سميرة عزام.. عائدة إلى عكا برائحة الصندل
*حمزة البشتاوي
لم تكن سميرة عزام رائدة القصة القصيرة الفلسطينية وحسب، بل كانت إضافة لكونها قاصّة بارعة وصحافية، ومذيعة ومعلمة مجتهدة، من أبرز المشاركين في النضال الوطني الفلسطيني منذ ما قبل إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965.
وكان لها دور على صعيد توعية الأجيال العربية والفلسطينية وخاصة في الأردن ولبنان، وتتلمذ على يديها العديد من الشبان الفلسطينيين، في فترة الستينيات الذين كانوا منذ ذلك الوقت مهددين بأن يتحول بعضهم إلى مخبرين ومدمني مخدرات وفاسدين، وبعضهم إلى مطاردين ومحاصرين يبحثون عن لقمة العيش، مع محاولات إدخالهم قسراً في متاهة المأساة، كي ينسوا قضيتهم، وتتحول مخيّماتهم من عنوان للنضال من أجل العودة إلى مخيّمات بؤس وفلتان وفوضى غارقة في وحول السياسات المشبوهة والحرمان. ولذلك كانت قصص سميرة عزام تركز على جراح وأوجاع المخيّمات، التي ما زالت تصرخ وتقرع أجراس الحزن والحنين للوطن.
اختارت سميرة عزام فن كتابة القصة القصيرة لأنّها من أقرب الفنون إلى حياة الناس ولهمومهم المباشرة، ومثّلت معظم قصصها البدايات الأولى للقصة الفلسطينية
واختارت سميرة عزام فن كتابة القصة القصيرة لأنّها من أقرب الفنون إلى حياة الناس ولهمومهم المباشرة، ومثّلت معظم قصصها البدايات الأولى للقصة الفلسطينية، ومرحلة وقوع النكبة ومرارات اللجوء، التي لم يستطع أي فلسطيني تفاديها، وحوّلت النكبة وما فيها من أحداث مأساوية وبطولية إلى مادة رئيسية في قصصها من أجل تعزيز روح المقاومة والأمل والإيمان بانتصار الحقّ والعدالة.
وقد قيل الكثير عن سميرة عزام وأثرها في الأدب الفلسطيني، حيث قال عنها الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى): “كان أغزر ينبوع تستقي منه، هو شعبها ووطنها وقلبها.. ولا أدري إذا كانت هناك قاصّة عربية تجاري سميرة عزام في قصصها الرائعة، إشراقة عبارة، وسمو فكرة”.
وقالت عنها الكاتبة سلمى الخضراء الجيوسي: “كانت تجربتها مستمدة من نظرة واقعية للحياة، تحكمها الضوابط الأدبية، وقد أجادت في تصوير العديد من التجارب الإنسانية، ومنها تجارب المرأة المتنوعة في الثقافة العربية، وانبثقت قصصها من الملاحظة الحذقة للسلوك الإنساني، خاصة في ما يتعلق بالحالة الفلسطينية”.
وقال عنها أيضاً المؤرخ الفلسطيني بطرس دله: “كنت تحس وأنت تقرأ قصصها الأولى، إنّها تطل عليك من المخيّم، فهي حملت عذابات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والبلدان العربية، وزخرت بالأسى والألم والحنين للديار، ثم عادت قصصها المتأخرة تنبض بالحياة والأمل”. وقالت الكاتبة الفلسطينية ليلى الأطرش: “إنّها رائدة القصة القصيرة، ولم تأخذ حقّها من النقاد”، وهذا الأمر أكدته الكاتبة نجمة حبيب في دراسة عن سميرة عزام قالت فيها: “لم تُظلم كاتبة كما ظلمت هذه المرأة الخضراء الظل المبدعة والمناضلة الشامخة”. وعن موهبتها المميزة قال الأديب سهيل إدريس: “هي ذات موهبة قصصية عظيمة الإمكانيات، بأسلوب حي ومشرق”.
“هي قاصّة تحمل في قلبها مأساة فلسطين، وأدبها أدب ثوري بامتياز”
(رجاء النقاش)
وفي وصف يتعلق بشخصيتها قال الناقد رجاء النقاش: “هي قاصّة تحمل في قلبها مأساة فلسطين، وأدبها أدب ثوري بامتياز”.
وعندما قيل عنها هذا الكلام الذي لم تسمعه أو تقرأه، كانت في بدايات وأوج عطائها الأدبي ونضالها الوطني، الذي استدعى منها صبيحة يوم الثامن من آب/ أغسطس عام 1967، السفر من بيروت إلى عمان، لمقابلة عدد من اللاجئين في المخيّمات الفلسطينية بالأردن، وأثناء وجودها هناك قررت القيام بمحاولة للعودة متسللة إلى مدينتها عكا، وذلك بسيارتها الخاصة، وهي تحفظ الطريق إليها أكثر من خطوط يديها، ورافقها في تلك المحاولة طبيب من عائلة سابا وشقيقته، وقبل مغادرة الحدود الأردنية – الفلسطينية نحو عكا، شعرت سميرة عزام بنوبة قلبية حادة لم تمهلها سوى دقائق حتى فارقت الحياة، وعاد جثمانها إلى بيروت لتدفن هناك، حيث أوصت بأن يوضع جثمانها بشكل مؤقت في مقبرة البروتستانت، في منطقة رأس النبع، بتابوت من خشب الصندل، كي تعود لاحقاً إلى عكا وتختلط رائحة اليود والبهارات برائحة الصندل القوية كنسائم بحر عكا في لقاء يُشبه أغنيات أول الحب وموسيقى الفرح.