رسالة مفتوحة إلى دولة الرئيس نجيب ميقاتي
رسالة مفتوحة إلى دولة الرئيس نجيب ميقاتي
دولة الرئيس،
لقد سبقت بيننا عدة لقاءات وجلسات حديث مشترك، في أمور الشأن العام في لبنان وشجونه؛ ومن خبرتي في رغبتك في الاستماع إلى الآخر، ومناقشة ما تراه أهلاً للمناقشة، فإني أرى أن ما تفضَّلت به فور الإعلان الرسمي عن تشكيل الحكومة، من ضرورة تعاون اللبنانيين مع السياسة المقبلة لها، خطوة لا بدَّ منها للبدء في وقف التدهور الاقتصادي والعمل، من ثمّ، على تحسين الأوضاع العامة، وإخراج الوطن، تالياً، من هذه “الجهنم” التي نحن فيها.
إن اللبنانيين، ومنذ أكثر من سنتين، وأنت خير من يعلم ويخبر، يا دولة الرئيس، يعانون من شدِّ حزامٍ قاتل؛ لقد فقدوا أي حق لهم في التصرف بمدخرات أعمارهم، التي اإتمنوا عليها أهل المصارف في لبنان؛ وما برحوا، كذلك، يعايشون ارتفاعات غير متناهية في أسعار احتياجاتهم الغذائية والطبية والتربوية؛ ناهيك بمن يترك الوطن من أبنائهم، مهاجراً في طلب ما يساعد به ذويه من رزق على عيشهم في لبنان. ليس من شَدٍّ للحزامِ أقسى من هذا الشَّد، يا دولة الرئيس، ولا أصعب؛ ولا يحسبنَّ أحد أن الأمر قد وقف عند هذا الحدِّ، على الإطلاق. لقد وصل الحدّ، بشَدِّ الحزام، على المستوى الجَمعي، أن عديداً من المؤسسات المنتِجة، قد أقفل أبواب إنتاجه؛ وأن كثيراً من مكاتب الأعمال والخدمات والاستشارات، قد صرف كثيراً من العاملين فيه، لضعف المتحصِّل الانتاجي واليأس من الآتي من الزمن.
إننا في بطالة إنتاج، يا دولة الرئيس، كما نحن في بطالة عمل.
ولذا، يا دولة الرئيس، اسمح لي أن أخالفك الرأي، وبقوة؛ ولكن بكل احترام ومحبَّة، في مبدأ شَدِّ الحزام، الذي طرحت.
إن أي شدٍّ مُقبلٍ للحزام، لن يكون شدَّاً على وسطِ الجسم، للتقليل من المصروف، بل سيكون شدّاً لهذا الحزام على أعناق الناس؛ وهذا لن يعني إلا الموت الزؤام لهذا الشعب. وإني على ثقة، يا دولة الرئيس، أن وصول الناس إلى الموت الزؤام، أو حتى إلى تخوم هذا الموت، ليس من رؤيتك السياسية، وليس من مفاهيمك الوطنية، ولا يمكن، أساساً أن يكون، البتَّةَ، من قيمك الدينية والإنسانية.
أذكُر، يا دولة الرئيس، أنك كثيراً ما كنت تنادي بـ”التَّعادليَّة”، مفهوماً ومنهجاً وأسلوباً في العمل السياسي، كما في مجالات الشأن العام. ما رأيك، يا دولة الرئيس، أن نستأنس الآن بمفهوم “التَّعادليَّة” ومنهجها وأسلوبها، في عمل هذه الحكومة؛ وهي الحكومة التي استغرق الإعداد لوجودها أكثر من ثلاثة عشر شهراً، وصل خلالها لبنان وناسه، إلى خراب، لعل الخراب نفسه، لم يحلم به لهذا البلد.
أرى في “التَّعادليَّة” اليوم، يا دولة الرئيس، أن بعضاً يسيراً من شدٍّ للحزام، يكون في مقابل قيامة جديَّة للمحاسبة على كل قرش أسيء التصرف به، من المال العام؛ والمحاسبة على كل سوء إدارة في تحويل الأموال بالعملات الصعبة من المصارف في لبنان إلى الخارج؛ وكذلك المساءلة الحازمة في صحة ما يقال عن إدارة مشاريع وهمية وأخرى غير ذات جدوى، كلّفت خزينة الدولة المليارات. شَدٌّ إضافي، ولكن بسيطٌ، للحزام، يعادله، يا دولة الرئيس، العمل الموضوعي الجاد على قانون انتخابي، خارج القيد الطائفي، يراعي مبدأ النسبية، ويوفر تمثيلاً صحيحاً ومنطقياً عادلاً لطموحات بناء لبنان وطناً، هو بالفعل سيد وحر ومستقل.
دولة الرئيس، ستنهمك قريباً، مع لجنة وزارية لصياغة البيان الوزاري العتيد؛ فعسى أن تكون دعوتك إلى “التَّعادليَّة”، جوهر فلسفة هذا البيان؛ وأن لا تعتمد كثيراً، مع هذه اللجنة، على موضوع شَدِّ الحزام.
الحزام، يا دولة الرئيس، لم يعد أبداً عند وسط البدن؛ الحزام صار عند العنق؛ والشَّدُّ على العنق، سيقودكم جميعاً، إلى إماتة للناس خنقاً وظلماً؛ وإذا ما مات الشعب، يا دولة الرئيس، فلمن ستكتبون البيان الوزاري لحكومتكم هذه، بل من ستحكم هذه الحكومة، برئاستكم، ومن هم الذين ستدير شؤونهم، إذا ما صار القوم أمواتاً أو حتّى في عداد الموتى؟
بكل مودَّة وتقدير واحترام،
د وجيه فانوس
(رئيس ندوة العمل الوطني)
(رئيس المركز الثقافي الإسلامي)