتشافها وصياغتها من جديد.

وهذا ما جسدته في قصيدتها رقم (2) مؤكدة على مدى يأسها وإنكسارها من شدة قساوة الآخر الذي أحبته وأعطت له أغلى ما تملك وكما تقول :

ذهبت

تفتش عن جسدها الضائع بالغربة

فتفاجئت

بأشلائها قد

سبقتها الى القبر

وهكذا في قصيدتها رقم (40) :

كيف لي أن أترجم

حريتي للسماء

وأنا ما زلت

مكسورة الجناح

يا وطني

📷وفي مجال تجربتها الشعرية تكونت لها الرؤيا عن طريق توظيف الإمكانات الفنية كافة، من صورة وايقاع ، وأختيارها للمفردة .. وبذلك فإن القصيدة تسعى إلى بناء عالم بديل، يتجه مباشرة إلى الرؤيا، دون الاِتكاء على عناصر الرؤية الأخرى والمعقدة كالأُسطورة والرمز. ويستطيع المتلقي في هذه الحالة أن يتتبع الرؤيا، ويكون ملامحها من خلال المواقف المثارة في صورة الرؤية كما في قصيدتها رقم (13) :

أرنو للوطن

الوطن يهرب مني

الفرح يهرول يسبقني للهاوية .. يموت

وهكذا في قصيدتها رقم (49) :

وأنا على صهوة القطار

تناثرت القبل في الفضاء والغبار

📷تبلغ العلاقة الفنية والشكلية بين الكتابة والرسم أوجّها، في تجربة الشاعرة والفنانة كوكب الهامس من خلال لوحاتها ومجموعتها الشعرية (بقايا وطن)، حيث تطوَّعت الأحرف والكلمات والألوان والخطوط و.. من خلال التنسّيق لتعالج وتشكل على سطح الورقة لوحة بصرية وحسية لشيء ما، (سفن في وسط البحر تغادر بهدوء ، اِمرأة وأبنتها في وسط الشارع تسيران بخفية ، قراها الخالية من حركة الاِزدحام ، مزهرية، شارع، قرية …) .

أو قصيدة شعرية تعكس ضعف الإنسان وتعامله السلبي مع المقدسات كالإنسان والوطن .

وعندما يكون النص شعرياً، تصبح “ الأيقونة الشعرية “ نتاجا بصريا حقيقيا للرسم بالكلمات.وهذا ما تجده في كثير من قصائدها .

الجزء الثاني من قصائدها ولوحاتها تجد فيها أناها تظهر بقوة للمواجهة بعد أن تيقنت كل محاولاتها لكشف قساوة الآخر من خلال عرضها بهدوء باءت بالفشل كقولها في قصيدتها رقم (32) :

أحمل وطنك وأتبعني

لنعلن ثورة على ثورة

لتحرير تعرجات عقل الإنسان

وعندما يتحرر الإنسان

تتحرر الأوطان

وهكذا في قصيدتها رقم 73

سأقتحم السماوات السبع

سماء سماء

أفتش عنك

حتما … سأجدك في طيات الغيم

📷📷📷وكذلك في قصيدتها ( 76 ، 78 ، 88، ) وهذا ما عبرت عنه في لوحاتها أيضا (شخوص بشكل حيوانات أو حشرات مهاجمة ، زرافة تلوي رقبتها ، إمرأة بشكل حصان ، رجل وإمراة بشكل طير تعبا من الصراع ـ سلحفات بحجم بقرة ، إمرأة بجناحا نسر وشكل تنين تصارع الحيوانات المفترسة…).

📷فالاِعتماد على التصوير والتشخيص والتشكيل ظاهرة مشتركة بين الشعر والرسم، فالشعر ناطقاً في شفوية خالصة، والكلمة الشعرية قد إنخرطت في الأفق البصري، لتحقق مزيدا من التقارب بين الشعر والرسم في تجربة الشاعرة والفنانة كوكب الهامس ، من خلال اِعتمادها بنائياً ، وتحليلياً وجمالياً على حاسة البصرِ، خاصة في بعض تجلياتها التي يصح في وصفها اِستخدام التعبير (الرسم بالكلمات)، بدلالته الحقيقية البعيدة عن المجاز.

إلا أن الشاعرة ترى لا مجال للمضي قدما إلا من خلال الأتحاد والتعاون وبذل الذات لذا تنادي الآخر وتقول في قصيدتها رقم ( 96) :

تعال نتحد معا

في رقصة غجرية مجنونة

يا وطني

وهذا واضح أيضا في دلالة قصائدها الأخرى ( 6، 11، 1 ، 89 …

ودلالة لوحاتها كما في ( أيقونتها الكنسية ، شخوصها في اللوحات، البورتريت أم وطفلها ، …) هذا يعني ان للدلالة في تجربتها رافدان، رافد اللغة ، ورافد الصورة، فبتكاملهما يتضاعف مبادىء وقيم البناء والخصائص الجمالية، في الصورة إن كانت شعرية أو لوحة رسم .

وإذا كانت الرؤية[1] بما تنطوي عليه من عناصر ذاتية وموضوعية تحكمها الحواس هي المرجعية الأولى التي تتشكل منها المادة الأساسية للرؤيا، فإن ذات الشاعرة هي المرجعية الثانية المقابلة التي تقوم على تشكيل الرؤيا وتكوينها، ومن دون حضور الطرفين المذكورين لا يمكن أن تكون هناك رؤيا، وكما تقول في قصيدتها المرقمة 89 :

أنا الأرض

وأنت غيمتي

المطرزة بلؤلؤ الروح

فأهطلي يا سماء

ولينم حبيبي على التراب

سأكون له الوطن

فهي حين ترى الشارع تستفز ذاتها لترسمه بلوحاتها وقصائدها لأنها ترى في الشارع نقطة الدخول الى القرية والوطن لذا تراها دائما في لوحاتها تركز على نظافة الشارع من الضجيج وأناقته مما دعاها ان تؤكد في قصائدها على أهمية الشارع الذي منه تبدأ برسم الوطن كما تقول في قصيدتها رقم24 :

إذا مات الشارع

ماتت المدينة

وإذا ماتت المدينة مات الوطن

تعتمد الشاعرة على تقنيات المونتاج في هيكلية قصائدها عبر متواليات شعرية تتمظهر فيها الاِشارات بشكل ظاهري وبخاصة الدال المكاني الذي تتقاسم معه الشاعرة الألم والحلم معا لأنها تعرف الإنسان بلا وطن يكون بلا حياة كقولها في قصيدتها رقم 52 :

عندما يموت الوطن

تموت معه كل الأحلام

وحين تُعَبر عن الوطن تخرج أناها بإنفعالات أضفي عليها من روحها ما بعثت في نتاجه القوة عبر سيل من عواطفها الكامنة، لتفصح عن جوهرها بشكل جذاب ملفت للنظر مما دعاها ان تركز في لوحاتها وقصائدها على الطبيعة بما تحمله من جمال فتقول في قصيدتها رقم 95 :

من يزرع الورد

لا يمكن أن يدمر وطنا

أو يقتل إنسان

وختاما أقول لقد تخلى شعرها ولوحاتها عن مجال الاِفتعال والبراعة الزائفة بألوانها وشخوصها البصرية التقليدية لصالح، تمحور لغتها الشعرية بما تكتنزها من مفردات قليلة وبسيطة ومفهومة خالية من التلاعب ذات دلالات كثيرة وأيحاءات خصبة تتخلق من ذاتها في حركة بؤرية مكثفة مشكلة قصيدتها الومضية حيث يكون لشكل الكلمة، وملامحها المكانية، شعريتهما بجانب الشعرية اللغوية للكلمة، التي تمكننا من ولوج النص وكما في قصائدها المرقمة(2، 13 ، 14 ، 30 ،…69 ، 91، 100 ، 104 ) التي تشبه الصواريخ بمدلولاتها كقولها في قصيدتها 104 :

وطني

في كل زاوية

توجد أشلاء لجندي مجهول

حتى أصبحنا

جنودا في هذه الارض

وبقايا وطن

تنشأ كل موضوعاتها الأساسية من خلال هذه العناقات الأسية بين الذات الشاعرة من جهة وبين الآخر عبر معادلة اِستدعاء العناصر الرئيسية للصورة الشعرية وكثافتها الثرَة وضخّ شعريتها بوساطة اللغة الساخنة وتوهجها اللفظي وكثافتها اللسانية، لتأسيس مشهد شعري يتجانس فيه ايقاع المعاني وايقاع الخطاب وتضاداتهما فتكشف لنا أغلب قصائدها عن جانب من شعريتها ودلالتها لقدرتها على اِنتقاء عناصر الصورة وموضوعها اِنتقاءً موفقا وتشكيلها تشكيلا موحيا فتوجه التشكيل الشعري إلى خيارات توزيع الكلمات تجسيداً للمعنى ، وهكذا في لوحاتها وحيث تعاملت مع الفراغ والاِمتلاء والبياض والسواد.. بكل هدوء فجاءت الصورة لديها وكما يقول صلاح فضل : (بأبعادها الثلاثة، من مادة، وشكل ِ، ودلالة، ) هي التي تمثل وحدتها البنائية، وتخلق واقعها الجديد من خلال أمتدادها الى رؤية المشاهد.

[1] (الرؤيا والتشكيل دراسة في شعر نزار قباني – إعداد الطالب هشام عطية القواسمة / جامعة مؤتة )

لوحات بريشة الشاعرة و الفنانة التشكيلية كوكب الهامس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى