أدب وفن

مدينتي/ قصيدة الشاعر إيلي جبر

مدينتي

سأعاندُ القدر
الغافلُ منه والمقتدَر
سأعاند قرونه بما حضر
ما طال منه وما قصر
سأبني على جمجمته أخاديد المطر
سأحفرُ في ترهاته كوكب البشر
سأجني من عناقيده متطابقة النظر
سألوي يده إن رسم الخَفَر
ولو ضاع في خبائكِ والقفر
سأرسمُ الشمس واكحّلُ القمر
من أرضِ اليباسِ وركنِ الحجر

أشرقت مدينتي أشعارها
أغرقت مدينتي بالدمع
أمطرت سهولها وجبالها
أخفضت في قلبها كالشمع
أطلقت مدينتي سِماءَها
اغلقت مدينتي الخواء
أطلقت للهاجس إشعارها
من يخيف سيدتي بالحسن
من يؤرق عينيها الورديتين
من يسمع انين أهلها
من يطمع بالنده او بالسمع

أطلقت مدينتي إنذارها
أعتقت كل ما في قلبها من سكون
أطلقت للحاضر أوتارها
خفقت بالنصر والجنون

أصبحت مدينتي حجارةُ رماد
أضحت مدينةً للأشباح والسُهاد
تأرقت عينا مدينتي
نزف قلبها دماً
غصت مآقيها دمعاً
وسرحت في حزنها الطويل

لبِسَت مدينتي اشلاءها
تمنطقت بالأسود الفضيل
حزنا على ابنائها
من رحلوا
دون وداعها الحزين
نامت مدينتي بثُكلِها
أمّ المئاتِ مئاتِ المشرّدين
نامت على حلمها بالازل
حلمُ صواريها السنين
أغرقت بالنار ِحُسنَها
لا تستسلمَ للغاصبين
أحنت سيفها للنصر
لم ينكسه سيّدُ الغالبين
دخلها الفاتح الأكبر مشرّداً وكليلاً
هزمته مدينتي بعنادِها
وقلبها الفتيّ الكريم
دخل أرضها المحروقة فأغنت منه السنين

وفي ذا العصر الملعون
حرقتها قنبلة الأطنان
وحفنة من مرتزقةٍ
صبَّت على قلبها الأتون
لكنَّ خبرتَها وصبرَها
سيحملانها من جديد
الى البعث من رمادِها
صورةً للكون الوحيد
هكذا أشرقت مدينتي
عمراً بعد عمرٍ مديد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى