حتما ستجد مبررا واحدا…بقلم الشاعر اليمني حسين مقبل
حتمًا
ستجد مُبرِرًا واحدا … واحد على الأقل
للهروب من كلِ شيء .
من الحياة ،
ومن أوزارها الخشنة ،
من المهام اللعينة
و الجسيمة الموكلة إليك ،
من الطلبات الضرورية
و التي لا تتوقف،
من الهموم ،
ومن كل ما يلحق ذلك من متاعب،
لكنك وللأسف
لا تستطيع إجاد مبررًا واحد… ،
ولا أدنى من ذلك
للهروب من كمية الموت التي تحيط بك ،
من حزن الأصدقاء ،
وهلع الأقارب ،
من دموع الأحبة ،
من عيون الصغار الحزينة
وأرواحهم التائهة ،
من عقولهم الصغيرة الشاردة ،
و من تطلعاتهم الضائعة في متاهات الدروب المغلقة .
لن تستطيع الهروب من دقات قلوب اليتامى الواهنة ،
من حشرجات الأرامل ،
من عويل الثكالى ،
و من آنين المنازل الفارغة الموجوعة الزاخرة بالوحشة …
لن تستطيع الهروب
من أصوات المقابر القاعية ،
اللاهثة،
المستغيثة ،
المثقلة بالهياكل المتكدسة،
ومن المُدن التي أصبحت سُرادِقات عملاقة
حتمًا لن تستطيع الهروب .
☆☆☆
الموت في كل مكان
في كل مكان من جغرافية هذه الرقعة التعيسة ،
و البائسة .
الرقعة التي حملت تهمة السعادة طيلة حياتها
ولم تبلغاها ( السعيدة)
كل شيءٍ هناك ينجب الموت،
الموت الذي يتناسل
ويتكاثر بشكلٍ غريب .
كل شيء هناك يجلب معه الموت :
الرياح
الشمس
الغبار
الدخان
الضوء
الظلام
الحرب
…
….
و السِلام …
الأوبئة والأمراض ،
حتى المطر .
نعم المطر
ففي قاموس حياتنا التعيس
يعد سببًا من أسباب الموت .
الموت هناك
هناك في وطننا
أغزر من أي شيء آخر ،
وهذا الشيء الأخر إن وجد
سيكون أحد أسباب الموت
لا محالة!
“الموت أكثر من الأوكسجين “
بنبرة حزينة مبحوحة خافتة كأنها الموت
قال هذه الجملة طفل لم يتعرف على الحياة بعد ،
ولا يعي ماهيتها .
قالها وهو يصرخ بعد موت كل أهله تقريباً …
هذه الجملة التي لا زالت تموج في مخيلتي
هي الترجمة الحرفية لما يحدث ،
هي المُلخص الكامل لكل شيء
قالها وشرح من خلالها واقع مرير يحكمه الموت .
بشكل غير مرئي
وبطريقة مجازية بليغة، وبالغة قال كل شيء.