منتديات

الدكتور وجيه فانوس: كلُّ الأملِ، أنْ يَصْدُرَ عَن مَقامِ مُفتي الجمهوريَّةِ اللبنانِيَّةِ، ما يدعو به أهلَ السِّياسةِ والفِكرِ والاقتصادِ والاجتِماع، إلى التَّلاقي في رِحابِ “دارِ الفَتْوى” سعياً إلى إنقاذِ البلدِ وأهلهِ

صدر البيانُ التَّالي عن الدكتور وجيه فانوس، رئيس “المركز الثقافي الإسلامي”
الاثنين، 13/7/2020
فيما يُعاني جميعُ اللُّبنانيّين اليومَ، على تنوُّعِ معتقداتهم الدِّينيَّة وتعدُّدِ توجُّهاتِهم المذهبيَّةِ واختلافِ مناطقِهِم الجغرافيَّة وتشابكِ توجُّهاتِهِم السِّياسيَّةِ وتنافُرها؛ مِن جَحيمِ البُؤسِ الماليِّ، الذي يحيقُ في هذه المرحلة بهم؛ ومِن وجَعِ الانهيارِ الاقتصاديِّ، الذي ما انفكَّ يتهدَّدُ وجودَهم الشَّخصيِّ كما الوطنيَّ؛ ومِن ضَنَكِ التَّشرذُمِ السِّياسيٍّ، الذي ما برحَ يتوعَّدُ وحدتهم الوطنيَّة بكلِّ سوء؛ ومِن الهَلَعِ مِن اِنْحِلاَلٍ للدَّولةِ، قد لا يرحمُ أحداً مِن شَطَطِهِ ولا يترُكُ مُواطِناً مِن ضُرِّه؛ فإنَّني، لا يُمكنُ أنْ أتَغافَلَ عَن الأمانةِ الإسلاميَّةِ الوطنيَّةِ التي أحمِلُها، في رِئاستي لـ”المركز الثَّقافيِّ الإسلاميِّ”.
لطالَما رَسَّخَ “المركز الثَّقافيُّ الإسلامِيُّ” وجودَهُ، انطلاقاً مِن تاريخِهِ الوطنيِّ العريقِ؛ الذي ساهمَ في وَضْعِهِ ضمنَ مساحةٍ فاعلةٍ، لمجالاتِ التَّلاقي الوطنيِّ، بين جميع مُكَوِّنات الوطنِ، الدِّينيَّةِ منها والمذهبيَّةِ، كما تلكَ الفكريَّةِ والسِّياسيَّةِ. ولقد استمرَّ منبر “المركزِ الثَّقافيُّ الإسلاميُّ، مُنْذُ إنشائه، قبلَ سبعةِ عقودٍ مِن اليَوْمِ، منطلقاً لدعواتِ الوحدةِ الوطنيَّةِ الصَّافِيَةِ بينَ اللبنانيين جميعاً؛ كما كانت قاعاته الرَّحبة، مطرحاً لا يتَّسعُ إلاَّ لاجتماعِ أبناءِ الوطنِ كافَّة؛ يتداولونَ في فسحاتِها، سُبُلَ تلاقيهم الإنسانيِّ؛ ويَتَطَلَّعونَ منها إلى مَناهِلَ لِلعملِ على تعزيزِ أواصرِ الأخوَّةِ الإنسانيَّةِ التي آمنوا ببنوَّتهم لها؛ كما يتقصُّون فيها ما يُثْري التَّفاهم الثَّقافيَّ بينهم، ويَشُدَّ مِنْ عزمِ العملِ الوطَنِيِّ البنَّاءِ المُشْتَركِ بين أوساطِهم.
أتوجَّهُ، انطِلاقاً مِنْ كُلِّ هذا، إلى سماحةِ مُفتي الجمهوريَّة اللبنانيَّة، الدكتور الشَّيخ عبد اللَّطيف دريان؛ وهو، بصفته هذه، مُفتياً للجمهوريَّةِ، يتجاوزُ انتسابَهُ إلى طائفةٍ بِعَيْنِها، ليكون مُنتمياً بمسؤولِيَّتِهِ الكلِّيَّة إلى الجمهوريَّة اللبنانيَّة، بِعُمومِ مَن فيها وما فيها. ولذا فإنَّ تَعَهُّداتِ مَنْصِبِهِ هذا، تستغرقُ، بِحُكْمِ ما في الدِّين الحنيفِ من سماحةٍ ورؤيَةٍ إنْسانيَّةٍ، مَنْ هُم في طائِفَتِهِ ومَذْهَبِهِ، كما تَجْمَعُ في تطلُّعاتِها ووعيها، كلَّ مَنْ هُم في الجمهوريَّةِ مِن مُواطنين ومَسؤولين.
أَقْصُدُ مَقامَ مفتي الجمهوريَّة اللبنانيَّة المُكَرَّمَ، لأطلبَ منهُ، بكلِّ بساطةٍ وعفويَّةٍ وإخلاصٍ والتزامٍ وطنيٍّ، والبلدُ على ما هو فيه من تخبُّطٍ مرعبٍ، أنْ نعودَ مع سماحتِهِ إلى تَعْوِيلٍ لنا مُتَجَدِّدٍ لِتَجْرُيَةِ “اللِّقاء الإسلاميِّ” الذي انطلق سنة 1983. لقد كان “اللقاء”، فكرةً ومبدأً ومهمَّةً، عاين حِكمتها االوطنُ، رؤيةً ورأياً، وعاشَ ناسهُ نجاحاتها قولاً وفِعلاً، مع سماحةِ مُفتي الجمهوريَّةِ اللُّبنانِيَّةِ، آنَذاكَ، الشَّهيد، الشَّيخ حَسَن خالِد، رحِمَهُ الله. والأملُ، كلُّ الأملِ، أنْ يَصْدُرَ عَن مَقامِ مُفتي الجمهوريَّةِ اللبنانِيَّةِ، ما يدعو به أهلَ السِّياسةِ والفِكرِ والاقتصادِ والاجتِماع، إلى التَّلاقي في رِحابِ “دارِ الفَتْوى”، وإلى التَّدارُسِ الوطَنيِّ المسؤولِ لِما يَجِبُ القيامُ بهِ، من خطواتٍ تنظيميَّةٍ؛ وما يَلْزَمُ الوصولُ إليهِ مِن قراراتٍ وطنِيَّةٍ، سعياً إلى إنقاذِ البلدِ وأهلهِ مِن السُّوءِ الذي يُخَيِّمُ فوقَ رؤوسِهِم، والخرابِ الذي يسعى جاهِداً إلى امتلاكِ وطنهم.
الوَضعُ الحاليُّ لا يُبَشِّر بأيِّ خَيرٍ، والمسؤوليَّةُ مُلقاةٌ الآن على عاتِق جَميعِ اللبنانيين؛ والأملُ، كلُّ الأملِ، أن نَقِفَ وارءَ عِمَّةِ الإفْتاءِ في الجمهوريَّةِ اللبنانيَّةِ، في سنة 2020، كما وقفَ لبنان، مِن أقصاهُ إلى أقصاهُ، سنة 1983، وراء عِمَّةِ الإفتاء؛ إذْ كانَ سماحةُ مُفتي الجمهوريَّة اللبنانيَّة، حينذاك، الشَّهيدُ الجليلُ الشَّيخُ حَسَن خالِد، في صلاةِ “عيدِ الفِطرِ”، التي أقامَ في “الملعَبِ البَلَديِّ” في بيروت؛ والتي تابَعَهُ فيها اللبنانيُّون على تنوُّعِ معتقداتهم الدِّينيَّةِ وتَعَدُّدِ تَوَجُّهاتِهم المَذْهَبِيَّةِ واختلافِ مناطقِهِم الجغرافيَّة، بل وتَشابُكِ توجُّهاتِهِم السِّياسيَّةِ فيما بينها وربَّما تَنافُرِها.
لقد أعلنَ، سماحةُ الشَّهيدِ الكبيرِ وقتذاكَ، المبدأَ الوطنيَّ الذي ما ما فَتِئَ يُمَثِّلُ، إلى اليومِ، المطلبَ الأساسَ لغالبيَّةِ اللُّبنانيين، وخاصَّة الشَّباب منهم، للنُّهوضِ بالوطنِ بعيداً عَن تَقْيِداتِ المُحاصَصَةِ وعلاقاتِ التَّبعيَّة وإذلالِ الاستزلام؛ إذ قال، رَحمَةُ اللهُ عليهِ، “إنَّ في الوطنِ – على صِغَرِ مساحَتِهِ – مُتَّسَعاً لِجَميعِ أَبْنائِهِ على أَساسٍ مِن العدالةِ وَصَوْنِ الحُرِّيَّاتِ، وإنَّ أيَّة فئةٍ مِنَ الفِئاتِ لا يُمْكِنُها أنْ تَبْني لُبنان على صُورَتِها، سواء كانت حِزبيَّةً أم طائفيَّةً أم عُنصريَّةً؛ لأنَّ لبنانَ لا يُمكِنُ أنْ يَكونَ إلاَّ على صورةٍ مِن التَّجانُسِ البديعِ بَيْنَ جَميعِ طوائِفِهِ، تُظَلِّلُهُ الكرامةُ وتَحْفَظُهُ قواعدُ العدالةِ والمُساواة”.

إنَّني، إذ أتشرَّفُ، بنقلِ هذه الدَّعوة؛ فإنَّما أنْهَضُ في رِحابِها بناءً على ما قُمْتُ به، خلالَ هذهِ المرحلةِ المؤلمَةِ، مِن اتِّصالاتٍ وشاركتُ فِيهِ مِن لِقاءاتٍ وسعيتُ إليهِ مِن اسْتِكْناهٍ للتَّطلُّعات الوطنيَّة. ولقد كانَ كلُّ مَنِ التقيتُ، مِن ناسِ الوطن كافَّةً، حريصاً على وجودِ لبنانَ، ومتمسِّكاً بوحدَتِهِ وطامِحاً أبداً إلى عِزَّتِهِ وازدهاره؛ رغمَ ما قد يكونُ بَيْنَ هؤلاءِ الذين التقيتُهُم، مِن تَشابُكٍ أو اشتباهٍ أو تَداخُلٍ أو التباسٍ، في المعتقداتِ الدِّينيَّة والتَّوجُّهاتِ السِّياسيَّةِ؛ بَيْدَ أنَّهم مُتلاقونَ في مجالاتِ الحِرصِ الوَطنيِّ على سلامةِ لبنان وأَمْنِهِ وأَمانِهِ ودَوامِ ازْدِهارِهِ.

الدكتور وجيه فانوس
رئيس المركز الثقافي الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى