د. محمد مسلم جمعة يقرأ في ديوان “عابر يواريه الضباب” للشاعر شوقي مسلماني
جديد الصديق الشاعر شوقي مسلماني “عابر يواريه الضباب “ديوان شعر أم موسوعة شاملة للشعر والأدب والتاريخ والفلسفة وعلم الفلك ، وكما قال الجاحظ الأخذ من كل شيء بطرف .
صالح صديقنا ما بين الأصالة والحداثة ، أصالة تجدها في كل كتاباته وتوجها كتابه ” كونين -لطائف و طرائف ” وهذه الأخيرة تلازمه في كل كتاباته حتى باتت سمة مميزة لأسلوبه في الكتابة .
وبالعودة الى جديده “عابر يواريه الضباب “تطالعك صفحاته الأولى بنظرة للحياة والموت من خلال حادثة الباخرة “تيتانك” والحكمة بأن اذا لم يكن من الموت بد ،فلتكن ميتة مبتهجة وعلى وقع الموسيقى ،هذا مشهد وتتابع المشاهد التي تحمل عبرة .
كما هو الحال مع العجوز الفلسطينية ،التي تحتضن جذع الزيتونة ، وهي بمثابة طفلها المدلل ويظهر المشهد قوة وصلابة الانسان في المواجهة دفاعاً عن أرضه والتمسك بها .
ويتخذ من شخصية تيمورلنك ،نموذجاً للحاكم الاله الذي تسبح الناس بحمده وتطيعه طاعة عمياء .
ولم تسلم النخبة ذات الباطن المغاير للظاهر من تشخيصه لها ،كذلك الدولة العصابة والمثقف المنارة بحسب الراسخون في الطيبة ..وهنا أدركت ما يعنيه بعابر يواريه الضباب فيبقى العابر خافياً على المشاهد حتى ينجلي الضباب فيظهر على حقيقته.
” حفارو الخنادق
نحن الضحايا،نحب الحياة
ونعبر عن هذا الحب بالرقص
في جنازاتنا “.
ولغة المتضادات لازمة ترافق صديقينا شوقي كيعلم ولا يعلم ، يحلم ولا يحلم
يلمس ولا يلمس
يبتعد ولا يبتعد .
ينتقل من المتضادات الى تحقيق صفات الفصول وما يلازم كل فصل من صفة تميزه عن غيره فصفة الصيف هي الكرم على سبيل المثال .
ووضع اليد على الحكمةالكامنة في التعابير الكلامية كالتعبير عن مسالة الحياة أو الموت ،فالمسألة ليست بديهية والقهر ليس عفوياً ، ينتقل ليشير بأن المواقف ليست بنت ساعتها انما لها أبعاد أو جذور كما ارتأى فجذور الفقر في المؤامرة.
عزلة لها جذور
ما قبل الرشوة وما بعدها
احتجاجات فاشلة
أنياب البنك الدولي ،صندوق النقد الدولي
ولا مبالاة المتعولم .
وله مع الطغاة وقفة وباعة وتجار وسماسرة ،طغاة محليون ورعاتهم طغاة دوليون .
فالحداثة لها تجلياتها وان كانت بعيدة في مجتمعاتنا عن موطنها الأول حيث عايشها شاعرنا وتمكن من المقارنة والمقابلة مع الأصالة.
وللحكمة دورها ،التي تناولها من نافذة الظاهر والباطن فالحكمة لا تكون بحب المعرفة ،انما في اتزانها ، التوازن ما بين الشكل والمضمون ،وما بين الظاهر والباطن ،والمعنى والمبنى .
“يوم في القلب الكبير والعقل المستنير ،خير من علم سنة “.
هذا وقد أولى شاعرنا اهتمامه للانتهازية ،كالذين يبيعون عواطفهم بالمال أو مواقفهم لقاء وظيفة او الذي يشتري العواطف .
فلا قيمة للثقافةاذا لم تكن ملتزمة بهموم الناس وقضايا العصر ، ودور الثقافة أن تبقى الحارس الأمين للمعرفة.
هنا يأتي دور الدولة وهي نتاج المجتمع ،فهي تلازمه تنمو معه وتتغير بتغيره وفق تغير نظام انتاجه ودور القوى المنتجة.
وهنا لابد من التعامل مع المرجعيات ،التي يلبسونها ثوب القداسة كجعلهم ماركس نبياً ولينين صنماً “ومن المادية ميثولوجيا مضادة “.
كان للعلوم نصيبها في سفر صديقنا شوقي مسلماني ،التي حياها على تنوعها ، كما أولى الغريزة الحيوانية رعايته واهتمامه فتوقف عند غريزة البعض منها :الكلب يرفع ليبول والقط يحفر ويطم ….الخ.
كما أشار الى ظاهرة النفاق في المجتمعات ، كالذي يكون في الظاهر ماركسيا وفي باطنه رأسمالياً أو بالظاهر مع محمد وبالباطن مع أبي جهل.
وللحكمةًنصيبها في الكتاب الموسوعة ،وطرق بابها من عند سقراط الذي أدلى بشهادته أمام تلاميذه
” الآلهة لاتثور حين تغضب
لاتعاقب فوراً ،بل تتركهم وشأنهم
ليعاقبوا بعضهم بعضاً”.
كثيرة المشاهد في كتاب صديقنا الشاعر شوقي مسلماني ،وان دلت انما تدل على اختمار تجاربه في الحياة وهضم ما تراكم لديه من علوم ومعرفة ،على تنوع أبوابها وهنا يطرح قضية من نفذ به حكم الاعدام هل يعتبر شهيداً ؟ فيحيلها على القضاء ،
ومن المشاهد اللافتة ، لصوص المعبد
“كان المعبد حصناً لعموم طبقة اللصوص
يروض الفلاحين بالوعظ ويقول :”النظم الأرضية مشيئة الهية “يطالبهم بالخضوع للسادة
واعداً الخراف بالخلود ،ومهدداً العاصين بالعذاب الأبدي “
أما العلم الطبيعي “أفلت من قبضة المعبد ،يوم بدأ تعيين مجال لحيوية العقل وآخر للنقل “.
يتكرر المشهد الانساني في مواضيع الكتاب
“أمسك ضعيفاً يتحدى ضعفه
أذاقه مر الصعق بالكهرباء في قبو مظلم
مر التغطيس في حوض الدم الى فتحتي الانف
مرّ تخليع الأظافر وتحطيم الأصابع لكي يلين لسانه
واستجلب أخيراً من الشارع عابراً
وشنقه أمامه ،منتفضاً حتى سكن تماماً”
ثمة مشهد الأشد تعبيراً على مراوغة الحاكم وخبثه ك “اشغال الناس واجب ،كي لايبقى لديهم
وقت للتفكير ،اذذاك تكتمل مواصفات الحظيرة “
نجد تأثير العلوم الطبيعية على تفكير صديقنا شوقي أو ثقافته الواسعة ،سمحت له في الغوص المتنوع لمختلف فروع المعرفة كما هو الحال في ذكر صفات المخلوقات ك صفة السم للحية والناب للأسد وصفة الشمس الحارقة للصحراء والرقة الصفةالملازمة للقمر .
وعلى نفس النهج تعامل مع ذكر روح النباتات ك روح زهر الليمون والتفاح والصنوبر والرمان الأحمر والدفلى ،الكرز ، الفريز ،الشمام ،البطيخ …الخ
بعد هذه القراءة المتأنية لكتاب “عابر يواريه الضباب “لصديقنا الشاعر والأديب الموسوعي شوقي مسلماني وهو صاحب تجربة جديدة في مقاربة الشعر ،خارج المألوف ،فهو تحرر من كل ما يقيد حركة فكره في التعامل مع قضايا معرفية متنوعة المواضيع ،عنيت من بحور الشعر والتفعيلة فهو من جماعة التجديد في الكتابة الشعرية وما ساعده على ذلك معايشته للحداثةً الغربية التي صالحها مع أصالة نشأ عليها ولم يدر لها الظهر .