محطات في أدب و حياة إدغار آلن بو

قبل الخوض في هذا المقالة عن الكاتب و الشاعر الأمريكي إدغار الين بو ، من الجيد استعراض محطات و أمور مثيرة للجدل من حياته ، دعونا نبدأ بحبه الكبير للقطط التي كانت في بيته و يقال ان تلك القطط كانت تصاب بالإكتئاب عندما يسافر ….أما كاترينا قطته الحبيبة فقد ماتت بعد موته بقليل . و قد كان ايضا سباحا ماهرا و يقال انه توصل ان يقطع مسافة ١٠ كلم سباحة في نهر جايمس.مما منحه شعبية واسعة بين النساء بالإضافة إلىالشعبية التي حصدها بفضل موهبته الشعرية . و كما من الجدير ذكره التحدي الذي فرضه على نفسه في قصيدة ” الغراب” الذي آثر أن تكون من ١٠٠ سطر لكنه نجح بكتابتها و قد وصل فيها إلى ١٠٨ سطر .و أما القصة الأغرب هي ما رواه في روايته الوحيدة التي تتحدث عن طاقم سفينة يضطر إلى أكل أحد أفراد الطاقم و يدعى ريتشارد باركر بسبب الجوع و فقدان المؤن ، الغريب أن هذه الرواية كانت مصدر نبوءة عن المستقبل، ففي عام ١٨٨٤ حصل الشيء نفسه في الحقيقة و قد قام الطاقم بأكل أحد الأفراد و تطابق اسمه مع اسم البطل الذي ذكره إدغار آلن بو في روايته….!!!
اختيار عمل أدبي واحد للكاتب آلين ادغار بو هو صعب جدا ، لأنه المؤلف الذي اثرى نتاجه الأدبي عالم الأدب لذلك سوف نتناول اليوم بعض جوانب هذا الأدب .
الكاتب بو ليس فقط الكاتب الأكثر غموضا في الولايات المتحدة بفعل ما تتضمنه قصصه من مؤامرات مروعة و لكن ايضا بفعل الظروف المتناقضة التي تحيط بحياته :هو اليتيم ، المذلول و المهان من قبل عائلته بالتبني،و المدمن على الكحول و الأفيون.
و قد تكون المآسي التي عصفت بحياته أشد و أعتى مما جرى مع ابطال قصصه.
بشكل لا يقبل النقاش يعد نتاج ادغار بو مرجع لا غنى عنه في الأدب العالمي ، و إليه يعود الفضل في كتابة القصة البوليسية ، على الأقل ذاك النوع الأدبي الذي نشط في الولايات المتحدة و انكلترا و قد تغذى عليه كل آغاتا كريستي و كونان دويلي. و كذلك تحتل مكانة كبيرة في أدب الخيال العلمي و كذلك القصة القصيرة الحديثة و قصص الرعب . كما أنه كان من أبرز الشعراء الرومانسيين و قد ساهم في نهضة الشعر الحديث ،
من أجل فهم أعمال ادغار بو لا بد من القيام بمراجعة و المرور على سيرة حياته التي تتجاور مع جميع أنحاء أعماله الأدبية، الين ادغار بو ولد في بوسطن، ماشاتشوستس من الأب دافيد الين الذي كان ممثلا و قد توفي عندما كان عمر الين ادغار بو سنة واحدة و أصيبت امه اليزابيت ارنولد بالسل و توفيت بعد وفاة الوالد بسنة واحدة أيضا، كان للزوجين ثلاثة ابناء مما استدعى توزيع الأولاد بعد موت والديهم على عائلات مختلفة ، ويليام الكبير بقي مع اجداده، الفتاة روزاليا تبنتها عائلة من الجوار ،و اما الين ادغار بو فقد تبناه تاجر تبغ يدعى جون الين من أصول اسكتلندية، و زوجته فرنسية ، السنوات الأولى لألين ادغار بو قضاها بين بريطانيا و اسكتلندا و تلقى دراسة ذات جودة عالية و بات يتقن اللاتينية و الفرنسية ، و حين بلغ من العمر ستة عشر عاما انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية و تسجل في جامعة فرجينيا .
علاقة ادغار بوالده بالتبني كانت متوترة جدا ، الوالد كان يرغب أن يعمل ادغار في تجارة العائلة، لكن الصبي كان قد بدأ منذ الثالثة عشر بكتابة الشعر الذي كان يجري في شرايينه، و لكن جو الين رفض أن يدفع مصاريف الجامعة و بحسب السيرة الذاتية للكاتب ، يقال ان ذلك هو أحد الأسباب التي دفعت ادغار بو إلى دخول عالم القمار و الرهانات، و تراكمت عليه الديون.
حبه الكبير هو ل سارة جارة له ،،لكنها تواعدت مع شخص آخر مما سبب له كبير الحزن ، عام 1827 عندما كان قد نشر أول كتاب للشعر ، انتسب إلى صفوف الجيش في “النقطة الغربية” و عندما خرج كرس كل وقته للكتابة كتب الشعر و القصص و نشر العديد منها و شارك في العديد من الصحف لكنه ظل في حالة مالية صعبة و ادمن أكثر على الكحول و الأفيون.
عام 1835تزوج بإبنة عمه التي تبلغ من العمر فقط ثلاثة عشر عاما، و تعرض للنقد اللاذع بسبب ذلك , نال الكثير من الشهرة و الهيئة في عالم الفكر الى ان انتقل عام 1844 الى نيويورك و توفي بعد خمس سنوات من ذاك التاريخ .
بين الجوانب العامة لأعمال ادغار بو الأدبية يمكننا تقسيمها إلى أنواع مختلفة : البوليسية، المروعة الخيال العلمي، التشويق النفسي و الساخر. اما في الشعر فإن الحبكة الشعرية فإن القارىء سوف يجد بشكل كبير مصدر الإلهام هو الأفيون .
كما وضوح الصراع بين الحب و الكراهية ، النهايات دائما لا يتوقعها القارىء ، الكاتب دائما مجهول، لا يعرف عن اسمه، و يظهر بوضوح الصراع بين الأنا و الأنا البديلة.
في قصة” منزل أوشر- la casa usher” مثلا القاص يزور منزل صديق بعد استلام رسالة مقلقة تدعوه إلى المجيء فورا . عند وصوله ينتبه إلى الحالة المزرية التي تخيم على هذا البيت و تنتابه حالة من الحزن ، صديقه يخبره أن أخته التوأم تعاني من مرض خطير و سوف تموت قريبا ، خلال وجود القاص في البيت يرسم لوحات رعب و يكتب قصائد حزينة و خيالية ، و عندما تموت الأخت يقرر اخوها أن يبقيها لمدة ١٥ يوما في القبو ، في ليلة عاصفة و أثناء قراءة القاص لصديقه كتاب المجنون الحزين ل لانظاروت دي كانينغ، سمعا أصواتا و ضجيجا غريبا له علاقة بما كانا يقرأان، قال الصديق ربما هي اخته …!! هبطا إلى القبو و إذا بالفتاة تسبح في بركة من الدماء .
قصة أخرى من قصصه المزعجة و هي القلب المنبه، el corazón delator , و هي تتكلم عن الاضطراب العقلي و البارانويا و الشروط النفسية عند القاتل ، القاص يخبرنا أن القاتل سريع الإنفعال و الغضب ،لكنه ليس مجنونا ،و انه اقترف جريمة ، فقتل جاره العجوز صاحب العين المشوهة ، و بعد ذلك قرر تقطيعه ثم خبأته تحت منصة المنزل ، عندما جاءت الشرطة،ظاهريا ، كان كل شيء عاديا إلا أن سمع القاص ضجة كبيرة : قلبه الذي كان يخفق بشكل فظيع ، فما كان منه إلا أن انهار و اعترف بجريمته…لأنه لم يتحمل ضربات قلبه.
ألين ادغار بو انتقد بشدة و أشيد به بشدة قاموا بدراسته كثر من المفكرين و النقاد ، و لكن المؤكد انه ترك بصمة لا تمحى في عالم الأدب ، انتوني ماري قال : نصوص آلن ادغار بو تؤثر في عمق الإحساس و خاصة بما يملك هذا الإحساس من الغرائزية و اللااواعي ،و هي تؤثر بشكل سلبي ، أي أنها لا تحفز على الفعل و لا على تأكيد شيء اطلاقا، و لا تحفز اللذات الفورية للخيال , بل على العكس تماما ، فهي تحفز على تعليق مؤقت للحيوية، و على انعكاس سيطرة قوة المجهول و قوة ما يتجاوز حدود المعرفة علينا …

ترجمة و اختيار: سمية تكجي/ المصدر:el espectador