منتديات

بعد الانهيار الإقتصادي وازمة كورونا : تجنّبوا القلق والتّوتّر …..لأنّهما دمار للأجساد والعُقول

من منّا لا يعرف أنّ معظم أبناء الشّعب الّلبناني يُعانون اليوم من حالات شائعة جدًّا دائمًا تقريبًا أو مُتكرّرة من التّوتر والقلق والغضب والانفعالات الشّديدة الّتي نُلاحظها بسرعة، لمجرّد سيرنا في شوارع بيروت أو أيّ مدينة أو منطقه لبنانيّة أخرى، أو من خلال حياتنا اليوميّة العاديّة في في الأسواق أو المدارس والجامعات، أو في أيّة دائرة رسميّة من دوائر دولتنا الكريمة، أو عند المرض أو عند حاجتنا لدخول المستشفى أو أو … حيث يشعر المواطن بأنّ قيمته أو كرامته انحدرت إلى أدنى المستويات، خاصّة وداسها الجميع وانتهكوها في هذا الزّمن الرّديء.
ودون الدّخول في الأسباب التّفصيليّة الكامنة وراء ذلك، والّتي كان من أخطرها تخبّط حكّامنا الحمقى، ومنذ أكثر من ٣٥ سنة في سياساتٍ اقتصادية خطيرة، وفي إمعانهم في سياسات التسلّط والإذلال والاستزلام، ونهب مقدّرات البلاد والعباد، دون أيّ أفق حقيقيّ للتّغيير في المدى المنظور، وحتّى إشعارٍ آخر، لأنّ كلّ طُرق التّغيير الجذريّ موصدة، وقد صدئت الأقفال ورُميت في الوديان العميقة ولم يعد علينا سوى الانتظار.

كلّ ذلك، وكما نعلم، يتسبّب بضررٍ كبير على مُعظم أعضاء الجسم، وفي مقدّمتها القلب والشّرايين. وقد أعلنت الجمعيّه الأمريكيّة لأمراض القلب والشّرايين أنّ التّوتّر والقلق قد يكونان مُسبّبين أو مُساهمان أساسيّين في ظُهور حوالى 60% من بعض الأمراض.

لذلك وجدت اليوم أنّه من الضّروري توعية كلّ الأصدقاء والمواطنين الّلبنانيين، لأهمّيّة التّخفيف من ظاهرة القلق والسعي لتجنّب هذه الظاهره الخطيرة بكلّ الطُرق المُتاحة.
فالقلق يتسبّب أوّلا ” بالصُّداع والّدوخة.
ونوبات الغضب المُتكرّرة والحساسيّة المُفرطة تجاه الآخرين قد تورّط بعض الأشخاص بارتكاب الجرائم في حال عدم قدرتهم على كبح انفعالاتهم المُفرطة. وقد سمعنا وشاهدنا جميعًا الكثير من أخبار هكذا جرائم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، أو على شاشات الّتلفزة أو عبر الإذاعة أو على صفحات الجرائد الّتي تسير بمعظمها في لبنان، نحو الاندثار لأسباب مُتعدّدة لن أدخل الآن في تفاصيلها.

كذلك يتسبّب الّتوتّر في ارتفاع الضّغط الشّرياني بشكلٍ مفاجئٍ، وفي زيادة ضربات القلب. وهذا هو الأخطر وهو ما قد يؤدّي أحيانا ًإلى اضطربات
خطيرة في كهرباء القلب، تتراوح بين الاضطرابات الخفيفة إلى الأخرى الّتي قد تكون مُميتة في حال لم يتمّ عِلاجها، وأهمّها عارضا الإصابة بسرعةٍ قصوى في ضربات القلب مع توقّفه عن العمل بسبب التّسرّع، أو الرّجفان البطيني مروراً بأعراض أُخرى متوسّطة الخطورة.
كما يؤدّي القلق الدّائم إلى زيادة نسبة الإصابة بمرض تصلُّب الشّرايين والجلطات الدّماغيّة، وارتفاع الضّغط الشّرياني والسُّكّريّ بسبب إفرازات مُزمنة لعدد من الهرمونات الخطيرة، ومن أهمّها الأدرينالين والنّور-ادرينالين،
(Catecholamines) وهي هرمونات تؤدّي إلى ارتفاع الضّغط الشرياني وتسرّع ضربات القلب، وتشنّج الشّرايين وانسدادها المفاجئ أحياناً، وإلى خلل في ميزان الحاجة، والطّلب من الأوكسيجين والعناصر الغذائيّة الضّروريّة الأخرى للقلب وغيره من الأعضاء، وإلى خلل في عمليات استقلاب السّكّر والدّهنيّات في الدّم أيضاً، وكلّها عوامل يعرف الجميع من أطبّاء وعامّة خطورتها على معظم وظائف الجسم.

هذا بالإضافة إلى تسبّب القلق والتّوتر في مشاكل كثيرة في الجهاز الهضميّ، منها عُسر الهضم، قرحة المعدة والاثني عشر، توتّر الكولون وآلام مُتكرّرة ومُتنوّعة في البطن. كذلك فهو يتسبّب في زيادة الوزن والبدانة، بسبب قِلّة الحركة وزيادة الشّهيّة، والّلجوء إلى نظام صحّيّ غير طبيعيّ، والأكل العشوائيّ كردّة فِعل على الانفعالات والشّعور بالغضب . كذلك يؤدّي القلق إلى انخفاض الرّغبة الجنسيّة وفي الانتصاب، ومشاكل في نوعيّة السّائل المنويّ، وانخفاض نسبة الخصوبة عند الرّجل، وإلى أعراض مُماثلة عند النّساء.
كل ما ذكرناه آنفا، يُؤدّي إلى هبوط مستوى الطّاقه الجسديّة والذّهنيّة والشّعور الدّائم بالإرهاق وعدم القُدرة على التّركيز. إضافة إلى قلّة النّوم ، وخلل في عمل جهاز المناعة ، ومن ثمّ تدهور حالة مرضى الرّبو وتبدُّلات كبيرة في المشاعر تجاه الآخرين. ممّا ينتج عنه في النّهاية التّوجّه نحو عاداتٍ سلوكيّة غير سليمة وخطيرة، مثل زيادة استهلاك الكحول والتّدخين، واستعمال المُخدّرات وزيادة حالات الانتحار، وهذا ما يزيد بشكل كبير كبير من مخاطر هذه الظّاهرة.

كانت هذه بعض المعلومات المُختصرة جدّاً عن مخاطر القلق والتّوتّر، وسوف أوافيكم لاحقاً إن شاء الله بالأسباب البيولوجيّة الكامِنة وراء كلّ هذه التّفاعُلات الّتي تُهدّد صحّتنا جميعاً.
د طلال حمود : طبيب قلب تدخًّلي – رئيس جمعية عطاء بلا حدود وملتقى حوار وعطاء بلا حدود-

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى