أدب وفن

باقة قصائد بقلم العلامة الشيخ حسين أحمد شحادة

لا شيء في يدي
غير أوتار المسافة
وناي يخففّ عني عبء الذاكرة
يا فيض حزني
وهذا المدى
وأنبياء الزمان استقروا
تحت زرقة سقطت فوق زرقة الموج
كل في بطن حوته
كلمّا غام في صدري حلم
وجدتني وحدي في عراء الصور
فأخذت طريقي سربا
الى البحر بين غرب قصي وشرق
على عكس ما قيل عنه
يا والدي تغبرّت خرائط الكتب المقدسة
واستراح النسيان إلى النسيان
وآن لي أن أنصت
لأرخبيل السمفونية الخامسة
بدهشة أقلّ من صرخة بلقيس
على قوس أنوثتها
كأنّ الحبّ وهم في بلادي
والأنوثة شوكة الحياة
هرمت ما أبعدني عن صنعاء
وما أبعد دجلة عني
لا بدّ مني
وحلمت بغيمة أوسع من لغة المطر
ها .. هنا
لا النخلة كما يجب أن تكون
لا الشرق سماوي
ولا القدس كما ينبغي أن تكون
يا ميم السماء الغامضة
تغيرّ التاريخ
وليس إلا الموت
يطارد الموتى
في ذهول عربي يطأطيء رأسه خجلا
سلام لبيروت
وللمماليك تغيير الخرائط والجهات
ماذا عن وجهك ..؟
وماذا عن زفرة الأسماء
على هذا الرصيف العاري ..؟
إلا من بائعة الوقت
وهذا المساء
لم يأت تشرين الثاني
ولَم يبق من دنياي
في وحشة الطريق إلاك
فتغيرّت
وتعلمت لتوي أدب الصمت
لاقناع الأسماك المتشردة في هوة الماء
أنّ الأمواج الثائرة آمنة
وأنّ الشيخ الصياد في وجل
حمل الصنارة لمحاكاة الصيادين
لكنّ الريح كانت تسرق أحلامه
وانتبه
لم ينتبه لمراكبه المتكسرّة
ولَم يلق في وريد القصب
وليمة تغري البحر برشوة من خبز ودم
فاشتعلت سحب المرجان
حالمة بكل رسائله
والشيخ كالذي أصابه مسّ وتنهد
حديثيني يا بيروت
ما الذي أطفأ في المدينة
أزهار العشاق وضحكة بيسان
فارتدتها غولة الصحراء
وارتدتني سيوف الأوس والخزرج
كي أبقى على شكل خيمة
وإذ ذاك أدركت شكل الغريب في الوطن
وها يا نون الأرض
أتيت اليك من سماء في شجن
فاطمأنت لسهل حالتي حمامة بيضاء
حطّت على روحي وألقت نظرتين
إلى الأفق البعيد
فاغتمّ قلبي واعتذر
إنّ الأرض في طولها وعرضها
لا تساوي دفء ليلة واحدة
تفردت بأحزان الصلاة
ولَم يزل نزف قلبي في حقول القرى
يركض ركض طفل
خلف يمامة عابرة
حطّت على روحي مرتين
ولَم تعد
مرّة على شطّ بيروت
ومرّة لا تقال
🌾🎵🌾🎵🌾🎵

أجرّ خلفي وداع السنين
وأعدو بتباريح رؤياي
نحو صنوبرة تهمي إلى شتاء آخر
يغلّف الفراغ بعطر توسط فكرة الجدل
بين زمانين تصادى فيهما العبق
على صخرة واحدة
لكأني مسلوب المشيئة
ولَم يتسع جمالها للأرض
فحجبتها عن أعين لا ترى في البحر
إلاّ التملق لخدعة السماء
هكذا تخيلت ترحالي إلى مسقط الشمس
حيث المسافة بيننا مجرد موعد غريب
وذكرى جميلة لالتقاط الصور
أدق رأسي على عدد شعر رأسي بالجدار
ليصعد الغيم بلفافة قلبي
وانتبهت إلى قيثارة تراود مقهى الرصيف
هل مرّت بك الحمراء
ما الذي تسمعه حين لا تراها
في هذا الطريق الموحش تتبع ظلك
يا هذا الغريب
لم يبق من الريح الا غزالة الصوت
تقدّس الصوت في أوتار حزن
يلملم أشياءها الصغيرة
ويحلم بلهفتها الأخيرة
كأنّ يداً من قصر الحمراء
تمتدّ إلى جبهتي
وليس في فوانيسها الصفراء
إلا ما يهيج الذاكرة
وشميم من آخر ميم سقطت
من معجم الحبّ على نبض قلبي
فارقعي من شرفة الروح
قمر الحنين إليّ
هنالك سأعتلي سروة التاريخ
كما يحدث عادة في كل العصور
قبل توزيع الهويات القاتلة
ولهذا يموت المثقلون بالأسئلة
سيدة الوقت
شيبتي سورة هود
وألقيت في البئر هذا الحجر
نسيت الجهات
لا أريد من الأرض
أكثر من كوخ لصلاة الليل
تهجد قلبي
لك شقائق الروح وقبلة الحلم
يا ليل غرناطة بقميص نومها
يوشوش سرّي بالتعاويذ
ويسألني
كيف احتملت هذا الفراق
وهذا حنيني إليك يسافر بعينيك
كلمّا فاض فيهما وجهي البعيد
رأيت غرناطة تجدل ضفيرتها
وتنأى بفجر ..! يوقظ الظلام
وتنسى خيولها فوق رمل الزبد
🌾🎵🌾🎵🌾🎵

كيف أقول ليابسة الروح
أنت مخضرّة
وتبدو مريبة
وأنت في حالتيك مريب
الأرض قنطرة الغياب
والوقت يفتح لك الوقت
فيافي الرماد
وتأتي مصادفة بين الغناء والبكاء
إلى حيث يولد الأطفال عنوة
أو بأوراق رسمية
عند تخم من بساط الورد
أو على حقل من الألغام
لا فرق
فأنت موجود بمنفاك لتكرار الكلام
وتكرار الخطايا ذاتها
ما أبعد اللغة عن القصيدة
ما أبعد الشرق
عن أبجديات السلام
والغرابة أن ترى الأرض بعينيك طريدة
ولا شيء في دمك إلاّ النار
تنهش جسمك المتشرّد بين المآذن
فماذا فعلت
فنامت في سريرك المدن المطفأة
ومضيت بأحلامك الى الهاوية
وانهرت عقلك ضد الظلام
وضد اليقين الأسطوري
وضد العبث
وأكلت آلهة التمر
فاتحاً شباكها عليك
انتهى الوقت
يا أيها المتشوّه بين فسطاطين
لا طريق للرجوع إليها
ولسوء حظك أن تولد من دم مقدس
لا تتغير في شرايينه وجهة النظر
أو وجهة النزيف
اختلف الزمان عن المكان
فاشتعل بهذا الرصيف أو ذاك الرصيف
وتخيّل أنك مرسوم على صورة عدوك
سيان أمرك
إنها الأرض
ممهورة بصلصالك لكي تخدعك
وبعد هذا الخراب الممدود عليك
من أنت ..؟
لا تمش في الأرض جباراً
ولا تمش في الأرض وحيداً
من مبكى إلى مبكى
ومن جدار إلى جدار
فاركض وراء خيط من دموع أمك
يا أيها الدرويش
هي الأرض مفطورة على إسمك
لتكون مهدك
ولَك ما عليها كلها لتكون زينتك
يا أيها الفيلسوف الغريب
منحتك الأرض وجهين للحياة
وقمراً لفراشك
وعينين لميم القلب
ولمياء للمسافة
فانتشر كالضوء في ليلها وأسأل
يا أيها المطرود من جنته
كيف ضاقت عليك الأرض بما رحبت .؟
فلتسقط الحدود
هل يا ترى تسقط الحدود .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى