ماذا تحتاج المدن أكثر من هذا كي تموت غيظا؟!
الأديبة مهى هسي
يا سيدي، لا شيء يوقظني من أحلامي صباحاً سوى ضجيج السيارات فوق جسر الرئيس المطل من كل الجهات. حقيقة حين أمشي فوق ذلك الجسر ويتبعني الأطفال أصحاب الركب السمراء، والبناطيل القصيرة، والأحذية البرتقالية اللون، أقصد..أصحاب بيع الورود، والعلكة، تنتابني رغبة واضحة ومحددة أقابلها بضحكة من التقى فجأة بروحه الحقيقية ولم يفاجأ، أن أمسكهم وأرمي بهم من أعلى الجسر .. للأسفل … تحت السيارات المحلقة وراء كذبة أخرى في أقصى المدينة، أساهم بدفعة صغيرة للعجلة المتوترة للأوهام السريعة التي تدوس الأوهام البطيئة، وهم سريع بعجلات يطحن وهماً واهناً على قدمين ويلتقيان في عالم آخر يسلم واحدهما على الآخر ويقول “ما عليك مؤاخذة، كنت أعرف نهايتي”.
الرغبة هذه تتلاشى مثل بخار عندما ألتقي بأصحاب نبش القمامة على آخر الجسر، أنظم علاقتي بهم كما يليق بمنظمة سرية، أفرز لهم القمامة: بلاستيك، زجاج، اوراق، طعام… كي لا يضيعوا وقتاً كثيراً وهم يبحثون في أسراري البيتية بوضوح وجلاء أكثر مما يفعل مراقب الهاتف المزعوم. أضع الكيس الاسود غير محكم الإغلاق مباشرة أمام أعينهم ، وأتقصد قطع الشارع ببطء مدركة أنهم ينتظرون اختفائي كي يفتحوا الكيس، أحب إطالة لحظات كبريائهم المجفف مثل ماء المزاريب على أسطح صدئة، وأراقبهم من آخر الشارع يلتقطون رزقهم بسهولة ويصنفونه باحترافية موظفي الموارد البشرية في المنظمات الدولية، نعمل بانسجام لأجل المدينة، تماماً مثل أفراد عصابة معصوبي الأعين، يخططون لسرقة بنك وينسون كيف كانت خطة الخروج.
يا سيدي، حسناً حسناً… ها عدت الى السرير لأحكي لك حكاية حياتي كي تحبني أكثر ، وكي أكرهك عندما تحبني فأقتلع شعر صدرك الذي تمرغت عليه سابقاً وأنت تضحك، كي تتمنى لو تطفئ سجائرك في أعلى ظهري حيث أحلم برسم وشم فاقع، وقبل أن تدرك أمنيتك أرمي نفسي من النافذة وأقنعك أنني الضحية، زعلت؟ انا لست ضحيتك انت، لكنني بالفعل ضحية الحياة السرية للمدينة والمصافحات تحت جنح الليل التي لا تدعني أراها لكن أسعى وراءها كي أفهمها ولا أفهمها. قل أحاول أن أحلم…
لا عليك…ربما لا يحدث هذا إلا في الأفلام لكن ألا يحق لنا أن نحلم؟ أو ربما أكتب… لكن… لعل الفكرة الأولى التي تخطر لناقد وجودي من الأصدقاء الرافضين لكل شيء هي أن الكتابة أيضاً وهم بطيء يتوجب أن يقتله وهم سريع وإلا تم اعتباره أملاً، وأنا لا أكذب! هي فعلاً كذلك، وقلت مراراً ارموا جسدي عن ذلك الجسر قبل أن يطلق أحدهم الرصاص على رأسي، فأعيد شريط حياتي وأصدع رؤوسكم بقصص حب فاشلة كانت تدفعني دائما كي أكتب، كمن يبيع علكة رخيصة ..وألفق الأكاذيب أسرع من آلة غزل البنات التي انقرضت وحل محلها أكياس معبئة بأوهام زهرية. كاتبة كسولة أصبحت… ماذا تحتاج
المدن أكثر من هذا كي تموت غيظاً؟