منتديات

تفجير مرفأ بيروت :« إسرائيل »  المتهم الأول ؛وهيئة قضائية مشتركة

تفجير مرفأ بيروت :« إسرائيل »  المتهم الأول ؛

 وهيئة قضائية مشتركة

الدكتور حسن قبيسي

من صوَر الانقسامات في لبنان أنه في كل حدث تدميري ينحى  اللبنانيون  نحو منحيين :

       –  فئة  تسارع إلى إدانة  إيران و«حزب الله » على اعتبار أن « الشك بدء  اليقين ».هذه الفئة اتخذت مما كشفه يوم الجمعة 30 تموز2021،   مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي» «FBI الذي كان أول من وصل، أن خبراءه الذين كشفوا على موقع انفجار مرفأ بيروت، يُقدّرون بأن كمية نيترات الأمونيوم التي انفجرت في الرابع من آب 2020 لم تكن أكثر من 20% من إجمالي الشحنة التي أفرِغت عام 2014. وقدّر التقرير أن «نحو 552 طنًا فقط من نيترات الأمونيوم انفجرت في ذلك اليوم وهي كمية أقل بكثير من الشحنة الأصلية التي تزن 2754 طنًا، ووصلت إلى المرفأ عام 2013». كشْف أريد التشكيك من خلاله بأن أحدًا ما كان يسحب ما يحتاجه لأعمال التفجير ، وأن هذا الأحد قد يكون استعملها في سوريا ضد المدنيين العزل.!!!! فإذا كان  أول من وصل فلما لم  يعلن عن « اكتشافه » هذا يوم توصل إليه ؟!، والجواب البديهي أنه  لم  يتوصل وقتها  إلى ابتداع  ما يتهم به  إيران أو سوريا  أو «  حزب الله » بأنها وراء التفجير مباشرة أو غير مباشرة ، وأنه مقتنع بأنه  ليس محتمًا  أن النتيترات –  التي يُفترض أن القوات الألمانية  التابعة لليونيفيل والمكلفة من الأمم المتحدة، قد  فتشت السفينة المحملة بالمواد المتفجرة ، والتي لم تُدخل مهربة – موجودة بكاملها في العنبر الرقم 12 لحظة حدوث الحريق، ثم الانفجار، وأنها قد تكون فقدت لسبب أو لأسباب  سنوردها:

أزال مطلعون على التحقيق، قضاة وأمنيين وخبراء متفجرات  الالتباس حول كيف يمكن أن تنتقص  الكمية المفقودة :

إن انفجار نحو 550 طنًا من النيترات، من أصل نحو 2700 طن، إن صحت الأرقام ،لا يعني حُكماً أن الكمية لم تكن بكاملها موجودة في العنبر الرقم 12 لحظة حدوث الحريق، ثم الانفجار. ويؤكدون على أن الاحتمال الأبرز هو أن تكون الكمية الأكبر من نيترات الأمونيوم قد تبدّدت بالحريق والانفجار نفسه، من دون أن تكون قد انفجرت، لأن تفجير  2700 طن من أيّ مادة متفجرة، دفعة واحدة، يحتاج إلى دراسة وتحضير قد يمتدان لأسابيع. فتفجير هذه الكمية الهائلة بحاجة إلى آلاف الأمتارمن «الفتيل المتفجر»، كما إلى آلاف الصواعق، والتي ينبغي أن تكون مدروسة بطريقة دقيقة جداً لضمان انفجار الكمية كاملة.

كما أن بقاء نيترات الأمونيوم لأكثر من ست سنوات في العنبر الرقم 12، من دون أي مراعاة لشروط التخزين، وتعرضها للحرارة والرطوبة، يؤدي إلى إصابة جزء منها بالتلف، فضلاً عن تراجع «قدرتها التفجيرية» نتيجة عوامل الحرارة والطقس.[1]

        – وفئة مقابلة أو مواجهة وتذهب إلى اتهام الإدارة الأمريكية  والعدو الصهيوني ، كون الثاني صاحب مصلحة مباشرة  ودائمة في تخريب لبنان وتدميره ، والأولى تعمل  دائمًا على قاعدة :لبيك يا «إسرائيل » .

ونحن نميل في مجزرة الرابع من آب 2020، إلى الفئة الثانية :

في السادسة  وثماني دقائق من مغرب يوم الثلاثاء الرابع من آب 2020 كانت المجزرة – والتي من المحتمل أن تكون حصيلة قصف صاروخي  « إسرائيلي » ، إن صدقت أقاويل من قالوا أنهم شاهدوا صواريخ استهدفت مرفا بيروت –  التي أعلن المعهد الأميركي للجيوفيزياء أن أجهزة الاستشعار الخاصة به سجلت قوة الانفجار على أنه زلزال بقوة ما بين  3.3 و4.5 درجات على مقياس ريختر.وأوقعت :

214 شخصاً قتلوا جراء الانفجار، بحسب حصيلة رسمية.

6500 شخص أصيبوا بجروح.

300 ألف شخص شردوا مباشرة بعد الانفجار لفترة موقتة.

أكثرمن 70 ألف خسروا وظائفهم جراء الانفجار.

وتضرر 73 ألف شقة  و 9200 مبنى.وطالت لأضرار 163مدرسة ومنشأة تعليمية على الأقل، و 106 منشآت صحية تضررت بينها ستة مستشفيات و20 عيادة.[2]

وقد  سُمعت أصداء الانفجار في جزيرة قبرص التي  تبعد عن لبنان حوالى 200 كيلومتر .وتعهدت  حكومة الرئيس د. حسان دياب بإجراء تحقيق إداري في الانفجار ؛وإعلان نتائجه خلال خمسة أيام ، ولم يحاسب أي شخص حتى الآن.  استقالت الحكومة بعد ستة أيام من الانفجار ،ومنذ 359 يومًا تدير البلاد حكومة تصريف أعمال، في غياب اتفاق بين القوى السياسية على تشكيل حكومة جديدة. وتم تكليف نجيب ميقاتي في 30 تموز بتشكيل حكومة جديدة.

ولأن (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) [3] ، ولأن كل لبناني «ولي دم» في هذه المأساة ،من حقنا أن نطالب بالحقيقة والعدالة ، «تعرفون الحق والحق يحرركم»  [4]

في كل جريمة ، ومجزرة الرابع من آب هي جريمة القرن – حتى الآن – تتجه الأنظار إلى المستفيد ، شخصًا أو مجموعة أوفئة، وتنظر في إمكانياته على تنفيذ الجريمة . في حالة العدو  الصهيوني ، واضحة استفاداته من المجزرة وأسباب ارتكابها لتحقيق مصالحه :

  • التخفيف -إلى حد انعدام – من دورمرفأ بيروت  التنافسي لميناء حيفا الذي اكتسبه بعد نكبة 1948،فكان التفجير بالتزامن مع  تحديث  ميناء حيفا وتوسعته و افتتاح المرفأ الجديد فيها مطلع أيلول2021. و تسريع  العمل بمشروع «إسرائيل» بإنشاء سكة حديد عبر أوروبا والمتوسط وصولاً إلى «حيفا» والخليج   العربي ، في ظل تقلص الدور اللبناني بعد التفجير.
  • تفعيل التكامل وتبادل الخدمات والخبرات بين ميناء حيفا وموانئ دولة الأمارات. فالرهان على فشل  التحالف الإستراتيجي الأماراتي – الصهيوني ، استنادًا إلى فشل التطبيع بين مصر والأردن  والسلطة الفلسطينية من جهة ، وبين  الكيان الصهيوني من جهة ثانية ، رهان في غير محله ؛ إذ أن شعوب مصر والأردن  وفلسطين في صراع مستمر مع العدو الصهيوني منذ ما قبل النكبة إلى اليوم ، وهو غير ما عليه الحال مع الأمارات، إضافة إلى نكث الكيان الصهيوني بكل تعهداته لتلك الأنظمة .

وعن قدراته  ومنهجيته في التخطيط  والتنفيذ:

واضحة سياسة  النفس الطويل في مخططات الصهيونية :

-في مؤتمر بال ( سويسرا ) 1897 عقدت النية على إقامة وطن يهودي في فلسطين بعد خمسين سنة ،وقامت  .

  • كانت الخطوة الثانية في انتزاع وعد بلفور ضمِّنَ رسالة بتاريخ 2 تشرين الثاني عام 1917:

«تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير الهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.»

  • المرحلة الثالثة كانت بتدفق عشرات فمئات فالآف اليهود من أوروبا إلى فلسطين  منذ ثلاثينينات القرن العشرين ، رغم الاحتجاجات العربية والصدامات  العسكرية بين الفلسطينين واليهود المدعومين من القوات البريطانية المحتلة فلسطين .
  • –         المرحلة  الرابعة ، مرحلة  قيام  الكيان الصهيوني :نكبة  1948.

وبعد النكبة و بروز جمال عبد الناصر تثورت بيروت – حاضنة الوطن وصورته  المشرقة – فكانت هدفًا تمهيديًا لكل ما يطال الأمة العربية . من هنا استهدفت بالتزامن مع كل حدث أو تخريب أو تآمر .

  • المرحلة الخامسة مرحلة الاعتداءات  بهدف التوسع والاستيطان  وقيام « إسرائيل الكبرى »  1956 و 1967و 1978( وتدخلها  في الحرب الأهلية اللبنانية  وتسعيرها)  و1982 وفي الأخيرتين مشاغلة  لبنان عن ما أعد للمنطقة من زيارة السادات  للقدس المحتلة وسلام كمب ديفيد، و 2006 والاعتداءات على غزة .

المرحلة السادسة : مر حلة  التطبيع :

على طريقة لعبة البلياردو عمل ترامب و ««إسرائيل »:

  • –        29/1/  2020 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة القرن للسلام بين الفلسطينين و«إسرائيل » ، مستبقًا مجزرة تفجير مرفأ بيروت ، الذي كان من أهدافه  التعمية على مشروع ترامب التآمري .
  • –        4/ 8/ 2021:  انفجار بيروت ، ومن تداعياته  السياسية/ الديموغرافية  تجديد وتوسيع الشرخ بين اللبنانين واتهامات متبادلة بالتسبب بالتفجير. هي أضرار معنوية تضاعف الخسائر المادية ؛ وهي وإن كانت بمليارات $ إلا أنها تافهة أمام الخسارة بالإنسان، أكرم  مخلوقات الله .

–  13/ 8 /2020 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق تطبيع علاقات بين الأمارات و«إسرائيل». وفي15/8/2020  وقع الاتفاق، وبيروت ضميرالعرب تلملم جراحاتها مشغولة عن التطبيع التآمري؛ ومر اتفاق التطبيع بسلاسة .

11/12/  2020 كُشف تطبيع العلاقات بين المغرب و «إسرائيل »، وعمرها عقود من الزمن، ومر الأعلان بصمت شعبي  و رسمي  .

واضح ربط الكيان الصهيوني الوضع في لبنان بكل  ما يجري في المنطقة ،يؤثر فيه و يتأثر به.

عن المسؤولية  القضائية:

أكثر من  مجرم ، طرفًا كان أم فردًا ، لهم أيادي  وأصابع في مجزرة المرفأ.مخططًا كان أم منفذًا، أو حتى من لم يأخذ الأمور بجدية، و  لم يتوقف عندها ولم يتابع تفاصيلها . وأعجب من رئيس أكبر كتلة برلمانية  كيف بَسّط الجريمة واعتبرها «إهمال وظيفة » [5] ، ثم بعد أيام اعتبرها حصسلة  « سوء إدارة »[6]   .

هي تسبب بالقتل وليست دون ذلك. شارك فيها صاحب النيترات ومن شحنها  ومن أدخلها ولحساب من أدخلها ، ومن خزنها بالطريقة التي خُزنت بها،ومن أُبلغ عنها ولم يعالج الموضوع ولو كان خارج اختصاصاته وصلاحياته  ومسؤولياته، فتلافي الكارثة مسؤولية الجميع، ويعلو فوق الصلاحيات والمسؤوليات .

ونصل إلى الهيئة القضائية المخولة  التحقيق  والاتهام  وإصدار قرارالظن وإصدار الأحكام . بداية هي مهزلة واستخفاف  بأرواح الضحايا وجراحات وإصابات  الجرحى  والمصابين وأضرارالمتضريرين ومنهم من بات بالعراء مدد متفاوتة. مهزلة و استخفاف واحتقار لعبة الحصانة أو حتى  البحث بها ، خاصة بعدما أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون  يوم الخميس في29 تموز 2021 مدعي عام التمييز غسان عويدات «استعداده  المطلق للإدلاء بإفادته  في حال قرر المحقق العدلي الاستماع إليه عملًا  بالمادة 85  من قانون أول المحاكمات الجزائية».

المتفق حوله أن ما من مؤسسة أو فرد يعيش اليوم وهو معصوم . وبعيدًا عن التزلف ؛ لزعماء الطوائف ولرئيس  الجمهورية في لبنان اليد الطولى في تسمية وتزكية وترقية وتوزيع كل موظفي الدولة على  المراكز، والقضاة في المقدمة .وعليه ، فلا  يطمئن اللبنانيون اطمئنانًا  مطلقًا لسير العدالة وسط  هذا الواقع الذي لا يختلف عليه لبنانيان ، وهو من نوادر ما لا يفرقهم . العدالة بحاجة لقاضٍ كفؤ، لقاضٍ نزيه ، لقاضٍ شجاع.  وفي لبنان كثيرمنهم مشهود له بواحدة أو أكثر ، لكن ليس بها  جميعًا ، وإن حصل فمن يحميه  ويضمن سلامته  إن عمل بما يمليه عليه ضمير  ؟! هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فلن تستطيع أي هيئة قضائية لبنانية من التحقيق مع أي متهم «إسرائيلي » لعدة أسباب.

 من هنا وجوب تشكيل هيئة قضائية  لبنانية – أممية مشتركة لمعرفة  الحقيقة وتحقيق العدالة بما يحفظ حقوق الجميع ،يقتص من المذنب  ولا تُقدم «أكباش محرقة » ؛ فلا تذهب الدماء هدرًا ولاتضيع الحقوق سدى، ولايتأذى الجرحى ويتضرر المتضررون ويموت  الضحايا ثانية.       

  • من كتاب سيصدر قريبًا للدكتور . حسن محمود قبيسي، بعنوان «وطن الفتن  والمحن : تاريخ لبنان من منظور اجتماعي سياسي.»

[1] -4 آب: فرضيّة عدم انفجار كميّة النيترات كاملة، موقع الأخبار  السبت 31 تموز 2021

[2] – بالأرقام… عامٌ على “انفجار مرفأ بيروت الكارثيّ”!، وكالة فرانس برس، الأول من آب2021*

إشارة الى أن فرانس برس اعتمدت على مصادر عدّة: أ ف ب  ، الأمم المتحدة، محافظ بيروت، المعهد الأميركي للجيوفيزياء، الوكالة الوطنية للاعلام.

  [3]- الأسراء 33.

[4]– يوحنا 8/32.

 [5] –  الوزير الأسبق جبران باسيل في مقابلة  تلفزيونية  ، الأربعاء 28/7/2021

   [6] –  الوزير الأسبق جبران باسيل في مؤتمر صحفي ، الإثنين 2/8/2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى