في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” الحلقة -الثامنة عشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”
في الذّكرىَ المائوية”لمعركة أنوال المجيدة” 1921-2021 الحلقة -الثامنة عشرة – من – رواية “تحت ظِلال أشجَار التّين والزّيتُون”( سيرة بطل مُجاهد شهيد معركة “أنوال” الماجدة)
الدكتور مُحمّد مَحّمد خطّابي
“..قبل وصول فظمة ومنّوش بقليل إلى البيت التقيا مع أخيهما (مُوح) الذي كان نازلاً من أعالي هضبة جبل “دقيشّة” الشّامخ وهو يفتح طريقه بالكاد وسط شُجيرات كثيفة من الدّوم، وسَعف الجُمّار، والتّين الشّوكي، والصبّار. كان (مُوح) يحمل على كتفه الأيسر بندقيته ، وفى يده اليمنى كان يحمل أرنبيْن برّييْن مُلطّخيْن بالدم ، لونهماّ رماديّ داكن ،وبطنهما ناصع البياض، يُطلق أهل البلد على هذه الفصيلة من الأرانب البريّة (أزِيزْ) .
ظلت الأختان تنظران فى ذهول لما يتراءى أمامهما ، فهما يعرفان أنّ أخاهما (مُوح) لم يسبق له أن اصطاد أرانب من هذا النّوع من قبل ، كما أنهما يعرفان أنّ اصطياد هذا الصّنف من الأرانب البريّة يتطلّب مهارة كبرى فائقة لأنها معروفة بعدْوها السّريع ، وهي حيوانات في حالة شعورها بخطر يُحدّق بها تتميّز بقفزاتها المتكرّرة عندما تجري أو تفرّ هاربة دائبة فلا تتوقّف عن القفز والنطّ في كلّ اتّجاه حتى تختنئ في جحورها ، لذا فإنه ليس من السّهولة واليُسراصطيادها بالبندقية إذا لم تكن واقفة ثابتة في مكانها . بينما كانت دابّة أختيّ (مُوح) تقترب من المنزل، كان أخوهما يدنو هو الآخر كذلك رويداً ريداً منهما ، فلمّا التقيا قالت له اخته الصّغرى منّوش مُتسائلة :
-ما هذا أ يا ( أَرْجَازْ ) ؟ ..( ما هذا يا رجل) ؟
فأجاب ( مُوح) على الفور مُداعباً ومُبتسماً :
- لقد اشريتهما في قمّة الجبل من عند راعٍ كان هناك !.
فاجابته أخته الكبرى فظمة مبتسمةً هي الأخرى تقول :
-هذه مجرّد مُزحة منك، أليس كذلك ؟ ،ففي قمّة جبل ” دقيشّة” ليس هناك أيّ راعٍ، ونحن نعرف أنّك أنت مَنْ اصطاد هاذين الأرنبيْن البرّيين بدون شكّ .
أردف (مُوح) قائلاً لاختيْه :
-أجل صدقتما، إنّها أوّل مرّة أسدّد في الخلاء على هدف حيّ مُتحرّك من هذا النّوع بعد أن كنتُ فيما مضىَ أتدرّب فقط على الأحجارالصغيرة ،(تاحجورث)، فضلاً عن أوراق الصبّارالسّميكة، وثمار التين الشّائك، والحمد لله لقد أصبتُ الهدف فى الطلقتين اللتين اطلقتهما اليوم.
دخل (مُوح) وأختاه فظمة ومنّوش إلى حِصن المنزل ، وتقدمت إليهما الوالدة مهرولةً ومعها (مُوح) لمساعدة فظمة ومنوش لفسخ الحبل الذي ربطتا به رزم البرسيم المُحمّلة على ظهر الدابّة وإنزالها الى الأرض، لم تفاجأ الأمّ مثلما حدث مع ابنتيْها عند رؤيتها للأرنبيْن اللذيْن كانا في يد ابنها (مُوح) بل قالت له مبتسمةُ : - لقد تأكّدتُ اليوم ، أنك أصبحتَ قولاً وفعلاً وعملاً بارعاً في التسديد يا بنيّ ،فقد أصبتَ الهدف في الصّميم ،وإن كنتُ أعرف أنّ ذلك ليس بالأمرّ الهيّن البسيط ،ومع ذلك لقد كنت متيقّنة أنه ليس غريباً عنك أن تفعل ذلك وتصيب الهدف حتى وإن كان مُتحرّكاً ، فقد تدرّبتَ ما فيه الكفاية لتصيب هذه الأنواع من الحيوانات على الرّغم من سرعتها الفائقة،وتحرّكها، واختفائها بين الحشائش والشّجيرات المنتشرة في كلّ مكان ،إنّك تشبه أباك رحمه الله في هذا الأمر، فقد كان هو الآخر،بغضّ النظر عن عمله كفقيه مُعلّم ، ماهراً في فنون الرّماية ، بل كان بعض أصدقائه المُقرّبين في قريتنا أجدير يسمّونه ب ” شيخ الرمىَ” ، ابتسم (مُوح) ابتسامة خفبفة ثم ناول الأرنبيْن لأمّه قائلاً لها :
-اطمئنّي يا أمّاه فقد قلتُ باسم الله قبل أن أضغط على الزّناد وإطلاق البارود .
أمسكت الأمّ الأرنبيْن من رجليْهما السُّفلييْن وذهبت لتضعهما في المطبخ وهي تقول لفلذات أكبادها :
-هيّا الآن يا أولادي الأعزّاء لنتناول معاً لقمة من عيش الشّعير السّاخن الدّاكن (أغروم إيماندي) الذي أخرجتُه لتوّي من الفُرن التنّور مع البيض الطريّ المقليّ في الزّبدة (البلْديّة) ( ذروسّي) .. (يتبع).