أدب وفن

حوارٌ فوقَ الدُّموعِ / بقلم القاصّة نور الهدى شعبان- سوريا

حوارٌ فوقَ الدُّموعِ 

الحقيقةُ الّتي ارتدَتْ ثوبَ الآلهةِ لمْ تستطعْ الإفلاتَ من مخالبِ الإنسِ النَّاكرِ للجميلِ ، الَّذي سكبَ من جبينِ خذلانِنا خمرةً لمارِّقين يسكرونَ على ما تبقَّى لدينا من آمالٍ ، فغرِقَتْ الفضيلةُ في كأسِ نبيذِ العراةِ دونَ أنْ تدوِّنَ في صفحةِ التَّاريخِ كنقطةٍ سوداءَ أو  بيضاءَ أو توقيعاً أخضر ..

والحقيقةُ جائعةٌ إلى الأبدِ ، تقتاتُ على دماءِ من رحلوا ليكتبوا لها شهادةَ نجاةٍ علَّها تقي لحمَهم المذبوحَ على مشارفِ المجدِ المشوَّهِ من مهالكِ المهزلةِ ..

والمهزلةُ الَّتي كانَ حريٌّ بها التزامَ الصَّمتِ باتَتْ تقهقِهُ على الخشباتِ المذهَّبةِ فوقَ نواحِ الشَّواهدِ الَّتي أثقلَتْ كاهلَها أجسادٌ اغتالَها ظلامَ القبورِ فلا حديثَ اليومَ ..

لا حديثٌ يعلو ضجيجُ البطونِ صباحَ عيدٍ أعرجٍ سقيمٍ ، سقطَ خجلاً أمامَ ابنُ الشَّهيدِ الَّذي ارتدى الحزنَ والخوفَ والحرمانَ صورةَ والدِه وهي تتكلَّمُ بقهرٍ كَفى بنيَّ لا تُرهِق رمثي بنظراتِكَ الحائرة ِ ، 

إنَّها تفتكُ بكفني أكثرَ من رصاصةٍ استقرَّت في أحشائي لتغتالَني من العمرِ عنوةً .. 

كفى بنيَّ فلا شفاءَ لشهادتي المنكَّلِ بها أمامَ الطَّريقِ المنحرفِ ..

أما كان يجدرُ بأقدارٍ حمقاءَ أن أصحبَكَ إلى حديقةِ العيدِ

و عيدُك المحرومُ قادكَ إلى المقبرةِ ..

أيُّ دمعٍ أحمقٍ يتجرَّعه ترابي يا حبيبة ؟.. أيُّ حرقةٍ في فؤادِك المجروحِ بي ؟.. أيُّ ثمنٍ تدفعينَ فوقَ فراقي ..

رجاء : ( تلتفِتُ حولها في زوايا المقبرةِ و الحسنُ ابنها يقطفُ الأعشابَ الصَّغيرةَ المحيطةَ بقبرِ والدِه الشَّهيد ، وبداخلِها غصَّاتٌ حشرجَتْ أنفاسَ صرخاتِها الصَّماءَ وبصوتها الَّذي يتقاوى على ضجيجِ الألمِ و ازدحامِ الدُّموعِ )

صباحُك عيداً حبيبي .. صباحُك نقيٌّ من تلوُّثِ الحقيقةِ المرَّةِ في رحيلِك .. كم اشتاقُك ، و كم أحتاجُ لأحضانِ هذهِ الحجارةِ الّتي رقَّتْ عليكَ أكثرَ من قساوةِ العيشِ عليّ ..

كيفَ أخبرُك ألمي ؟.. كيفَ أبوحُ لَك بسقوطي آلافَ المرَّاتِ وأنا أحيكُ لابننا الحسنُ مايليقُ بوعودي المتهاويةِ في مستتقعِ الحياةِ المريرةِ لأقيهِ بردَ فراقِك ،

والبردُ ينهشُ روحي و لحمي !!..

كيفَ أخبرُكَ يا حبيبي أنَّني أطعمُه الخبزَ الملطَّخَ بدمي ودمعي ، وأنا أجني قمحَ النَّجاةِ بينَ مخالبِ النّهارٍ وأنيابِ الظَّلامِ !!..

كيفَ أقولُ لَك تعبتُ و أنا من كتبَتْ عهداً لروحِك الرَّاقدةٍ بسلامٍ هنا أنَّني لن أنحني .. وانحنيت !!..

أينَ أهرُبُ من عينيك الّتي تحاصرني بوجهِهِ البريء و طعناتُ الفضيلةِ تغتالُني في كلِّ أوجُهِ الأماكنِ النَّتنة النَّوايا ..

كنتُ أتطلّع لأهيّئَ لقاءَ الحسنِ بك كما تشتهي ، ولكن اعذر ضعفي أمام معركةِ البقاءِ في هذا المرارِ ، رحلْتَ ورفاقُك ليرقدَ الوطنُ بخيرٍ ولكنْ  لم يبقَ بالوطنِ لا سلاماً ولا خيراً يا حبيبي .. ارحم قلَّة حيلتي و جبروتَ هذه الحقيقةِ ..

فما نحنُ بخيرٍ ولا عيدنا سعيدٌ .

اغفر لي ما تلطَّخ به لساني من كذبٍ أبيضٍ في كلِّ مرَّةٍ أخبرتُك أنَّنا بخيرٍ لتبقى مطمئناً في رقادِك الأبديَّ ، ونحنُ نجوبُ شوارعَ العمرِ الملوَّثِ نبحثُ عن بقايا خيرٍ و فضيلةٍ ، ونبحثُ عن سنابلَ ارتوَتْ بدماءِكم الطَّاهرة و أثمرَتْ قبلَ أنْ تصابَ بحسدِ الشَّمسِ وتحترقُ في كلِّ الفصولِ ..

القاصّة نور الهدى شعبان… سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى