المتاهة …/ أدب/ الكاتبةمريم كريّم

المتاهة …
لا يزال جلدها محافظًا على طراوته الأولى، تسوح على بساطه مسامٌ اختزنت في داخلها رذاذ الذِّكريات العتيقة، وبعض روائح الدَّار وهي تفرد صدرها لضحكاتهم في لعبة الاختباء. جلدٌ طفوليٌّ ليِّنٌ، جدرانه سهلة الاختراق! يقبع خلفها كائنٌ رازخٌ تحت أعباء المتاهة! وأيَّة متاهة؟ أجل، إنك أمام طفلةٍ في وسطها كونٌ يطير، وصولاتٌ وجولاتٌ لساع بريدٍ قادمٍ من كهفٍ قصيٍّ يعجُّ بالتَّاريخ، تراه مضمِّنًا مراسيله خيوطًا عنكبوتيَّةً بأرجلٍ ولسان، تسير ناحها لتلتصق بجدار روحها عابرةً حدود الجلد، ناصبةً خيامها في معاقل التَّفكير، طارحةً سلسلةً من استفهامات بألوان مغرية، تحتِّم على عليها غضَّ النَّظر عن كلِّ شيءٍ إلَّاها! مراسيل تحملها على إبصار العالم بعين الانبهار من جديد! لتعود للعبة الاختباء، نازعةً ثوب سنيِّها المكدَّسة، شاطبةً كذبة الميلاد، ومزحة الجغرافيا، وأصناف الملذَّات وأنواع البهارات وغيرها، باحثةً عن فريستها المختبئة خلف متاريس الخيوط! لمَ وكيف وأيَّان؟! هل وبمَ وما؟! ولعلَّ وربَّما؟! يبدو وعلى ما أعتقد! لا يقينيَّات، أجل.. فقط مدٌّ من موجٍ هستيريٍّ دون بدايةٍ وختام، وعلامة استفهام بغير قوسين يحجِّمان مداها، تقابلها طفلتنا بعينين غارقتين في لجَّة الذُّهول، وكمشاتٍ من هواءٍ تكبُّه في رئتين صغيرتين. يصيح ساعي البريد قائلًا: لا وجود لحصىً ثابتةٍ تحت قدميكِ! إنَّها المتاهة يا طفلتي! إنَّها ذاك الوحل المائع الذي ما انفكَّ يرقص تحت قدميكِ! إنَّها ذاك الكون التِّاته فيك، وجودكِ وعدمكِ! إنَّها قابيلك وهابيلك، إلهك وشيطانك، فردوسك وجحيمك! إنَّها ليلك ونهارك، ولادكِ وموتكِ! إنَّها، وبكلِّ بساطةٍ، أنتِ يا صغيرتي!