مقابلات
و يسألونك عن الشعر …كوكبة من أهل الكلمة و الأدب يطرحون أسئلتهم على الشاعر مردوك الشامي
مردوك الشامي ضيفاً على حبر أبيض:
الوطن الوحيد لكائن مثلي هو القصيدة .
- بيروت اليوم بكل نقائضها وانكساراتها، لا تزال تكتب، وتقرأ ، وستكون قادرة على كسر الأقفاص.
- في لبنان اليوم شعراء محكية هم الأجمل من كل شعرائها الذين
مروا من قبل. - أصغر شرطي عربي قادر على جرجرة ألف شاعر إلى الزنزانة.
- المطلوب من الكتابة اليوم إعلان الحقيقة ، المطلوب منها ممارسة الصراخ ولو كان ” لا حياة لمن تنادي “
- الشاعر كائن عادي تماما ، وعبقر الشعر وجنيات القصيدة مجرد خرافة لا أكثر .
- الشاعر الحق يكون الفارس والقائد ولا يخشى أن يكون المصلوب.
عن السؤال الخارج على الرحى..عن المنازل المرصوفة في الهوامش..
عن حواجز القصائد، إذ تمني بالهوية وتراود عن..عبور
عن الحبر ” المكر المفر المقبل المدبر”عن الجرح بكامل انحيازه للعناد..
عن المزاج الحر معمدا في نهر المجاز…عن اصطفاف الرؤى والتباس المعنى في فوضى المنافي..عن الكتف المؤثث بالكناية والصهيل..عن الحناجر ..في رجل!! وبالأصالة عن كل هذا الاشتباه
افتحوا قوسين :
( ها يطل الحبر مجردا إلا من بياض)
مردوك الشامي مهووس آخر في برية الشعر/الوطن
هذا السبت نستعير منه الظل ونمنحه ” الميكرو” ليكون الصوت والضوء
أيها الأب الروحي،فلتمسح على رأس فضولنا ولتعطنا من زاد قلبك شعرا وكثير نبض..
الشاعر القادم من كواكبه البيض، المترجل توا عن صهيل الوجع ، الرجل الإشكالي والقصيدة المتمردة: مردوك الشامي
مؤسس حبر أبيض ونوافذ أخر..أهلا وسهلا بك
حنان فرفور - مردوك الشامي:
أطيب حصادٍ لكل هذا العمر أن أحظى بأصدقاء وشركاء يحملون بياض القلب والحبر ، يحملون رسولية القصيدة ونقاء الرؤيا ، كل الشكر حنان فرفور ، تنديار جاموس ، عصمت حسان، مارون أبو شقرا، مارون الماحولي، كل الشكر لكل الأحبة يتشاركون معنا اللقاء بكل ثقة وحب..
مساؤكم أبيض كقلوبكم، وعساي أكون عند ثقتكم ومحبتكم التي لا تقدر بثمن.
س- Habib Younes- عزيزي مردوك: ثمة منحى في قصائدك إلى تضمينها أساطير، كأني بك بابليًا سومريًا يونانيًا… فرعونيًا. ما وظيفة الاستعارات الأسطورية في قصائدك؟
ج-بداية كل التقدير لك أيها الحبيب وأنت تفتتح بوابات الأسئلة وبسؤالٍ كشّاف يقود إلى شرفات مفتوحة على ما وراء الزمان والأمكنة.
أدري أن والدي زرع بذرتي الأولى في رحمٍ سوري لوالدة منذ عرفتها أدركتُ أكذوبة الانتماءات العابرة..
في كثير من الأحيان ومنذ يفاعتي كنت أشعر أنني أنتمي لأول “جبلة طين” ، ذاك الطين الذي كان الأسطورة الأولى ، ومن خلالها تشكلتُ كائنا بشريا، وعصفورا، وذئبا وشجرة ..
ومن خلالها كنتُ كلَّ ماذكرتَ، بابلياً وفينيقيا وفرعونيا وسومريا ويونانيا ، كنت كل تلك الإنتماءات العابرة ، لأنني على اختلافها إنسان، والإنسان الحقيقي ، في نبضه كوكب وشعوب وكائنات ومجرات بلا حصر.
وحين يتسرب إلى بعض شعري إشارات أسطورية يكون الأمر كصوتٍ وصدى ، ولعل شعراء العربية منذ السياب ، ومنذ جماعة مجلة شعر على اختلافهم تأثّـرا ربما بالأرض الخراب وتوماس ستيرنز إليوت، نحونا إلى مدّ أيدينا إلى واحات الأسطورة الواسعة باختلافها بين الأساطير العربية والعالمية ، وهي في النتيجة نشكل قيمة كبيرة للتراث الإنساني، قد يتقاطع بعضها مع الخرافة، وقد يتسلق بعضها حبال الأعالي والمنزل والذي أراه بمعظمه لا يخرج من عباءة الأساطير.
أنا في المسرح الشعري قدمت الأسطورة من خلال أدونيس وإيزيس وصيدون، وأورنينا ، كنت أحتاج لأبطال ليسو موجودين في الواقع، فاستدعيتهم، وأسقطت حكاياتهم مع كثير من التعديل على واقعنا المعاصر.
خليل حاوي كتب عن أهمية الأسطورة الشعبية والتي تتجلى في تولي الشاعر القدرة على الإشارة السريعة للأحداث دون سرد أو تقرير ، فتستحيل إلى رمز وصورة كلية ، تشيع في مفاصل القصيدة وأجزائها وتضمن لها صفة التماسك الحتمي والوحدة العضوية ، كما تيسّر للقارئ سبيل المشاركة في تجارب الشاعر فتضيف إلى حسّه بالدهشة والغرابة ، حسّه بالألفة حينما يدخل عوالمه. وبالتالي فالأسطورة أداة وليست غاية في حدّ ذاتها، أنا فعلت في كثير من قصائدي ذلك ، سطوت على خزائن الأمس، لأن خزائن الحاضر خاوية ، ودائما يلح عليّ سؤال مقيت : ماذا سنترك للأجيال القادمة من أساطير؟..وأظننا سنعجز عن ذلك.
س- Samir Khalife– الغزال الابيض! الشاعر العادل المبدع الحرّ الانسان ! مردوك الشامي ! تحيّة لك وإلى كلّ شاعرة وشاعر في مجموعة حبر أبيض ! حيث تتعانق الاقلام والقصايد ! تحت وابل من الحبر ! وطوفان من الافكار والخيال والتأمل!
وأسال : لمن تقرَع أجراس الشِعر ! في هذا الزمن الاسود ! في هذا الشرق المسكون بالحروب والصراعات والشهوات والانتفاضات والانشقاقات والهلوسات !! - وهل بيروت ما زالت الناطق الرسمي للشعر ؟ هل ما زالت تقرأ ؟ وقد كانت المكان الذي يلتقي فيه العشّاق القادمون من كلّ مكان ! والمسافرون على أجنحتها الى كلّ مكان !
- ألا يخيفك هذا الفلتان الشعري ! هذا الضجيج الذي يعلو من محابر وأقلام الشعراء الذين يغتصبون المنابر والساحات بأقلامهم المريضه وقصائدهم الشارده ! وقد كانت بيروت كالشجر لا تغلق شوارعها ونوافذها بوجه زائر أو عصفور !
- وماذا عن القصيده العاميّه ! هذه الناقة البيضاء التي تركض بدون توقّف على أكتافنا وأوراقنا وأحلامنا ! ألَمّ تستهويك نظرتها، إبتسامتها ، أناقة صوتها ونعومَة جسدها ، وتلوينة أظافِرها
وهل ستحظى بموعد منكَ ! بقصيدة غزل منكَ ! بقبلة ، بضمّة ! وهي الساعية دوماً الى إحتضان كل صوّت جميل وكلّ قصيدة واعده ! وكلّ صيّاد بارع يحمل لها سلال الورد والابداع ! وانتَ الصيّاد الشاعر وهي تعرفك جيّدا وتعشق قصائدك ، ولست بحاجة الى بطاقة دخول الى سمائها ! الى أمسياتها وأعراسها الجميلة !!!
أيها الشاعر المحبّ البريء المناضل الشريف المبدع ! أنقذ نفسك وأنقذنا من هذا الرماد ! من هذا الخراب الهائل!
السماء تضاء بالنجوم ! والعالم يضاء بأحزاننا وجروحنا !
فليأخذ الحبر بيدك وليكن أبيض كوجه حبيبتك!!!
ج-الجميل جدا، والمرهف فعلا والشاعر النقي صديقي سمير خليفة ، أنت في كل ما سألت ، لم تطرح أسئلة، أنت تدفع بي إلى انفجارين : انفجار سيودي بي لو كنت مواربا بأجوبتي، وآخر سيودي بي أيضا لو كنت صريحا بها.. وأنا في طبيعتي عشق الانتحار ، لهذا سأكون في منتهى الصراحة مع أسئلتك .
-أنتَ أسميتها أجراس الشعر، والأجراس إما تدعو إلى الصلاة، أو تحث على الصحو ، والشعر لا يصلح مطلقا للجهتين ، فهو في كثير من الأحيان ينافس الأعالي على مملكة الأرض، وهو غير قادر على أن يدفع حتى ببعوضة لتقوم من الكهف.
الشعر صوتٌ فردي، فردي وخاص جدا، وفي حالات نادرة تحول لصوت جمعي،حالات كان لها ظروفها الزمانية والمكانية والتاريخية .
على صعيد العرب المعاصرين ، نحن اليوم في أسوأ عهود الخصاء الفكري ،أسوأ عهود الانكفاء والانحناء والضياع، أحيانا الزواحف ترفع رأسها حين تعبر طريقا ما، أو حين تهم بالنهش دفاعا عن نفسها، نحن اليوم أمة بلا رؤوس ، وفي الرأس تكمن كل فضائل الاستماع، والصوت، والعقل.
-بيروت يا صديقي لم تتغير، تغيّر المسافرون والقادمون والعشاق..
وأيضا تغير الهواء في بيروت، والبحر، والسنديان العتيق.
أنا وصلت بيروت قبل 35 عاما، كانت لا تزال تحتفظ ببقايا جناحين ، قبل ذلك كانت بجناحين يمتدان بلا حدود، عصيين على المقصات، أقول لك : بيروت بما كانت عليه لم تعجب محيطها القريب والبعيد ، كانت الحرية ، يوم كانت العواصم سجونا لمبدعيها، كانت الاتساع والمدى، يوم كان كل العالم العربي مغلق بالصدأ والأقفال ، كانت المنبر والصوت والصدى، يوم كانت الحناجر في كل ما حولها تُجزُّ بالسكاكين…
لم تعجبهم بيروت، فنقلوا لها أمراضهم، وأوبئتهم، وفسادهم، اعتلّ الهواء ، لكنها لم تزل تحتفظ بنقاء الرئتين، توجّعَ القلب، لكم نبضها لا يزال يجيء على إيقاع النسمة ورفرفة الفراشات..
عشت بيروت الثمانينات بكل ما فيها من زخم وضوء، وأقول صادقا : بيروت اليوم بكل نقائضها وانكساراتها، لا تزال تكتب، وتقرأ ، وستكون قادرة على كسر الأقفاص.
-يا صديقي ، في كل الأزمنة كان هناك فلتان وانضباط، أصالة وتزييف،كان هناك شعراء ، وكان هناك أدعياء .
ما يساهم اليوم في رفع منسوب النقيق ، أنّ المجال مفتوح ومجانا لكل راكبي الموجة..
أن الإشارة الخضراء راية الهشاشة، والإشارات الحمر ذهبت إلى الغيبوبة..
وما يحصل كونيّ ، ليس عربياً فقط، ولالبنانيا، وسائل التواصل السهلة التوصيل بلا أي مقابل ، غياب الرادع الأخلاقي والقيمي، انحسار القوانين، تلوث الجمال، ولوثة الشهرة على حساب القصيدة،ثم الإفراط في وباء المجاملات والتسلق والتصفيق المتواصل،أيضا تراجعُ شركات الانتاج الفني التي انوجدت لتفريخ
مغنيات الأرداف ، ومغنيي هز الخصر، وتوقفُ برامج تفريخ النجوم على شاشات العرب ،كل هذا رمى بالنجومية في ساحة لا تحتاج للبذخ في الميزانيات والمصاريف.. ساحة النجومية في الشعر هي أكثر الساحات رخصا وتداولا وانتهاكاً لأنها ساحة بلا جدران، وبلا رقابة وبلا حراس.
أجل يخيفني ما يحصل، لكن ليس إلى درجة اليأس ، مقابل كل هذه الكثافة في استهلاك مفاهيم الشعر والأدب واللغة، هناك شعر حقيقي، وشعراء ستحملهم الأزمة خارج لعبة الفقاعة والهذيان.
-بلا مبالغة ومجاملات، أقول لبنان اليوم يشهد ذروة سطوع القصيدة المحكية ، هي قصيدة بكل مقاييس الشعر، بكل بهاء الصورة الحديثة، والفكرة الخلاقة، وبكل أناقة الحضور.
في لبنان اليوم شعراء محكية هم الأجمل من كل شعرائها الذين مروا من قبل، وهم بما يبتكرون ويقدمون من قصائد مكتملة ينافسون ويوازون ، وقد يتجاوزون شعراء الفصيح.
وأيضا ولكي أكون صادقا ، كما في الفصيح تسلل للقصيدة مزيفون، تسلل للمحكية حكّاؤون ، وأدعياء كذلك، لكن غربال الزمن سيبقى بالمرصاد للجميع.
-قبل وصولي لبيروت في أواخر الثمانييات ، كانت بيروت حاضرة في شعري، وأحلامي، وبعد استقراري فيها، كتبت لها الكثير، سنة 1992غنت الراحلة سحر طه قصيدتي بيروت من ألحان الدكتور الفنان نبيل جعفر، وفي 1994 غنت الفنانة ميشلين خليفة من كلماتي ” صوتي أنا لبنان، ولحنها الجميل فؤاد عواد، وفي المرحلة ذاتها أنشدت الرائعة سمية بعلبكي قصيدتي ” سقف السما، عن الجنوب قبل تحريره وكانت من ألحان الفنان إحسان المنذر.
من يقع في غرام بيروت لا يخرج منها إلا محمولا على نعش الرحيل..
حين سئلت قبل سنوات عن علاقتي ببيروت، قلت بيروت منحتني الألق والقلق.
بيروت قتلتني لمرات، لكنها أحيتني أكثر، لهذا هي تسكنني وأنا فيها أقيم.
س-Wafaa Fouany– الشعر..ككل قضايا الحياة..كالدين والسياسة…نرى شعرًا للقضايا الإنسانية..وآخر للوجدانيات والعواطف والجمال..وشعرًا للبلاط وللحاكم وللزعيم وأولياء الوظائف…يرتقي الشاعر مرات بشعره..وإلى الآن..لم يرتقِ الشعر بالإنسان كوجود وقوة اجتماعية فاعلة..ماذا ينتظر الشعراء والمثقفون ليقوموا بخطوة جبارة في بناء الوطن والإنسان…متى نراهم قوة جبارة في وجع الظلم الذي نعيشه؟
ج- الصديقة وفاء فوعاني لك التحية ، كان الشاعر قديما كما وصل إلينا لسان القبيلة ، ورسولها والناطق الرسمي باسمها، ذاك اللسان تعرض للقص في الراهن، قصته ظروفُ الحياة، وأقصتهُ عن دوره اختلاطاتُ القيم، وتراجعُ دور اللغة أمام الصورة، وهزيمة المحبرة أمام العدسة، وأيضا ضمور الموقف أمام الرغيف.
الشعر معادل للحرية ، لايكون من دونها، لكننا نعاني من أن الحرية على كافة الأصعدة في غيبوبة ، وانا لست مع أن هناك شعر متنوع للقضايا الإنسانية، وآخر للوجدانيات، اوالعواطف، للثورة والزعيم، أنا أقول هناك شعر أو لا شعر، وهناك شاعر، والشاعر الحق يكون الفارس والقائد ولا يخشى أن يكون المصلوب.
من أجل أن أعيش عملت في الصحافة بكل أنواعها مكتوبة مرئية ومسموعة .لكن ولأكثر من 40 سنة الشاعر في أعماقي سبق الصحفي ، هو الذي كان وما زال يقود خيول الروح وأسراب حمائم الوجدان ، هو الذي يحصّن ما تبقى في داخلي من رغبة في التمرد على آخر السقوط في فخ الحياة الضامرة حتى التلاشي ، وهو ما يبقيني أصحو كلما شعرت أنني على الحافة أقف أمامي المنزلق وخلفي القيعان .
الشاعر مرآة طفولتي الصافية ، في فمه لايزال طعم حليب أمي ، في أذنيه غناؤها الخجول يهدهده لكي ينام .
الصحفي ، في بداياته كان كما الشاعر ، كان هو ذاته ، شعرنت اللغة الصحفية وأدبتها ،ولم أصحفن القصيدة ، لكن في مراحل كثيرة تحول الصحفي الى مرتزق ، يكتب ما لا يقنعه ، ويمارس كما معظم صحافتنا الراهنة دعارة الفكر ويكذب على البياض .
كان هناك صراع شديد بين الشاعر والصحفي ، اذا انتصر الشاعر أموت من الجوع ، واذا انتصر الصحفي أتخم باللقمة الحرام !
كل ما حاربت من أجله كان لانقاذ الشاعر ، اقتلاعه من مستنقع التلفيق والتدجيل الصحفي المعاصر ، لكي أقف أمام مراياي باحترام !
بإمكان الشعراء أن يتحولوا لقوة كبيرة تقوم بالتغيير وبناء الحياة والثورة على الظلم ، هل سيفعلون، حين يخرجون من أناهم المرضية ، حين يدركون حجم المسؤولية ، وأنهم في نظر كثيرين فرسان خلاص ، حين ينتصرون للشعر، سينتصر الشعر للحياة، كل الحياة.
س- DRmahmoud Ahmad Moghnieh– الشاعر الإنسان مردوك الشامي
عند الإطلاع على سجلك الحافل منذ تخرجك من جامعة حلب العريقة مروراً بمسيرة عامرة بالتجارب والخبرات والنجاحات والخيبات الى وقتنا الحالي وقت القابض على دينه كالقابض على شعره كالقابض على الجمر
فلا أبالغ إذا قلتُ أن الشعر عندك كحرمة تشويه الدين وهذا ما نراه هذه الأيام
السؤال :
إلى أي مدى سيقاوم وسيناضل المقاتل مردوك دفاعاً عن الشعر والأدب والنثر والفن والخيال وكل إبداع وكل موهبة واعدة
وهل سيتعب أمام الصعاب ويرفع الراية البيضاء ليتفرغ لحديقته ووروده وعصافيره وأحزانه
أم تلك المحاولات الصادقة عبر هذه المجموعات الهادفة وبالتعاون مع الخُلّص من المؤسسين سيكون لها الفضل في الغوص اكثر في بحر الأمنيات والأحلام والرجاء
ج- صديقي الدكتور محمد مغنية لك المحبة التي تعرف ، ليس المطلوب من الكتابة إحداث الثورات في العالم ، وليس مطلوبا منها قلب الأنظمة والعمل على نخر الكراسي العربية التي تقاوم الصدأ والأزمنة ، وليس مطلوبا من الكتابة كذلك أن تخرج الى الشوارع العربية حاملة لافتات المعارضة أو الانتحار .
الكتابة موادها بسيطة جدا ،حبر وأقلام وأرواح ولدت لتعشق وترفع من منسوب الفرح في العالم ، أصغر شرطي عربي قادر على جرجرة ألف شاعر الى الزنزانة !
أتفه مسؤول عربي يمتلك من السلطة ما يكيل لأي مثقف أو كاتب عربي حر مليون تهمة ويحوّل حياته الى جحيم لا يطاق !
أعهر راقصة عربية أو نجمة من ذوات الأرداف الرجراجة , تمتلك من الشهرة والثروة والكلمة المسموعة أكثر مما يمتلكه 99 بالمائة من شعراء العرب !
هيفاء وهبي أصبحت يوما أشهر من ادونيس عند تسعين بالمائة من ابناء الجيل الجديد!
المتنبي العظيم اذا سألنا عنه طلاب الجامعات الخاصة وحتى الوطنية في عالم العرب فلن يعرفه سوى القلة القليلة منهم !
نحن في عصر انحطاط الانحطاط ، ولا أظننا خرجنا من هذا المستنقع في كل تاريخنا الا للحظات ، سُمح لنا خلالها بالتنفس ثم أعادونا الى الهاوية !
المطلوب من الكتابة اليوم إعلان الحقيقة ، المطلوب منها ممارسة الصراخ ولو كان ” لا حياة لمن تنادي ” ؟.
المطلوب منها إمّا أن تحترق لتضيء ، أو تحرق الكوكب كله عن بكرة أبيه !
أنا من خلال هذه الرؤية أتعامل مع رسولية الشعر، لا أدعي أنني ثائر، ولا مقاتل ، وأشكر ثقتك بي، أنا مثل كثيرين خنت كثيرا مبادئي، وضعفت أمام الحاجة، وانحنيت وفررت من أمام جبروت الأنظمة، لكنني لم أنكسر، ولم أتحول لبوقٍ أو ماسح جوخ، أعيش اليوم حضيض كل شيء، في رزقي، ولقمتي، وحريتي، لكن رأس قصيدتي سيبقى عاليا عالياً وعصيا على الإنكسار. - س- نغم نصار مساء الخير للشاعر الكبير مع العلم أنني من أشد معجبينك ، لكن كثيرا ما تدور خلف الكواليس أحاديث تتهمك بالتكبر والفوقية ما رأيك ؟
وهل على الشاعر أن يدخل مجال المداهنات والنفاق الإجتماعي ليكون محبوبا أو متواضعا؟
ما رأيك في الساحة الشعرية اليوم وهل هناك من يضعون بصمات ويجددون في مسيرة الشعر الحديث نثرا أو موزونا ؟
ألا يحتاج الشاعر للثقافة أم أن الشعور يكفي لينجب شاعرا مرموقا؟
ج- صديقتي نغم، أنا على ثقة أنك أنت شخصيا كما كل الذين عرفوني حقا، حين يقال أمامك أنني متكبر وفوقي ستدافعين عني، لأنك خبرت تواضعي ، وتعاملي مع الجميع وبلا استثناء بكل محبة وانصهار.
وربما أكون متكبرا ولا أدري ، وفوقيا أيضا ، وأنا أمتلك آلاف”بيوت” الشعر، ولا أملك شبر أرض، وأنا فرشت بيتي المستأجر بعفش مستعمل، وفي خزانتي من الملابس “طقمان رسميان” أحاول إبقاءهما على قيد الإناقة منذ سنوات..وماذا سأعدد لك يا صديقتي من علامات الفوقية التي تميزني .. هي كثيرة بلا حصر..
أما عن دخول مجال المداهنات للشاعر كي يصبح محبوبا، أعترف أنني خسرت كثيرين لأنني ما كنت أداهن، وأن كثيرين ممن غضبوا مني ذات نص أو مقال فيه صراحة وجرأة وأعلنوا علي خصومتهم، هم اليوم أعز الأصحاب. - المشاعر تصنع شاعرا فطريا ، جميلا ربما، لكن الشاعر يحتاج إلى ثقافة لتكون قصيدته عالية ..
في المشهد الشعري العربي شعراء بلا حصر مفطورون وموهوبون، لكنهم لم يقدموا قصيدة حية ، لأنهم لم يصرفوا وقتهم على القراءة وتثقيف الذات..
القصيدة المثقفة ، أكثر بقاء، شرط أن لا تكون فقط نصا استعراضيا ، ومثل هذا النص نقرأ الكثير في قصائد الكثيرين.
س- جمال نصاری ١- ما الاقرب الى مخيلتك الرؤيوية؟ العمودية أم التفعيلة أم قصيدة النثر.
٢- انتقلت من جغرافية الى جغرافية أخرى. من سورية الطفولة الى السعودية بأمل الاستقرار وصولا الى لبنان كآخر محطة وكونت فيها حياتك الاجتماعية ايضا. أي مكان شكل حضورا لافتا في قصيدتك؟
٣- شاركت في منتديات وجمعيات لبنانية كثيرة لكن جميع هذه الفعاليات هي محلية المستوى ماعدا قدموس. لماذا بقيت الفعاليات في لبنان
محلية ؟ ماهو دور وزارة الثقافة في نشاطكم؟
تحياتي لك وللجهد الذي تبذله في سورية ولبنان - ج- صديقي الرائع جمال نصارى الأقرب إلى مخيلتي وأحاسيسي ونتاجي هو الشعر، والشعر يكمن في كل ماذكرت، وقد يكون خارج كل ما ذكرته أيضا.
أنا دائماً أرى الشعرية خارج الثوب، وخارج اللغة، وهي مرت في بلادنا بمراحل وتطورات، وأثق أن ما وصلنا إليه في التجربة الشعرية المعاصرة، يقبل المزيد من التطوير ، شرط الابتعاد عن الفكر الإلغائي، وقتل الآخر..
وأثق أن القصيدة العمودية لم تكن الشكل الأوحد للشعر حتى في الجاهلية وأزمنة الملعلقات، لكن سلطة أهل العمود أوصلتها وحدها كحالة مفردة للشعر العربي، وتجاهلت البديعيات، وأن كثيرا مما جاء في القرآن قاربَ القصيدة النثرية في محاولات بكر .
أنا لا أقبل تعريف الشعر كما جاء عند الأولين بأنه “تعبير إنسانيّ يتّسم بأنّه كلام موزون ذو تفعيلة مُحدّدة، ويلتزم بوجود القافية”، هذا تعريف مفرط في الغباء، والتطرف.. تعريف أحادي الرؤيا والتسلط، لكن في الوقت ذاته، وحين أتحدث عن الحداثة التي وصل إليها النص الشعري في التفعيلة أو النثر، أجد الكثير من الهفوات.
فالحداثة التي وصلنا اليها في الشعر واللوحة والرواية والمسرح , حداثة منقوصة !
حداثة في النصوص وليست في النفوس والسلوك الانساني . فنحن مازلنا نفكر بعقلية ابن القبيلة ونصعد منبر الشعر وعلى رؤوسنا قبعة لوركا ؟.
ومازلنا مقصوصي الأجنحة وفي رئاتنا تعشش رائحة الخيمة والبيوت الطين ومع ذلك نركب الكاديلاك وننتعل الأحذية الإيطالية !
ومازلنا نطبق المثل الذي يقول ” أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ” ونعلق على جدران بيوتنا اللافتات التي تلقننا العولمة . والغريب بكل بساطة يغتالنا واخوتنا وأبناء عمومتنا !
نحن للأسف استعرنا من الحداثة قشورها ، لم نصنعها نحن ، فكانت دخيلة على آدابنا وفنوننا .
أنا مع الشعر الحداثي لغة وصورة شرط أن يستند الى الأصول ، أن لا يمارس عملية الالغاء وقتل الأب ،وفي الشعر الحديث تجارب هامة ومميزة ولا تختلف عن الشعر حتى اذا خلت من الوزن والقافية . الشرط الأساسي ، أن لا يحاول الحداثيون الوقوف في أعالي أبراجهم والصراخ بحيث لا يسمعهم أحد ، او يسمعهم القريبون من أعاليهم ، أقصد النخب ،وأن لا يبقى الأصوليون في مضارب القبيلة ، لايرون أبعد من الكثبان التي لم تخترقها رؤية زرقاء اليمامة .
إذا لم يكن الشاعر بين الناس ، معهم وعلى الأرض ذاتها يغرس قدميه فلن يصل صوته لأبعد من أذنيه .
أنا مع ان نصنع حداثتنا نحن ، حداثة تشبهنا ، لا تكون محاكاة وتقليدا وارتداء لقمصان فضفاضة على أجسادنا .
مع الشعرية في توهجها وجمرتها اللاهبة وعطرها وضوئها بعيدا عن الشكل والانتماءات الايقاعية. - أنا انتقلت من سورية إلى لبنان، السعودية كانت محطة عابرة بين وطنين .
اعترف أن قصيدتي ولدت في لبنان، كل ما كتبته من قبل على جماله ، كان كلاسيكيا لم يغادر عباءة التبعية للقديم، في الشكل والمضمون، في لبنان تعصرنت قصيدتي، نبت لها جناحان، صارت أكثر حرية ، والشعر معادل للحرية، ما صرت أقوله في شعري ، ما كنت أتجرأ على قوله في سورية، هناك كنا نهرب للتورية ، للرمزية والابهام، للنكوص، هنا صارت القصيدة تشبهني أكثر، لأنني هنا استعدت ذاتي.
ولم أشعر مرة بالغربة هنا، الغربة برأيي ليست مصطلحا يدل على الجغرافيا !
هي قد تكون ولادة ثانية ، وقد تكون المقبرة ..
غربتي في بيروت منحتني مكاسب كثيرة ، شهرة وانتشار ومعارف ، وجعلتني أتقن طريقة ارتداء الملابس الحديثة ، والمشي على كورنيش البحر ، وشرب القهوة الأكسبريسو في شارع الحمرا ، وعلمتني أساليب التملق والديبلوماسية ، و اخذتني من العفوية الى الوقاحة أحيانا ، وسهلت علي الكذب ، أعطتني الغربة كل ذلك ، لمّعتْ مردوك الشامي ، لكنها اخذت مني موفق المختار القروي البسيط الطيب ، الذي كان يبكي اذا اصطاد أحدهم عصفورا في مجاهل افريقيا ، او أوقع شخص ما ، بدب قطبي أبيض في الفخ ببلاد الأسكيمو !
أما غربتي في الصحراء ، فتلك لها بوح يجيء في حينه. - قدموس كان مهرجانا شعريا ، وأردناه منذ لحظة التأسيس أن يكون عربيا، وفعلنا في الدورة الأولى، وسجلنا نجاحا لم نكن نتوقعه، وكنا نحضر لدورة ثانية أكثر تأثيرا وأهمية لولا ظروف العالم، وانتشار كورونا.
أما بالنسبة لملتقى حبر أبيض، فهو وليد لم يمض على وجوده عام ، باشرنا به في لقاءات نقدية على أرض الواقع، ثم توقف بسبب الثورة، ثم بسبب كورونا، فانتقلنا به إلى العالم الافتراضي، وخرجنا به من المحلية إلى العالم العربي وإلى خارجه، والدليل أنك كنت ضيفا رائعا في الملتقى ، وأنت ابن عبادان .
وكان بين ضيوفه شعراء ومبدعون من العراق ، والسعودية ومصر وموريتانيا والمغرب العربي وسورية وخلال المرحلة القادمة سيكون بيننا شعراء من كل مكان وصل إليه الشعر.
أما عن دور وزارة الثقافة في نشاطنا، فأقول لك ، نحن نعمل بجهود خاصة، نعمل كمجموعة من المبدعين لا يرتبطون سوى بالشعر ، ولا نتلقى أي دعم سوى من محبرة البياض، وهذا يبقينا خارج التبعية لأي كان. - س- إبراهيم يوسف : ماذا عن القامشلي مسقط رأس القصيدة الأولى؟
ج- صديقي الشاعر ابراهيم اليوسف ، صديق اليفاعة والبدايات،صديق بيوت الطين والفقر والمعاناة ، والهروب من المخبرين ، سعيد لأنك هنا ، وأعرف أنك مثلي تعيش في أكثر من غربة مفروضة عليك ..
سألتَ عن القامشلي في أكثر من سؤال ، وسأجيب عليها دفعة واحدة ، القامشلي كانت وتبقى مسقط الروح والقصيدة، مسقط المكاغاة، والحبو، والخطوة الأولى وتذوق التراب الذي ربما من مرحلة الطفولة استسغنا مرارته الشهد، فصارت الأرض المسقية من عرق ودم الطيبين ، جزءا لا يتجزأ من النبض والمشتهى والكيان.
في لقاء لي قديم جداً على صفحات إحدى الصحف السورية ، أسميت القامشلي أرملة المدن .. أسميتها الأرملة ، لأنها كانت صورة عن المعاناة ، بلدة فيها كل خيرات الأرض من قمح وقطن وشعير ومياه وبترول، وينام أهلها على جوع.
القامشلي اليوم أشدّ معاناة، وتيها وغربة ، والمدائن صورة شخصية عن أبنائها.. هي جغرافياً لا تزال هناك، لكنها مثلنا تعيش غربتها، مثل أبنائها رحلوا عنها تاركين أحلامهم، ومحبوباتهم، وكتبهم، وأسرّة طفولتهم الأولى، تركوا على جدران بيوتهم الطينية التي كانت سقوفها تدلف شتاء، وعيونها تذرف في كل الفصول دموع اللوعة والحرمان ، على تلك الجدران تركوا خربشاتهم الأولى، وصور الأجداد، وفي مقابر المدينة شواهد تحمل أسماء أمهاتهم وإخوتهم والآباء. - ثمة مكونات كثيرة لقصيدتك يظهرها موشور النقد
بم تحدثنا عنها؟
في معظم شعري قمحٌ وعصافير، سواعد معروقة، وفلاحون، نهرٌ يتيمٌ قتله الأتراك وعلقوا في شرايينه مصل الجشع، أمٌّ تركت جبينها على سجادة الصلاة، وفي عينيها ألف صليب، معجنها تلك الأم حوله فراشات وملائكة وقديسون، أرغفة مغمسة بالقهر ، كانت ولا تزال.. - بين قصيدتك الأولى وقصيدة الآن مسافة من ألم وحلم وأمكنة وإناث
بم تعلق على مثل هذا الكلام؟
تلك المسافة الطريق، أدرك أنها تمتد من المهد الأول للحرف، ولن تنتهي في لحدٍ أجهل أين يكون .
والشعر يا صديقي زيته الحزن، الحزن يجعل منه القنديل فيضيء .
أتذكر قبل أكثر من ثلاثين عاما اقتادوني الى أحد الأقبية لأفسر لهم ماعنيت باحدى قصائدي ، كانوا أسخياء بصمتهم ، الكرباج وحده كان يوجه الأسئلة ، وجروحاتي أجابت على كل ما أرادوه !
وقتها كنت أعتبر القصيدة باقة ورد أحمله الى العالم ، منذ تلك الزيارة القسرية وزيارات تلتها ، أدركت أن القصيدة ليست باقة الورد ، هي عبوة ناسفة ، وسكين ، وشاهدة بالحق على مجتمعات الزور !
في بلادنا يعتبرون الشاعر من فصيلة العصفور ، لهذا يفضلون الاستماع اليه وهو في قفص . ولم أكن أحب الأقفاص , لذلك حملت حقيبة كتبي وأوراقي ، وخطفت حبيبتي وطرنا الى بيروت .
الى قفص أكثر اتساعا ! - ماذا عن الغموض الرمز في قصيدتك؟ الا ترى أن في الوضوح مقتل النص؟
اللغة الشعرية ، هي لغة الإشارة والرمز والتلميح ، ويمكن القول لا شعر من دون لغة رمزية، ولا يمكن أن يُعد الكلام شعرًا إن لم يكن مستفيدًا من إمكانات اللغة بكل ما فيها من مقدرة على التنويع والتلون ،وتغيير الدلالات من خلال فنونها المختلفة،الوضوح والمباشرة ، يضعان القصيدة في السردية والثرثرة ، في البدايات مع الشعر كنت ألجأ للرمزية لكي لا تسقط قصيدتي وأنا معها في فخ التخوين .. الآن الرمز يأخذ منحى مجازيا، يذهب بالصورة واللغة إلى دلالات أكثر اتساعا وتنويرا . - خمسة وأربعون عاما ويزيد من الشعر
الا ترى نتاجك المطبوع أقل من هذه المسافة الإبداعية الطويلة؟
ما لدي من نتاج شعري ، هو أضعاف مانشرت في كتب، وربما لم أعمد كما يفعل آخرون لنشر كتاب كل سنة، وربما كتابا في الشهر، لم يكن يعنيني كثيرا ذلك ، أعرف كثيرين يمتلكون أكثر من 30 مجموعة شعرية ليس في جميعها بيت شعر واحد . - الاترى أن انشغالك بالمنتديات وامسيات الشعر يجعلك شاعرا غيريا أكثر مما هو الشاعر ابن ذاتيته
اعني أنك كرست قصيدتك جسرا. لتعبرها قصائد الآخرين؟
لهذا أنا مردوك الشامي، لهذا أنا ما أنا عليه ، دائما كان يهمني الآخر ، يهمني الشعر ، أكثر من اهتمامي بتسويق نفسي.
منتهى غبطتي أن أفرح بموهبة شعرية جديدة أكون ساهمت في اكتشافها، أن أشعر بالفرح وأنا أراقب فرحة شاعر أو شاعرة قدمت له أو لها فرصة اعتلاء المنبر ، وكان محروما منها وهو يستحق. - شيء آخرهذه الامسيات هي مواجهة أم فرار؟
يا صديقي ليست لا هذا ولا تلك ، هي مسيرة حياة ، سلوك أحبه ، وان أخدم الشعر أيا يكون صاحبه رسالتي. - ماالقصيدة التي لم يكتبها مردوك بعد؟
أظنني تناولت كل شيء . كل شيء ، كتبت للحب والمرأة والوطن والحياة , ولسنوات طويلة رفضت مديح الأشخاص، رؤساء وزعماء ، ورفضت ان يغني من قصائدي صيصان الغناء ، ثم تنازلت ، كتبت لرؤساء وزعماء ودول ، ولصيصان غناء ، وكتاكيت رقص !
نعم تنازلت كثيرا ، خسرت كرامة قصيدتي أمام الرغيف ، وأمام الاغراء المستبد والدائم ، فلم أعد معصوما عن الخطأ والانبطاح ، حتى أنني كنت أقل من شاعر بلاط أحيانا ، فمن كتبت لهم دون مستوى الأمراء والملوك !
عشت في مسيرتي ذرى وسفوحا ومنحدرات ، لم أصل القيعان بعد ، ودائماً أحاول ان أتطهر ، أن أستعيد نفسي ، أجد في كثير من الناس الطيبين ما يبعث على الأمل ، أكتشف أن الحب لا يزال حاضرا ، وان الله غفور رحيم ، فلماذا لا تغفر لي القصيدة ذلك ، لماذا لا يسامحني الشعر ، طالما أنا أعلن تمردي وتوبتي وأطالب باللجوء الإنساني الى البياض الذي ورغم كل المراحل السود ، كان يعيش في داخلي ، ينتظر عودتي ليرفع راياته اللاهبة الى الأعالي .
يا صديقي كتبت كل شيء ، كل شيء، حتى أنني كتبت مرثية لنفسي بعد انقضاء رحلتي على الأرض والرحيل.
(يتبع)
إعداد : تنديار جاموس