كأنك لم تسمع بكورونا…/ قصة قصيرة/ علي حسين عبيد
كما يحدث دائما، صباح كل يوم، أصل سوق الحي، أدخل من الباب الجانبي، أتأمَّل بائعة الخضرة، كسارق يحرص أن لا يثير انتباه المسروق، خدها يبدو لي كالهلال، حركة يديها وأصابعها وهي تبيع الخضرة تبدو متشابكة، رقيقة تشبه حركة أطفال المدارس، أسحب نفَسًا عميقا، أنتشي بعمق وأنا أتابعها، أحيانا يمضي كثير من الوقت وأنا مستغرق في حركة يديها، ثم أتحرك إليها، عندما أقف أمامها وجها لوجه، تكف عن البيع، تكف عن الحركة، تهبط عيناها إلى الأرض، وينطفئ الهلال، فيبدو خدها كسماء رمادية، أطلب منها كميّة من الخُضرة مثل الناس، لكنها لا تستجيب، كأنها لم تسمعني، كأنها تعرف أنني أتيت كالعادة كي أسرق ضوءها!!……….
هي لا تعرف أنني أتمتع بنزق الأطفال، وإرادة العشاق، ولهفة الظامئ إلى الحب، وعندما تعرف أنني لن أغادرها، ترفع وجهها وتنظر لي من زاوية عينها الزرقاء، ثم تنظر في عينيَّ مباشرة، لحظتها أبدأ أشرب ماءً زلالاً من عينها، فيذهب الظمأ، أمدُّ لها يدي، آخذ حصتي من الخضرة، أترك قلبي بين يديها، وأبتعد مرغما..
هذا الصباح تبدو السوق مظلمة، الهلال منطفئ، بل لا وجود له، الشيخ الذي يقف في مكان بائعة الخضرة، يشبهها في العينين فقط، ويبدو طاعنا في الوجع، الخضرة ذابلة، لا أحد يقترب من الشيخ ولا من الخضرة، العينان الزرقاوان لا وجود لهما، الهلال نائم، موجات من الظلام تقتحم قلبي…. شيء ما سرق بائعة الخضرة..
أقترب من الشيخ، ألقي عليه تحية الصباح، في صدري يموج بحر من التساؤلات والقلق، حاجة لا أستطيع تجاوزها تدفعني كي أسأل الشيخ عن بائعة الخضرة، أين هي لماذا يخلو السوق من ضوئها؟، ينظر لي منكسرا وبعد صمت يقول:
كأنَّك من كوكب آخر، كأنك لم تسمع بكورونا……..
شاعر و روائي عراقي