قراءة الشاعرة حكمت حسن بين سطور ” الذات عينها كآخر” لبول ريكور
الكتاب:الذات عينها كآخر
المؤلف: بول ريكور
التصنيف: فلسفة
الاصدار : مركز دراسات الوحدة العربية
ترجمة : د. جورج زيناتي
أنا –أنت (إرادة- عيش- معا)
إن هبة الغير هي هبة حقيقية
يفتتح الفيلسوف( بول ريكور )كتابه بالحديث عن القصيدة التي تصبح لها حياتها الخاصة بغض النظر عن( أنا ) الشاعر وعن( أنا )القارىء ، بل إن النص يشكل عالما مستقلا هو بتعبير ريكور : (شيء النص) ص٤٤.
حمل (ريكور) الذات وجال فيها لدى المؤرخين وعلماء’الاجتماع والألسنيين وأنصار البنيوية والتحليل النفسي، وفلسفة اللغة التحليلية، وتوقف عند الفلسفة السياسية.وهي في جولتها هذه رفعت الأنا إلى مستوى كينونة واحتضنت المعنى الأخير للوجود. ص:٤٥
تماشيا مع هذا الإطار أسس( ريكور ‘)مفهوم التماسف، وبه يكشف المرجعية الأخيرة التي يحيلنا أي نص إليها فيختزن جزءا من التجربة الانسانيةص:٤٧. وقد تبنى( هابرماس) هذا المفهوم بتطبيقه له على الحدث السياسي، هنا يصبح التماسف شرط الموقف النقدي .وإلا فانها ستعرض نفسهاالى ان تصبح فلسفة محافظة جديدة.ص:٤٨
يتحدث( سترواسن) في كتابه : الأفراد، عن الخواص الأساسية والتي هي الأجساد، لأنها تفي بمعايير تحديد المكان في الترسيم الكلي الفضائي الزماني الوحيد . ويصبح الأفهوم البدائي الأولي : إن الأجساد وبحكم رفعتها قابلة لتحديد هويتها وإعادة تحديد هويتها على أنها هي عينها.
ص:١٢٧،وبالتالي فإنه ليس هناك من وعي محض من البداية، ليس هناك من أنا وحدها عند الانطلاق ، إن النسبة إلى الآخر بدائية أصلية بقدر النسبة إلى الذات عينها ، إني لا أستطيع التكلم على أفكاري بطريقة لها دلالتها إذا لم إكن أستطيع ، في الوقت عينه ، أن أنسبها افتراضيا إلى شخص آخر.
ص:١٢٨، ونحن لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من التفكير أن نتساءل إن كان التعبير-تجاربي – يتساوى مع التعبير- تجارب أحدهم-.
ص: ١٢٩، وللتوضيح نعطي مثالا: أن ينسب المرء إلى ذاته كحالة وعي يعني أنه شعر وأحس بها، في حين أن نسبتها إلى الآخر تعني أنه لاحظها. هنا حالة الوعي تسند إلى الذات عينها حسب ( ستراوسن)
وأطرح أسئلتي : كيف يمكن لأي انسان الدخول إلى حالات وعيه، وهل الدخول إرادي وواع؟ وهل الكتابة إسناد وعيي إلى ذات أخرى ؟ أم أنها تفريغ ل ذاتي بقصد بقاء ذات الآخر وبالتالي أحافظ على إمكانية إعادة وعيي لذاتي حين ألاحظ ذات الآخر؟
ص: ١٥٣ ، وللإجابة على هذا السؤال :في أي يوم نحن؟ الجواب يتطلب ان نعطي تاريخا، أي ان نجعل الحاضر الحي يتطابق مع أحد أيام الروزنامة. الآن المؤرخة هي المعنى الكامل للتعبير الإشاري الآن.
والحال كذلك مع هنا: إنها تتعارض مع هناك لأنها المكان الذي أقف فيه جسديا …إن تكلمنا بشكل مطلق فإن هنا بما هي المكان الذي أوجد فيه هي النقطة الصفر، وبالنسبة لهذه النقطة تصبح كل الأماكن قريبة أو بعيدة . وبهذا المعنى هنا ليست في أي مكان .
سؤالي : هل يمكن أن يكون ال (هنا )غير موجود إلا بما يولده تلفظي به من خصائص تحدد جغرافيتي بالنسبة إلى أي آخر؟
ص :١٥٤ ، الآن وهنا يمكننا ان نرجع إلى المشيرين: (أنا-أنت) والأمر بمجمله يتعلق بفعل التسجيل( من يختار الاسم ليس صاحبه بل الوالدان) وبهذا المعنى أن الاسم هو فعل تسجيل.فما ندعوه شهادة ميلاد لشخص يحتوي على تسجيلات ثلاثة: اسم علم بحسب القواعد التسجيل، وتاريخ يتماشى مع قواعد التاريخ التقويمي ، ومكان ولادة يتماشى مع قواعد تحديد المكان.
وهنا يصبح الولاء للجسد مزدوجا ، بين الجسد الخاص نفسه ، وبنيته التي هي مزيج( انا-فلان) فالجسد يشكل جزءا من تجربة العالم، وبما هو خاصتي جسدي فإنه يشارك في وضع الأنا بما هي نقطة المرجع القصوى للعالم.
ص :٣٢٦، إن ولادتي وبالتالي فعل الحبل بي ينتميان إلى تاريخ الآخرين ، إلى والديّ أكثر مما لي أنا. أما بالنسبة إلى موتي فإنه لن يكون نهاية مروية إلا في سرد أولئك الذين سيعمرون بعدي. أنا دوما نحو موتي، وهذا ما يمنعني من أن أدركه كنهاية سردية. هذا الحس بالخاتمة يشدد عليه كثيرا( كيرمود)
ص :٣٦١، بأي شرط إن الآخر ليس مجرد نسخة جديدة عني، أنا أخرى، أنا ثانيةولكنه بالفعل شخص غيري؟ بهذا الصدد فإن التفكرية التي ينبثق منها تقدير الذات تظل مجردة ، بمعنى انها تجهل الاختلاف بين الأنا والأنت .ولم الذات تحتاج إلى تقدير؟ يقول (ريكور ) ليس بسبب انجازتها بل بسبب قدراتها.
ويستعين ريكور في ص: ٣٦٢ ، بمفهومي القدرة والتنفيذ، أي بمفهومي القوة والفعل كي نفسح المجال أمام النقص، وبواسطة هذا النقص يجد الآخر مكانا له. وهنا السؤال القديم: هل تبلغ الأنا كمالها؟ وفي بلوغها تنتفي الحاجة الى الآخر؟ يقول ريكور ان الانسان السعيد يحتاج الى الآخر؟ وأسأل :لم على النقص أن يملأ بغيري انا؟ ألم يحن الأوان لقلب الإدراك السابق للأنا وإحلال إدراكات جديدة مكانه؟!
أرسطو ص:٢٣٠، يظهر بتحليله للصداقة أن النقص يسكن قلب الصداقة الأصلب ، ويقول ان الحاجة لا تتوقف فقط على ما في الى العيش-معا ، لكن كذلك على النقص المتأتي من علاقة الذات عينها بوجودها الخاص بها.
(هيغل )في فينومينولوجيا الروح: ان الصراع الحالي هو الصراع المعاصر لازوداجية الوعي وعيين مختلفين للذات ص ٢٧١
وأسأل: هل الذات واحدة متكاملة أم هي عددية؟ وفي حال أنها ذاتات متلاحقة هل هذا يشرّع لوعيين او لتتابع وعي مما يجيز للوعي أن يتبع حركة الذات المتلاحقة في تأكيد كل ذات منها على حدة؟
وفي تحليل الصداقة ، يقول( ريكور ) ان الذات مطالبة بالمسؤولية من قبل الآخر، وبالتالي فانها تكون بصيغة المفعول به لا الفاعل. ص:٣٧٤ ، بهذا الصدد فإن قابلية الانعكاس في اعتماد الضمائر المنفصلة يعد مثلا لا يجارى، فحين أقول أنت إلى آخر فأنه يفهم أنا بالنسبة إليه.ص: ٣٨٠،
وهنا نتحدث عن أشكال اللامساواة الأولية للعلاقة بين الذات عينها والآخر، مثل هذا التبادل يخولنا حسب المؤلف بأن نقول بأني لا أستطيع أن أقدر نفسي من دون أن أقدر الآخر مثلي أنا نفسي تماما ص:.٣٨١. وهكذا يصبح متساويا بشكل أساسي تقدير الآخر كالذات عينها ، وتقدير الذات عينها كآخر .
ويأتي (ريكور )بمعادلة يقول انه يجازف فيها: ان حب الذات هو تقدير الذات وقد حرفه وأفسده ما سنطلق عليه لتونا اسم النزوع نحو الشر، والاحترام هو تقدير الذات وقد مر في غربال المعيار الكلي الكوني والمقيد ، اي تقدير الذات تحت نظام القانون . ص:٤١٧،ويعتبر كذلك ان العنف يوازي انقاص او تدمير السلطة على العمل( المقدرة على الممارسة) التي يتمتع بها الغير…ان ما ندعوه اذلالا -وهو صورة كاريكاتورية مخيفة للتواضع- ليس بشيء آخر غير تحطيم احترام الذات ص: ٤٢٥.وبهذا المنطلق طور ( كانط) الصيغة العامة للأمر: إفعل فقط بحيث تكون مسلمة إرادتك صالحة دوما وفي نفس الوقت كمبدأ لقانون كوني عام. ص:٤٢٨،
أليس الخوف يشمل كل مقاربة لأي موضوع؟: إن المأساوي يقاوم إعادة كاملة للخطاب الأخلاقي والأخلاقي الواجبي ، لأن الخوف يصبح عندها في أن تقع الفلسفة في تجربة معاملة المأساة كما لو أنها مقلع حجارة تستغله كيفما شاءت ، فتأخذ’منه الكتل الأجمل وتعيد تقطيعها على هواها السيد المطلق.
ص :٥٠٤، كيف يمكننا ان نتهرب من هذه النواة المزدوجة للثبات مع الذات؟ (غبريال مارسيل) ، كل التزام هو رد، إني أريد أن أكون أمينا مع الآخر. غبريال يطلق على هذه الأمانة الاسم الجميل الجهوزية.
ص :٥٢٧،( هابرماس): كيف يمكن مبدأ التعميم الكلي الكوني ، وهو الوحيد القادر على جعل التفاهم المشترك بفضل المحاججة ممكنا ، ان يكون هو نفسه مؤسسا على العقل؟
ص:٥٤٣، وقد مر التفكير حول من؟ بالتحليل ماذا-لماذا-كيف؟ ؛ التوافق والتباعد بين الهوية عينه والهوية الذاتية، الديالكتيك بين الذات والآخر غير الذات.
ص:٥٥١ ، ان المحافظة على الذات ، بعد أن تموضعت هكذا بصورة سلسلة تربط كل أعمالنا خارج نفوسنا ، تأخذ هيئة قدر تجعل من الذات الكبرى عدوا للذات عينها ( لذاتنا)
ص :٥٥٢ ، وهنا يعود المؤلف الى التعبير الغالي ل هيغل: الاعتراف: إن التبادلية في الصداقة ، والمساواة التناسبية في العدالة ، حين تنعكسان في ضمير الذات عينها ووعيها تجعلان من تقدير الذات نفسه صورة من صور الاعتراف .
نصل إلى متلازمة جسد-جسم ص :٥٩٨ ،ان الجسد هو اكثر شيء خاص بي منذ الأصل واستعداده للاحساس يتجلى بامتياز الملمس كما عند ( مين دي بيران) وهي إشكالية وجود-مقاومة . الجسد يقول ريكور هو المادة الهيولى التي تتجاوب مع كل ما يمكن أن نسميه هيولى في كل غرض نلمحه أو نتصوره .ص:٥٩٩. ويقول (هوسرل): لا بد لنا من أن نعولم الجسد كي يظهر كجسم من بين الأجسام ، ذلك أن جسدي لا يظهر كجسم من بين الأجسام ألا بقدر ما أنا نفسي آخر بين كل الآخرين . وهنا المفارقة تقودنا إلى السؤال: كيف نفهم أن يكون جسدي هو كذلك جسم؟ ص:٦٠٢،ويكون( هوسرل) قد فتح الطريق الى هذه الاشكالية قبل( هايدغر) حين وضع البنية الحاوية -للوجود-في -العالم بدل مشكلة تكوين العالم في الوعي وعن طريقه. وهذا يعني بتبسيط خاص من المترجم: انه ليس لي من جسم خاص بي ولا من طبيعة تخصني وحدي قبل المرور بالآخر الغريب عني . ويكون بذلك( هايدغر) قد أعطى كل زخم التعبير : الذات عينها كآخر ، كل قوته.ص٦٠٤
في كلام (ريكور) عن غيرية الغير او آخرية الآخر يقول : ليس هناك تحليل من تحليلاتنا إلا وكانت فيه هذه السلبية النوعية للذات المتأثرة بالآخر غير الذات . هنا سأقلب المعادلة لأقول : إن تأثر الذات بذات الآخر غير الغيريته هي أيجابية بكل دلالتها وذلك يتوقف على إرادتي انا كذات في ارتباطها مع ذات الآخر المؤثرة بي والمتأثرة في آن معا . هذا الاسناد لأفعالي متشابك بالاسناد الحميم للعمل مع الذات عينها .ص:٦٠٧ ، ويكمل( ريكور): ان هذا التبادل بين الذات المتأثرة والآخر المؤثر هو الذي يحكم على الصعيد السردي تماهي قارىء القصة بالأدوار التي تقوم بها شخصيات مكتوبة بضمائر الغائب ، وهنا يستعمل ريكور مصطلح التطهير. وبهذا المعنى تغني الصداقة عن العدالة ويعود ريكور الى القاعدة الذهبية للانجيل : (الخير الذي تريد ان يصنع لك والشر الذي تكره ان يصنع لك)
ويعطي هنا( هوسرل ) تعبير التقدمة : اي تحويل إدراك حسي خارج من جسدي ، مركزه جسم الآخر . حقيقة الأمر فأن أدراك الجسم الذي هناك كجسد هو التقدمة بعينها. ص:٦١٤ ،بمعنى ثان ( تشكيل زوج) بتوليفة الأكثر بدائية ، والإقران لن يستطيع ان يجعلنا ان نعبر الحاجز الذي يفصل التقدمة عن الحدس ، بل يمزج بطريقة فريدة التشابه وعدم التساوي. ص:٦١٥، واكتشاف( هوسرل ) الايجابي هنا يأتي بكل ثماره حين يكون منسجما مع الحركة الآتية من الآخر نحوي . مثلي تعني( مثلي أنا الآخر يفكر ويريد ويستمتع ويتألم) ٦١٦ وتلتقي هنا تحليلات( هوسرل) مع (امانويل ليفيناس)
ويختم( ريكور ): إن على الفيلسوف أن يعترف أن هذا الآخر ، مصدر الأمر، هو غير أستطيع أن أتأمل وجهه، او هو يستطيع أن يحدق في وجهي ، أم هو أجدادي الذين لا أملك عنهم أي تصور ، ودَيني نحوهم مكون ألى حد بعيد لذاتي عينها ، أم هو الله-الله الحي-الله الغائب -أم هو مكان فارغ؟!.
وأختم خارج ذلك كله ما هو شكل الذات المتبقية؟ وكيف يتكون مجال التفاعل داخلها بمعزل عن كل تدخل ممكن فيها او عبرها ، هل هو ذات مني مؤثرة في ذات آخر ؟ وبالتالي أنا -أنت تشكل سلسلة متراصة من الذوات؟ ألا يعقل أن وجودي( أنا) يتوسط آخر -ذات وذات- آخر؟
حكمت حسن / شاعرة و ناقدة