بلون الحب (قراءة في بيتين للشاعر مردوك الشامي)بقلم د. جوزيف ياغي جميِّل
بلون الحب
(قراءة في بيتين للشاعر مردوك الشامي)
كلمات بيضاء 1
أجالسُ تفاحةً طوالَ الليل
أنتظرُ خروجَ الأفعى…
مردوك الشامي
كلمات,لا تشبه الكلمات. صمت مطلق وانتظار احتضار.
كلمات بيضاء. والبياض ليس دائما رمز الفرح أو السكون.
كلمات بلون الحبر. والحبر أبيض في محيط من السواد.
ما أضيق الحبر حين يصبح بلون القلب. والقلب أسود تغامر فيه الألوان.
من بال إن الحبر المدجج بالسواد هو الطبيعي، تقرع له الأجراس، فر الساحات، وفي الكتب العتيقة كخمرة أبي نؤاس؟
كلمات بيضاء كالكذبة البيضاء، كالماء، تأخذ قيمتها من المكان الذي تسكن فيه ولا تعرف السكون.
في بعض الحضارات الشرقية اللون الأبيض هو لون الحداد. فهل تكون كلمات الشاعر مردوك الشامي مصبوغة بالحداد، في عالم أسود الصفحات؟
وحين لا يكون الحبر أبيض أتكون الكلمات بلون المحو، لا بلون الكتابة؟
يقول بعض الباحثين في مجال الكتابة إن بعض الخطوط المكتوبة بنوع من الحبر، أظنه المصنوع من مرارة السلحفاة،لا يرى إلا في الليل. وبعض الأحبار(المصنوع من ماء البصل) لا يرى إلا حين يوضع فوق النار.
فهل تكون كلمات الشامي البيضاء، كنور الشمعة يصبح أكثر إشراقا كلما اشتد الظلام؟
وماذا تقول كلمات الشامي البيضاء؟
يتحدث الشامي في مستهل قصيدته عن التفاحة والحية. التفاحة، تلك الثمرة المحرمة التي أغوت بها الحية حواء، كي ترتكب أول معصية في الوجود.
التفاحة والحية ثنائية الإغواء. ولكن من قال إن حواء كانت تحتاج إلى حية، كي تكتشف لذة تفاحة عذبة المنظر والمذاق؟
تفاحة في الليل كلمة بيضاء، حبر إغواء في سواد ليل يصلح مرتعا لإرواء شهوة، إثر لقاء.
أجالس+تفاحة+طوال الليل. العمل الجرمي مقصود يقوده فعل مشاركة :جالس، أي فاعل. وفي المجالسة حوار وارتقاب شهوة، بل نور، في ليل قلب واسع الانتشار. النور هو التفاحة/الرغبة/الكلمة البيضاء التي ستحول آدم وحواء إلى مساويين لله. والليل هو الظلام/الضجر/سواد الصفحات الذي سيكشف ، عبر ضديته، بياض الرغبة وإمكانية التحول من مخلوق إلى خالق.
الليل هو الجهل والتفاحة هي بياض المعرفة الكلية، معرفة الخير والشر القادرة على محو ظلام طال. ألعل النور الذي خلقه الله، في اليوم الأول، لم يكن كافيا لجدينا الأولين، كي يخرجا من ظلام ليلهما الطويل؟
آدم وحواء والشجرة ثالثهما فهل سيتركان الحبر الأبيض يبتلعه ليل السواد؟
والأفعى؟ أتكون هي النور للخروج من ليل السأم والانتظار؟
أنتظر خروج الأفعى. والخروج في اللغة قد يعني التمرد والثورة. التمرد على الله وعلى الليل/السواد، في سبيل حبر /حب أبيض بلون الاشتهاء والإرواء. ولا ارتواء إلا بالتزاوج بين بياض الرغبة وسواد الحرمان.
في قصيدة الشاعر مردوك الشامي التي اجتزأنا منها هذين السطرين، بحث عن لغة حضارية جديدة، لغة ترفض رسم صورة آدم المغلوب على أمره بسبب اثنتين:حواء والأفعى. فآدم هو المبادر، وهو الذي راقت له التفاحة فجالسها، ونادمها لأنها، هي نفسها، حواؤه المصطفاة. حواء التي كانت بجانبه ثمرة مغلقة على شهوة جنسية لم يكن يدرك عمقها، قبل خروج الأفعى، رغبته المكبوتة، من وكر الحرية الإنسانية التي لا يستطيع أحد وأدها.
التفاحة، شجرة المعرفة، هي نفسها القصيدة التي جالسها الشاعر في ليل معاناته الطويل، قبل أن تخرج أفعى إلهامه وتعلن ثورتها على ظلمات القمع والكبت والحرمان. قصيدة ترفض البقاء أسيرة السواد والليل.
بين المجالسة/ الخضوع وانتظار الخروج/الثورة حرف/حبر أبيض بلون الغد الذي يكشفه الشعر فقط للراسخين في العلم، ولأصحاب الموهبة التي تدمّر سواد الصمت بكلمات بيضاء من وادي عبقر الجنون والأحلام.
مردوك الشامي، أيها الآدم الثائر على سواد الموت، في سبيل بياض الحب/الحبر/ الشعر، خروجك ليس خروج أفعى، بل إشراقة نور أنهى ليل انتظارك/نا الطويل، وفتح في قلوبنا بابا للحرية والخلق على مصراعيه، فصرع الظلام، وأضاء مشعلا بروميثيوسي الهوى والهمسات.
د. جوزاف ياغي الجميل