أرواحيات (الأرض المُحرّمة : الفايروسات الفكريّة)
محمد صالح صرخوه/شاعر كويتي
أرواحيات (الأرض المُحرّمة : الفايروسات الفكريّة)
١٥ يناير ٢٠١٢ . ٤ص
كنت أشاهد حلقة حوارية على يوتيوب .هاجمت فيها إحدى المشارِكات الزواج المؤقّت بكلمة (مسخرة) . علما بأنها كانت تقدّم نفسها كملحدة طوال الحلقة .
١٦ ديسمبر ٢٠١٣ . ٧.١٥م
كنت أشاهد مسلسلا رمضانيا تدور عقدته حول مجموعة شباب من أسرة واحدة يتزوّجون زيجات ثانية . مما دعى زوجاتهم الأوائل إلى هجرهم الأمر الذي فكّك الأسرة كلّها و تسبب بوفاة والدتهم . نفس الفكرة شاهدتها في مسلسلات سابقة كثيرة .
٩ يونيو ٢٠٢٠ . ٣ص
كنت أشاهد مسلسلا على نتفلكس يتمحور حول شخصية امرأة يرجع بها الزمن إلى مئتي سنة . يقدم المسلسل هذه المرأة بقالب متحررة عقلانية صاحبة مبدأ في زمن مليء بالخرافات يتسّم بالذكورية و العنف ضد المرأة . في هذا المشهد تقرر المرأة هجرة زوجها بسبب ضربه لها . و في مشهد آخر تقوم هي بصفعه و يقوم هو بإرضائها .
٢٠ يوليو ٢٠٢٠م . ٦ص
كنت أشاهد مسلسلا على نتفلكس يتضمن علاقة مثلية بين رجلين . تشاهد خطيبة أحدهما حدثا جنسيا بينهما بالصدفة . فتبدي تقبّلها لذلك من باب حق كل رجل بممارسة حياته الجنسية كما يشاء .
١٧ يونيو ٢٠١٢م . ٥.١٠م
شاهدت تغريدة في تويتر يتمنى صاحبها عودة الاراضي العربية الى السيطرة التركية تحت شعار عودة الخلافة العثمانية .
١٤ أغسطس ٢٠١٦م . ٤ص
شاهدت تغريدة يشيد صاحبها بالقصف الذي يقوم به تحالف عربي على صنعاء و يعتبره حدث صحوة .
٤ أغسطس ٢٠٢٠م . ٢.٢٠م
شاهدت تغريدة على تويتر تبرر الضربة الاسرائيلية على مواقع داخل الأراضي السورية .
٢ فبراير ٢٠٢٠م . ٤ص
شاهدت تغريدة تصف القصف الايراني لقاعدة عين الأسد الأمريكية بالمغامرة . كما تصفها بالعملية الإستعراضية .
تحليل :
الخطوة الأولى :
يستخدم غاسلوا الأدمغة غالبا أداة الضغط الإجتماعي كوسيلة فعّالة لتغيير القناعات و تغيير مواقف أصحابها على أرض الواقع . دون الاضطرار إلى النقاش الفكري المباشر . فتعدد الزيجات بالنسبة للرجل . و الزواج المؤقت مثلا أُخرجا من الإطار المقبول إلى الأرض المحرّمة باستمرار تقديمهما في المواد الإعلامية ذات الدّعم المؤسساتي المشهود بكونهما امتهان للمرأة . في حين قُدّمت المثليّة . و الممارسة الجنسية التعدّدية الآنيّة كالتي تكون بين ثلاثة أطراف . إضافة إلى تلك الجَماعيّة . كلّها كأنماط تابعة لمفهوم الحرّية الفردية . كما يتم تقديم العنف تحت مسمى التنمّر في حال بدر من الرّجل . بيد أنه يُقدَّم كإنفعال عاطفي إذا مارسته المرأة ضد رجل !
تَجري هذه العملية في كافة المواد الإعلامية المُقدّمة . و على مساحة واسعة من العالم الإفتراضي بهدف تهريبها إلى العالم الذّهني كمُسلَّمات عقلية مفروغ منها دون الإضطرار إلى تفحّص الفحوى . فالناس غالبا يتعاملون مع المواد الإعلامية كحالة حقيقية . يبدون اتّجاهها كل ما قد يعتريهم من مشاعر و تفاعل نفسيّ . إذ لا يخرج المسلسل مثلا عن إطار القصة و شخصيات الممثلين دون الالتفات إلى المنظومة القابعة وراء العدسة من مخرج و منفّذ و كاتب سيناريو و منتج و جهة راعية . و من خلال عمليات عقلية تبادلية . يتم تهريب كل الرسائل المضمرة في المسلسل إلى حياة الناس الواقعية . فهو يشاهد بيتا و سيّارة و رجلا ينهض من نومه يتناول وجبة الفطور و بعد ذلك يتّجه إلى مقر عمله . و كلّها عناصر متوفّرة في بيئته الواقعية كما توفّرت في مشاهد المسلسل . فلمَ لا تكون الزوجات الأوائل اللاتي هجرن أزواجهن في المسلسل على صواب ؟! إذن فهؤلاء الرجال ارتكبوا جريمة يستحقون عليها الهجر .. هكذا تجري الأمور ! فمشاهد المثلية تُنتج في جو من الموسيقى العاطفية و الإضاءة ذات الأثر المقبول و اللحظات الجنونية الباعثة لروح المغامرة ! حيث لا يسع المشاهد إلا تقبّل الفكرة أو على أقل تقدير .. تفهّمها . كما تُنتج المشاهد المُجسّدة لمشهد تعدد الزيجات مثلا في جو من الموسيقى الظلامية مرفوقة مع فلاشات من دموع الزوجة الأولى أو الأم أو الإبنة مع دعوات بالويل و العويل في جو كئيب لا يرغب المرء بنقله إلى داخل بيئته !
كلّ هذه الانقلابات النّفسية جرت على هذا الشكل دون الاضطرار لقطع الطريق الشّاقة في تغيير عقول الناس أي طريق البحث و الحوار ! بما في ذلك تلك التي تقود العامة إلى موقف مضاد اتجاه فئة ما . فكل أفعال إسرائيل مبرّرة . و أفعال غيرها مغامرة حتى لو حدثت بنفس العناصر و الدواعي . لنتحصّل اليوم على أداة جديدة لتصنيف المباحات و المحرمات . أقصر طريقا من المنطق و المناهج العقلية و أقلّ جهدا ليُصبح ما يجوز و ما لا يجوز منوطاً بما يعنيه المُخرج في كلمة (أكشن) !
الخطوة الثانية :
يتداول المتعرضون لهذا الغسيل الدماغي أفكارهم في تجمعاتهم . تحت قالب الحديث عن المادة الإعلامية المشترَكة كأحداث المسلسل مثلا . و تدور هذه الأحاديث حول انطباعاتهم الناتجة عن أحداث المسلسل دون وعي بأن الانفجار الانطباعي هذا تجاوز حدود مشاهد المسلسل ليغطي قارّة الأفكار المضمرة في المشهد كفكرة العنف ضد المرأة و فكرة تعدد الزيجات التي تم ربطها بمفهوم (الخيانة الزوجية) و فكرة قوة اسرائيل مقابل ديكتاتورية الدول المضادة لها ! دون وجود بديل مقابل يعرض وجهة النظر المقابلة لهذه الوجهة . فما يردّده الناس اليوم حول شخصية هتلر مثلا و حول ألمانيا النّازية هو ذاته ما تم تهريبه لهم من خلال مجموعة السينمائيات و الوثائقيات التي تناولت هتلر و النازية من وجهة النّظر الرأسمالية الأمريكية تزامناً مع منع ظهور وجهة النّظر الأخرى بعملية قمعية واضحة اتّخذت لباساً تشريعياً يحارب الأفكار المعزّزة للعنصرية . و ما غاب عن عين المتعرّض للإعلام الموجّه هو أن المنظومة الأخلاقية للأمم المتحدة مثلا ترى في هتلر عنصريّةً مُجرَّمة ضد السّامية . في حين أنّها لا ترى عنصريّة اليهود (السّاميين) اتّجاه الآخرين بنفس العين !
و بعد تداول المتعرضين للغسيل الدماغي كل تلك المضامين المُهرَّبة بين بعضهم يكون غَسلة الأدمغة قد استنسخوا أنفسهم بأعداد مضاعفة . فما كان يؤمن به أحدهم بات يؤمن به ألف . و ما آمن به هذا الألف سيتم تهريبه لمئة ألف .. تماما على طريقة الفايروسات !