أدب وفن

أي شعر لأيّة ثورة …بقلم الأديب د. محمد علي شمس الدين

اي شعر لاية ثورة
د. محمد علي شمس الدين.
لاول وهلة الشعر ( كما نفهمه) يظهر في مكان آخر للتأمل يتصل بالخيال وبالنخبة وأحوال اللغة والمعنى وهو لهذه الناحية أقلوي في حين ان الثورة هي عامة مباشرة لكتلة الناس في الشارع أو الساحات …. لكن الفن احيانا لا يستطيع ان يتأخر طويلا للتأمل خاصة في السنوات الزلزالية من اىتحركات الشعبية التي بدات في العالم بعد الحربين الكونيتين وما.زالت مستمرة حتى اليوم بما في ذلك تحركات الربيع العربي وما يجري في العراق ولبنان والسودان والجزائر ومصر وسواها من تحركات شعبية / ما خلا الجزيرة العربية فرافقت هذه التحركات رسوم الغرافيتي واللوحات الجدارية السياسية والارتجال الشعري السياسي كظاهرة نجم / إمام في مصر مثلا وفي اميركا واوروبا شعراء ” البت” وشعراء الشوارع والمترو والمقاهي وحتى المقابر.. فان قصيدة مثل ” تقدموا… تقدموا” لسميح القاسم تظهر مباشرة حارة تحريضية اشبه ماتكون بتقدم جحفل شعري في وجه الجيش الاسرائيلي ” تقدموا / تقدموا / كل سماء فوقكم جهنم / وكل أرض تحتكم جهنم / يموت منا الشيخ والطفل ولا يستسلم / وتسقط الأم على اطفالها ولا تستسلم”. .
جماعة “البت” في سان فرنسيسكو بعد. الحرب الفيتنامية أسسوا في العام 1955لمنطقة مدمرة في الشعر والوعي في اميركا وفي العالم وبرز كيرواك والن غنسبرغ ومن ثم بوب ديلان فكتبوا قصائد نثر عارية مزقت الوعي وحركوا عصبا شبابيا ما لبث ان انتقل الى فرنسا واوروبا وسائر العالم وكان لهم اثر في تحريك الثورة الطلابية في فرنسا صيف1968التي ما لبثت ان امتدت الى سائر اوروبا وادت الى تنحي رجل تاريخي كديغول. يقول ديلان عن كيرواك ” قصائده فجرت دماغي” وهي قصائد غضب ونقد وسخرية وشتيمة… وحركة ” البت” حركة أدبية مضادة للسلطة والنظام والمؤسسات. وضد الراسمالية المفترسة ومنحازة للحريات والزنوج. ولغتها أساسا من الشارع.. القصيدة المركزية لها هي قصيدة ” عواء” لغنسبرغ 1956 يبدا هكذا ” رايت افضل العقول في جيلي وقد دمرها الجنون / عراة ومهسترين يجرجرون انفسهم عبر شوارع زنجية في الفجر باحثين عن ابرة مخدر ساخطة “… ( ترجمة سركون بولص)
شعراء الغضب العربي ظهروا مع مرحلة التحرر منذ خمسينات القرن الفائت وما زالوا حتى اليوم. وثمة جذور تاريخية بعيدة لهذه الاصوات من صرخة عمرو بن كلثوم في الجاهلية في معلقته” الا لا يجهلن احد علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا
اذا بلغ الفطام لنا صبي / تخر له الممالك ساجدينا”…….
وصولا لمطالع العصور الحديثة ( البارودي وشوقي والشابي والجواهري والشاعر القروي / في المهجر. /…. يقول الجواهري : ” انا حتفهم الج البيوت عليهم / اغري الوليد بشتمهم والحاجبا “…
مع الحداثة الشعرية برزت اصوات اعمق غورا واجمل في التصوير والسخرية والمعنى.. يقول بلند الحيدري في ” حوار عبر الابعاد الثلاثة” : ” العدل اساس الملك… كذب كذب : الملك اساس العدل / ان تملك سكينا تملك حقك في قتلي ”
ويقول صلاح عبد الصبور ساخرا” هذا زمن الحق الضائع / لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله / ورؤؤس الحيوانات على جثث الناس / ورؤؤس الناس على جثث الحيوانات / فتحسس راسك / فتحسس راسك ”
يقول محمد الماغوط” اعطونا الساعات واخذوا الزمن / اعطونا الاحذية واخذوا الطرقات / اعطونا الينابيع واخذوا الماء / اعطونا البرلمانات واخذوا الحرية ”
والماغوط واحد من ابرز شعراء جيل” الغضب ” العربي الذين شكلوا” البت العربي ” / مع الفرق..وهو انهم وصلوا التاريخ بالحاضر وصلا نقديا . نذكر مظفر النواب ونزار قباني وامل دنقل…. اهم ما كتب مظفر” وتريات ليلية ”
يقول” في تلك الساعة من شهوات الليل / وعصافير الشوك الذهبية / تستجلي امجاد ملوك العرب القدماء /……… انبيك عليا : ما زلنا نتوضا بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف / ما زلنا نتعلل بالبرد وحر الصيف……. ما زالت شورى التجار ترى في عثمان خليفتها وتراك زعيم السوقية / لو عدت الان لحاربك الداعون اليك وعدوك شيوعيا “…..
قباني في شعره السياسي شعبوي بسيط وجارح جننته الهزائم والخيانات العربية واعتبر ان السبب هو كما قال اننا ” لبسنا قشرة الحضارة / والروح جاهلية ” وغالى في رفض كل ما هو عربي جارفا بشعره الأصل العربي ذاته حتى اتهمه بعض الكتاب بالشعوبية الجديدة. ( الكاتب والصحفي الاستاذ جهاد فاضل)…
اما أمل دنقل فشاعر جارح ومجروح كتب عن زرقاء اليمامة : ” ماذا تلدين الآن : طفلا ام جريمة ” وبعد هزيمة حزيران1967انفجر فيه الغضب إنفجارا جعله يعيد النظر في التاريخ البطولي الاسلامي نفسه فكتب ” مرثية جديدة على قبر صلاح الدين” وفيها يسميه ” قارب الفلين” يقول : ” ها انت تسترخي اخيرا / فوداعايا صلاح الدين / يا ايها الطبل البدائي الذي تراقص الموتى على إيقاعه المجنون / يا قارب الفلين / للعرب الغرقى الذين شتتتهم سفن القراصنة ”

هذه الأشعار وسواها كانت اشبه بنار أشعلها الشعراء في حطب الهزائم العربية / لكن ملاحظتي هي ان الشعراء العرب بعامة ساكتون على انتصارات المقاومة / هم المعتادين على الولولة على الهزائم
ولهذه الملاحظة بحث اخر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى