الرابع من آب 2021… يوم البداية؟!
الدكتور وجيه فانوس
يطل الرابع من آب اليوم، مسجلاً مرور سنة كاملة على الكارثة الوطنية الكبرى التي لم تسقط مرفأ بيروت وحده، ولم تودي بأرواح كوكبة من اللبنانيين وحسب، ولم تهدم مساحات أساس من مدينة المدينة فقط؛ بل أكدت خراب لبنان بأسره، وزعزعة كثير من البنى الوطنية التي نهض عليها هذا البلد، في طموحات ناسه وأهله ورؤية العالم الإنساني المتحضر إلى وجوده وفحوى الرسالة الإنسانية المرتجاة من هذا الوجود.
ومع هذا، ورغم كل ما فيه من فجيعة وأسى وبؤس، فإن أبرز ما يتبقى أمران؛ أولهما، صدقية فشل النظام السياسي الطائفي والمذهبي، ذي المفاهيم التحاصصية الخاصة والنزعات الاستئثارية الأنانية في قيادة البلد، ورسوخ هذه الصدقية وثباتها؛ وثانيهما، الإصرار الشعبي والعالمي على استعادة لبنان لريادته الوطنية، التي طالما حلم بها أبناؤه وسعوا في مناكب تحقيقها؛ والقيام بدوره الحضاري، عبر رسالته الإنسانية العالمية، التي ما فتئ العالم بأسره ينظر إليها باعتزاز ويدعو إلى تحقيقها بلهفة واحترام. إن بناء لبنان، الذي نطمح إليه، لبنان الاستقلال الفعلي والحرية الحقيقية والكرامة الصافية، يجب أن يبدأ من هذا الرابع من آب من سنة 2021.
يبدأ بناء لبنان اليوم، إذ يلوذ اللبنانيون، هذه المرة، وبكل جدية والتزام ووعي، نحو الفكر المؤسساتي السَّوي، بقضاء مستقل شريف ونزيه؛ يحقق، بكل شجاعة وصلابة وإصرار، في ما حصل قبل سنة من اليوم، على أرض مرفأ بيروت. ويبدأ لبنان اليوم، إذ يكون أبناء الشعب أمام نظام يتساوى فيه الجميع، أمام أسس عدالة محكمة واحدة موحدة، بعيداً عن ادِّعاء أي حصانة جبانة، وبمنأى من أي فوقية لمنصب أو مركز. ويبدأ لبنان اليوم، إذ تنهدم، بالإرادة الوطنية الشعبية الواعية، جميع معاقل النفوذ السياسي المستغل، وتنهار كل جحور اللصوصية، التي طالما استثمرت الشعب والوطن لمصالحها الضيقة. ويبدأ لبنان اليوم، إذ يرى اللبنانيون، قولاً وفعلاً، حقيقة ما ينص عليه دستورهم الوطني، الذي ارتضوه لأنفسهم، بأنه «لا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان»؛ فالحماية، الوحيدة والأساس، التي تضمن وجودهم وتحفظ حقوقهم، ظاهرة بكل جلاء في تطبيق فعلي وعملي للبند (ط)، من مقدمة هذا الدستور؛ وليست أبداً في أي استعطاف، اعتاد أن يبذله بعضهم، لزعيم من هنا، وانتماء إلى طائفة من هناك، وانخداع بمظاهر قوة كاذبة من هنالك.
ليكن الرابع من آب 2021، منطلق بنائنا للإستقلال الحقيقي والفعلي؛ بدءاً من تحقيق عملي ملموس وشفاف، لاستقلال القضاء ومروراً بتأكيد مساواة جميع اللبنانيين أمامه وترسيخها قولاً وعملاً؛ وصولاً إلى تساوي جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات، بعيداً عن أي تمييز طائفي أو تحاصص مذهبي؛ وانطلاقاً إلى انتخابات نيابية، يجسد مرشحوها برامجهم فيها، وفاق هذه الرؤى؛ كل بناء على اجتهاده السياسي الحر، ضمن وحدة الوطن وعزته