أدب وفن

حديثُ السماءِ/ قصة قصيرة

محمد حسين

حديثُ السماءِ
صرخاتٌ صاخبةٌ على حوافِّ الطَّريقِ الذَّاهبِ إلى نهاياتِ الغروبِ ،
لحظاتٌ تنهضُ من وليمةِ الزَّلازلِ المتتاليةِ تحتَ ركامِ النَّهاراتِ المتشابهةِ لتعلنَ انتهاءَ الطَّوقِ عن وجهِ الأمنياتِ .
جثثٌ مصابةٌ بالشَّللِ تصنعُ من أنقاضِها وأشلائِها مدائنَ من الفرحِ .
سماءٌ تلبسُ ثوبَ الغيومِ الدَّاكنةِ وتفتحُ ذراعيها للضَّوءِ..
ساعاتُ البشرِ تتسابقُ لتقطفَ من تثاؤباتِ السَّماءِ آمالاً اختلطَ فيها الدَّمعُ مع الابتساماتِ الملطَّخةِ بالأنينِ ،
تنتظرُ أنْ تمطرَ عليهم بعضُ الإجاباتِ الَّتي ترتدي ثوبَ الأملِ ،
وتروي ظمأَ أرواحِهم الَّتي أعيتها أثقالُ الحياةِ وغيَّرت فصولِهم السَّريعةَ وهي ترسمُ قوسَ قزحٍ لأحلامِهم من السَّرابِ غير آبهةٍ بالهشيمِ المتلاحقِ من رمادِ معاناتِهم ..
لكنْ يبدو أنَّ السَّماءَ هذهِ المرَّةِ تحملُ في أحشائِها بقعٌ مختلفةٌ كما لو أنَّها تستعدُّ لولادةٍ نازفةٍ ، لقدْ تغيَّرَ شكلُها بسرعةٍ مذهلةٍ مثلَ الكثبانُ الرَّميَّلةِ الَّتي تأخذُ أشكالاً حسبَ اتجاهَ الرِّيحِ ،
ممَّا أوقعَ الفتى ماجدُ في حيرةٍ من أمرِه عندما تأمَّلَها ،
فرك يديه ،
هرولَ إلى خزَّانِ معلوماتِه.. أمُّ عليّ المرأةُ التِّسعينية ..
مرحباً يا حجَّه..
أهلاً وسهلاً
لماذا تغيَّرَ شكلُ السَّماءِ وأصبحَتْ تميلُ إلى السَّوادِ هكذا ، ونحنُ لازلنا في بدايةِ النهارِ ..؟
أمُّ عليّ .. أجلسْ يا بنيّ لا تخافْ هذهِ السَّماءُ مثلُ الإنسانِ تغضبُ …. تفرحُ ….. تحزنُ ….. لكنَّها لا تظلمْ ولا تنافقْ مثلَهُ ، هناكَ أشياءٌ مشتركةٌ بينَها وبينَه ..
كيفْ يا حجَّة ؟
اسمعْ يا بنيّ نحنُ في شهرِ شباطِ وهذا الشَّهرُ الَّذي يحملُ في كلِّ يومٍ من أيَّامِه كلَّ الفصولِ مثلَ بعضِ البشرِ ..
(فمنهمْ من يكونُ سعيداً على حسابِ تعاسةِ الآخرينَ ..
ومنهمْ من يمنحُ السَّعادةَ للآخرين على حسابِ سعادتِه ..
وآخرينَ يسرقونَ حتَّى ابتساماتِ النَّاسِ ..
وقسمٌ آخرَ يلبسون وجوهاً غيرَ وجوهِهم ..)
الحياةُ يا بنيَّ مدرسةٌ قاسيةٌ أحياناً تعطيكَ الطَّعامَ الَّلذيذَ عندما تفقدُ أسنانَك وتمنحكَ المشطَ عندما يتساقطُ شعرُك ..وممكنٌ أنْ تطرحَك أرضاً أكثرَ من مرَّةٍ لكنْ عليكَ النُّهوضَ وإعلانَ انتصارِ أحلامِك دائمآ …

*كاتب و قاص فلسطيني – سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى