منتديات

الدكتور علي “حَسَن” المُقاوِمُ العَنيدُ السَّاخِرُ

الدكتور وجيه فانوس

رئيس ندوة العمل الوطني

الدكتور علي حسن


ألقيت في الأمسية التأبينية التي أقيمت في “دار النَّدوة”،
بيروت، مساء الخميس 26 آذار (مارس) 2021

أذكُرُ العزيز الغالي الدكتور علي حسن، مِن يوم كنَّا نَمْتَلِىءُ وعداً وطنيَّاً ضاجَّاً بالأمالِ، وحبوراً إنسانيَّاً، عابقاً بالمحبَّةِ؛ إذ كُنَّا نَجْهَدُ، حينئذٍ، مَع كوكبةٍ رائعةٍ مِن ناسِ الوطنِ، على رأسهِم، ضميرُ لبنان، دولة الرئيس الدكتور سليم الحُص، في تأسيسِ “ندوة العمل الوطني”، وتوطيدِ أركانِها ونَشْرِ لِوائها عالِياً على مساحةِ لبنان بكامِلِها.
لطالما كان الدكتور علي يزرعُ الفكرةَ السِّياسِيَّةَ، ممزوجةً بالضَّحكة النَّاقدة الهادفة؛ ولطالما كان يقتحمُ معاركَ النِّقاش الوطنيِّ، بعمقِ وَعْيٍّ لا يرى في لبنان إلا أفقاً عربيَّاً رائداً؛ فلا سياسةَ، عند علي حسن يُعيقُها جمودُ الفِكْرِ الطَّائفيِّ وتَحَجُّرِ العقلِ الإقطاعيِّ ومحدودِيَّةِ الانتماءِ المناطِقِيِّ، ولا وطنيَّة حقيقةَ عملانِيَّتِها في لبنان، مِن دونِ الإيمانِ بالارتباطِ الجدليِّ العُضوي بينَ لبنان والعروبة.
هكذا عرفتُ الدكتور علي حسن؛ ومنذُ ذلكَ اليوم كُنَّا نَنْسُجُ، سَوِيَّةً، أمداءَ صداقةٍ، ربَطَت فيما بَيْننا، ونُوسِّعُ آفاقَ حُلْمٍ وطنيٍّ وَحَّدَ طموحاتَنا، ونَكْبُرُ باعتزازِنا بِصُحْبَةِ مودةٍ وتقديرٍ، نتقاسَمُها تجاهَ الدكتور سليم الحص.
وتدورُ الأيَّاُم، منذُ ذلكَ اليوم، بِحُلْوٍ لَها ومُرٍّ؛ وتترامى مآسي مرحلةٍ لَمْ تُنْذِرُ إلاَّ بِوَجَعٍ وخرابٍ، ولَمْ يتعملقُ فيها غيرُ جشعٍ سياسيٍّ في استغلالِ الوطنِ ونَهْبِ خيراتِ ناسِهِ.
تمادى الجشعُ، في وحشيَّتِهِ الطَّاغيةِ؛ وكنَّا، في ندوة العمل الوطني، نُقاوِمُهُ، مع دولةِ الرَّئيسِ الحص، وفي مقدِّمنا الصَّديقُ الحبيبُ الدكتور علي حسن؛ ولأنَّ مقاوَمَتنا كانت بالفِكْرِ، وبالتَّأكيدِ على أنَّ الوطنَ وحدَهُ هوَ الأساسُ؛ كانت غلبةٌ باذخةُ الانحلالِ، صالَ في رِحابِها ثُنائيُّ ضُعفِ الوازِعِ الوطنِيِّ مع شَهْوَةِ الاستغلالِ الذَّاتي؛ وجالا بكلِّ ما في تكوينِهِما مِن رعونةٍ عاهرةٍ؛ فدنَّسا، بحقارةِ ما فيهما، سموَّ الفِكْرِ وحُرْمَةَ الوَطَنِ.
هجرَ دولةُ الرَّئيس الحص، ما أسماهُ قرفَ السيَّاسةِ اليَوْمِيَّةِ ودخلَ رِحابَ الوطَنِيَّةِ؛ واستمرَّينا نقفُ وراءَهُ، يؤمُّنا مِن محرابِ فكرِهِ الوطني.
باتَ العيشُ لؤماً سياسيَّاً، وكثيرٌ مِن الفكر ارتزاقاً سياسيا وإنكاراً حقيرا لكل خير وطني.
صار الدكتور على يُغادر البلدَ في زياراتٍ متقطِّعةٍ إلى العالم العربي؛ يحملُ في سَفَرِهِ مِن وجعهِ الوطني ضحكةً مُقاوِمَةً يسخرُ بها مِن سوءِ ما نَعيشُهُ ونُعايِنُهُ؛ ويَضمُّ، إلى حنايا وجدانِهِ، وجعاً يؤرقُ كلَّ ضميرٍ وطنيٍّ حيٍّ؛ إذ أضحى التَّلاعبَ بالوطنِ لمصلحةِ السِّياسةِ، وباءً لا يريد كثيرونَ مقاومته.
ظلَّ الدكتور علي حسن على مقاومَتِهِ وحُزنِهِ وسخريَّتِهِ المفجوعةِ ووجعِهِ الدَّائم؛ ولطالما كنَّا نجتمعُ، في جلساتِ بعدَ ظُهرِ أيَّام الأحَدِ، عِندَ دولةِ الرَّئيسِ الحص؛ وكم كانت رائعةٌ تلكَ القَفَشاتِ السِّياسيَّةِ بينَ الرَّئيس والدكتور علي؛ نضحكُ لها؛ ولكن لا ننسَ أنَّها قفشاتُ الوجعِ الوطني المُقاوِمِ الضَّاحك على الإطلاق.
يَطُلُّ وباء كورونا؛ بُعْبُعُ رُعْبٍ يُشارِكُ، في قَتْلِهِ لنا، بُعْبُعُ سياسةِ الطَّمعِ والجشعِ وسوءِ التقدير.
ما مِنْ واحدٍ منَّا إلاَّ وعَمَدَ إلى احتياطاتٍ له، يُواجِهُ بِها الوباءَ؛ والدكتور علي تَمَكَّن من المواجهة.
بَقِيَ وباءُ التَّلاعُبِ بِمصيرِ الوطنِ وقِيَمِ نُهُوضِهِ، يَسْعى إلى مقارعةٍ؛ ولَكَم كانَ الدكتور علي مُقاوماً شَرِساً لهُ، بالفَهمِ الوطنيَّ العميقِ والرَّبطِ الجدَلِيِّ الموضوعيِّ بالوجودِ العربي.
يبدو لي أنَّ مقاومةَ الدكتور علي، لوباءِ الاستِخفافِ بِما هو وطنيُّ، لِمصلحةِ ما هو سِياسيٍّ، كانت مقاومَةً عنيدةً، وكانت مقاومةً قويَّةً، وكانت مقاومَةً ساخرةً لا هوادةَ فيها؛ ولذا، فلمْ يَكُنْ أمامَ هذا الاستخفاف بالوطني، إلاَّ أنْ يتخلَّص مِن الدكتور علي باغتيالِهِ.
تُوُفِيَ الدكتور علي حسن، شهيداً؛ جرَّاءَ نِضاله القَويِّ العنيدِ، في وجهِ كلِّ ما صرنا نعيشُهُ، في هذا البلدِ، مِن عَسَفٍ سياسيٍّ وبؤسٍ اجتماعيٍّ وخرابٍ يَلْحَقُ بِخرابٍ ويَلْحَقُ بِكُلِّ خرابٍ مِنْ بَعْدِ ذلكَ خرابُ.
الدكتور علي حسن، يا أخي وصديقي وزميلي في ندوة العمل الوطني، ما زلنا كُثُرٌ في النّدوةِ، وثمَّة كثيرونَ سيبقونَ معنا وينضمُّونَ إلى مَسيرَتِنا؛ بِهَدْيِ فِكْرِ دولةِ الرَّئيسِ الحص، وبنورِ مَنْهَجِهِ الوطنيِّ؛ ووعداً، سنُتابعُ المَسيرَةَ، لِيَبْقى لبنان الوطن، ولَيْسَ لبنان النَّادي الذي يَلْعَبُ فيهِ بعضُهُمُ القِمارَ، في سبيلِ تحقيقِ مصالحَ طائفيَّةٍ وَهْمِيَّةٍ ومكاسبَ شخصيَّةٍ آنِيَّةٍ وعَمَىً مُتنامٍ في استيعابِ أنَّ الوطنَ هو الأَساسُ.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى