أحمد جبريل والأسئلة الباقية
أحمد جبريل والأسئلة الباقية
بعد رحلة لم يشتهي فيها سوى الشهادة يرحل أحمد جبريل نبي الفكرة والثورة فيندلع في القدس نار الحكاية وما فيها من بطولة ومأساة وتضحيات الجرحى والأسرى والشهداء لتضاف إلى الأساطير الكنعانية سيرة قائد ورمز ثوري لم يتخلى عن مبادئه وقسمه الذي أقسمه منذ أول المسير الذي مشى فيه شاباً جميلاً كيافا وبحرها وشيخاً جليلاً كجبال الكرمل والقدس والخليل وهو القائد الذي وضع بحرفية عالية الكلمة الأولى والسطر الأول وحجر الأساس الأول لقواعد الفدائيين منذ إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة العام 1965، وارتبط أسمه بالقضية الفلسطينية وفعل المقاومة منذ أول كيس رمل وأول متراس وأولى الدوريات والعمليات وكان يسير دائماً في حقول الألغام بشجاعة نادرة لا تهاب المخاطر والصعاب حتى عرفت خطواته كل الدروب والطرقات المؤدية إلى فلسطين وقد ملأ هذه الطرق وأشغلها بالقواعد ومعسكرات الفدائيين وإنطلاقاً من هذه القواعد كان لحضوره دوياً عاصفاً في الكثير من العواصم ويخشاه الأعداء وغير الأعداء وهذا لم يكن مرتبطاً بخبرته العالية بالمتفجرات و الألغام بل بمواقفه وتصريحاته التي تشبه العبوات الناسفة والتي تستند إلى إيمانه المطلق وقناعاته الكاملة بحتمية الإنتصار ولو بعد حين، وهو كقائد يحمل راية جبهة وثورة ووطن وأمة عُرف بإقدامه وتفانيه من أجل شعبه وقضيته قابضاً على جمر المقاومة والفكرة والثورة من أجل محو كافة آثار النكبة التي حصلت العام 1948.
ولأسباب يعرفها السائرون على طريق الحق فإن هذا الرحيل سوف يعمق من جراحات الوطن وأوجاع الشتات وهذا يحتاج إلى حديث آخر بعيداً عن الخوض بالكلمات والكتابة عن الثورة والحب بلغة الرثاء وملء قلب فلسطين يضج ببكاء فالح وفادح وكثير من المديح الذي لم يحبه يوماً أحمد جبريل الذي سيبقى للثورة وفلسطين رمزاً وجرح نخاف من بعده على حالنا وعلى السنابل والبنادق والأناشيد. ومن بعده نسأل هل ستبقى عواصمنا بلا قلب وهل ستكون فلسطيننا بلا قمر وهل من ريح ستطفئ شموعنا وتشعل دموعنا في المخيمات أم سيشتعل في يافا الدم والحجر هي أسئلة باقية كبقاء عشب هامة وهيبة أحمد جبريل في أحاديث بيارات وبيادر وحقول فلسطين عن أسطورة العمل الفدائي الباقي في ذاكرة شعبنا ودليلاً لعشاق القدس بما يليق بدرب الفداء والعودة والتحرير الذي سوف يسلكه الفدائيون الذين يتمنون اليوم لرمزهم الثوري الراحة والسرور في اللقاء الأول الذي سيعقده مع أحبائه ورفاقه جهاد والسيد عباس والشقاقي والرنتيسي والعماد وقاسم كما أنهم يدعون أن يعينه الله على لهفة لقاء رفاق البدايات والمسيرة الطويلة وفي مقدمتهم القائد الرمز جورج حبش وأبو علي مصطفى والرئيس الرمز ياسر عرفات وأما نحن سنبقى نستظل في بهاء حضوره وبشمسه التي لن تغيب عن جباه الحالمين بتحرير الأرض والإنسان.
حمزة البشتاوي
كاتب وإعلامي