واقع جراحات القلب في لبنان والعالم في العام 2022 (الجزء التاسع)
واقع جراحات القلب في لبنان والعالم في العام 2022
(الجزء التاسع)
مقاربة لما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية من خلال متابعة تجربة (Cleveland Clinic) خلال ال 25 سنة الماضية!
نستكمل حديتنا حول ملف الجراحة القلبية في العام 2022 ونسافر اليوم عبر المحيطات لنتكلّم عن واقع جراحات القلب وعلاجها في العام حالياً في الولايات المتحدة الأميركية، عبر تحليلنا لأهمّ ما ورد في آخر تقرير يتناول الواقع الحالي وتوقعات المستقبل واهم التطوّرات التي حدثت في هذا المجال في ال 25 سنة الماضية والذي صدر منذ فترة عن واحد من اعرق واهم المراكز الذائعة الصيت اميركياً وعالمياً، الا وهو مركز كليفلاند كلينك (Cleveland Clinic). وهو تقرير يعطي فكرة عن اهم المتغيّرات التي حدثت في مسارات علاج امراض القلب والشرايين في ذلك المركز وبالتالي في الولايات المتحدة بشكلٍ عام لأن المعطيات والأساليب والبروتوكولات المُعتمدة في ذلك المركز الرائد تُعطي فكرة كاملة عن الإتجاهات المُعتمدة في معظم انحاء البلاد وان كان هناك بعض التفاوت في الإمكانيات البشرية والمالية بين مركز وآخر وولاية واخرى وبحسب التغطية الصحية ونسبة الفقر وما الى ذلك من معطيات، تجعل إمكانيات الوصول الى العلاج غير مُتجانسة بين ولاية واخرى ومركز طبي وآخر .
1-مركز كليفلاند كلينك (Cleveland Clinic) : هو مركز طبي اكاديمي أمريكي غيرُ ربحيٍّ ذائع الصيت اميركياً وعالمياً. مَقَرُّهُ في كليفلاند، أوهايو وتملكهُ وتديره مؤسسةُ “كليفلاند كلينك”، وهي مؤسسة غير ربحية تأسّست في أوهايو في العام 1921 ، وتُدير حرماً اكاديمياً مساحته 69 هكتاراً في كليفلاند، بالإضافة إلى 11 مستشفى تابعاً، و 19 مركزاً لصحة الأسرة في شمال شرق أوهايو ، ومستشفيات في فلوريدا ونيفادا إضافة الى مستشفيات اخرى خارج الولايات المتحدة منها مستشفى مهم في “ابو ظبي” في الإمارات العربية المتحدة .
ويحتلّ برنامج طبّ القلب في كليفلاند كلينيك المرتبة الأولى على مستوى الولايات المتحدة منذ عام 1995.
وفي العام 2017 احصت معطيات
كليفلاند كلينيك، 7.6 مليون زيارة للمرضى و 229.132 حالة دخول اليها من اجل التشخيص او العلاج. وكان لدى كليفلاند كلينك أكثر من 67500 موظفاً بحلول عام 2019 ، وهو رقم يشمل أكثر من 17000 مُمرضة مُسجلة ومُقدّمي المُمارسات المتقدمة وأكثر من 4520 طبيباً وعالماً في 140 تخصصاً.
ويُنظر إلى كليفلاند كلينك بإستمرار على أنها أحد أفضل أنظمة المستشفيات في الولايات المتحدة والعالم، وتحظى بتقدير جيد خاصة في أنظمة الإدارة التكنولوجية.
وفي 2020-2021 ، تمّ تصنيف كليفلاند كلينك على أنها المستشفى رقم 2 في الولايات المتحدة من قبل تقرير أخبار الولايات المتحدة والعالم, خلف ال مايو كلينيك (Mayo Clinic) في مدينة روتشستر في ولاية مينيسوتا. وتمّ في تلك الدراسة النظر في إجمالي 4656 مستشفى في 12 مجالاً تخصّصياً طبياً وجراحياً رئيسياً تعتمد على البيانات وأربعة مجالات تخصّص إضافية ، إضافة الى عملية جمع البيانات حول سلامة المرضى، ومقاييس الأداء الطبي والتمريضي، ومعدلات المضاعفات الجانبية والوفيّات. وتمّ تصنيف كليفلاند كلينك على المستوى الوطني في 14 تخصّصاً للبالغين و 10 تخصّصات للأطفال. وتمّ الاعتراف بها على أنها المستشفى رقم 1 في أوهايو وفي منطقة كليفلاند الحضرية. كما حققت أعلى تصنيف ممكن في 9 عمليات أو امراض مُحدّدة: تمدّد او إنتفاخ الشريان الأبهر، إصلاح وعلاج الصمام الأبهر، علاج مرضى الإنسداد الرئوي المزمن, جراحة سرطان القولون، جراحة الشراين التاجية للقلب, علاج الذبحة او السكتة القلبية, عمليات إستبدال الورك, استبدال الركبة وجراحة سرطان الرئة. بالإضافة إلى ذلك، فقد تمّ وللعام الرابع عشر على التوالي تصنيف كليفلاند كلينك كأول مستشفى في الولايات المتحدة من حيث طبّ القلب و عمليات القلب كتخصص. كذلك، في مارس 2019، قيّمت مجلة نيوزويك كليفلاند كلينك كمستشفى رقم 2 في العالم، خلف Mayo Clinic إضافة الى مستشفى سنغافورة العام.
2-اهم التطوّرات التي شهدها طبّ وجراحة القلب في كليفلاند كلينيك خلال ال 25 سنة الأخيرة:
اذاً وكما ذكرت سابقاً، في نشرة جديدة صدرت عن مركز كليفلاند كلينيك، قام اهم الأطباء والخبراء العاملون في المركز بتلخيص اهمّ ما حصل من تطوّرات علمية على مستوى طب وجراحة القلب في هذا المركز بشكلٍ خاص وفي الولايات المتحدة والعالم بشكلٍ عام خلال ال 25 سنة الماضية وما هي التطورات المُمكنة لاحقاً. ولذلك وجدت من الضروري عرض ومناقشة اهم ما ورد في هذا التقرير لأنه يعكُس بشكلٍ دقيق اهم المحطّات التي مرّ بها طبّ وجراحة القلب في هذه الفترة وما هو مستقبل هذين الإختصاصين.
وفي ما يلي اهمّ ما ورد من متغيّرات وتطوّرات وما هو المُتوقّع لكل نوع من انواع امراض القلب طبياً وجراحياً كما ورد في التقرير اعلاه وعلى لسان اهم الخبراء الذي عملوا على تطوير البرامج العلمية والبحثية او الذين كان لهم تجربة وخبرات طويلة في تطوير كافة المجالات والتقنيات في هذا المركز. ويُجمع الخبراء الى انّ اهم حدث حصل في هذه الفترة هو تطوير التقنيات والعلاجات الأقل غزواً وتغلغلاً (Minimally Invasive Treatment): وذلك سواء بواسطة الجراحة او من خلال أستعمال التقنيات التدخّلية التي لا تعتمد على الجراحة اصلاً.
ويقول (Lars Svensson) ، رئيس معهد سيدل وأرنولد ميلر لطب العائلي وللقلب والأوعية الدموية في كليفلاند كلينك: “كان التغيير الأكثر لفتاً للإنتباه على مدار الـ 25 عاماً الماضية هو توسيع نطاق “الأساليب الجراحية البسيطة او الأقل غزواً وتغلغلاً ” للجسم، اي تلك التي لا يعمد فيها الجرّاح الى فتح القفص الصدري بالكامل. وقد أدّى ذلك إلى زيادة قدرة المركز على رعاية المرضى الضعفاء صحياً وكبار السن بشكلٍ كبير ، وتقليل فترات الإقامة في المستشفى وتقليل الحاجة إلى الجراحة المفتوحة بشقٍ كبير لمجموعة واسعة من الحالات. وقد ادّى ذلك أيضاً الى تحسين رضا المرضى وتعافيهم السريع وقدرتهم على العودة إلى نمط حياتهم السابق بسرعة فائقة.
وقد أشار الدكتور (Svensson) إلى أربعة مجالات كانت فيها نقطة التباين بين العلاجات المفتوحة Open Heart) Surgery with Conventionel (Sternotomy والمعالجة الطفيفة التوغل ديناميكية وتقدّم كبير بشكلً خاص في اربعة مجالات:
أ-جراحة الشرايين التاجية للقلب او ما يُعرف كما قلنا سابقاً بزرع الجسور الأبهرية-التاجية للقلب او جراحة المجازة القلبية.
ب-عمليات إستبدال او تغيير الصمام الأبهر للقلب للقلب.
ج-جراحة ترميم او إصلاح تمدّد وإنتفاخ الشريان الأبهر في الجزء منه الموجود في الصدر او في البطن.
د-دراسة الفيزيولوجيا الكهربية للقلب وعمليات زرع بطاريات القلب والأجهزة الصادمة الداخلية.
وفي ما يلي تفصيلياً ولكن بشكلٍ مُوجز جداً اهم التطورات التي طالت كل واحدة من هذه المجالات على مدار الـ 25 سنة الماضية وإلى أين تتجه الأمور على الأرجح.
A- عملية جراحة الشرايين بواسطة الجراحة(CABG) والعلاج بواسطة الطُرق التدخّلية ( PCI) لأمراض الشرايين التاجية للقلب:
على مدار ربع القرن الماضي، عزّزت عمليات زراعة مجازة الشرايين التاجية للقلب (CABG) والعلاجات التدخلية التاجية عن طريق الجلد (PCI) مكانتها بإعتبارهما الركيزتين التوأمين لعلاج امراض الشرايين التاجية للقلب.
ويتمتّع كلٌ من CABG و PCI بجذور عميقة في (Cleveland Clinic) ، بدءًا من أول استخدام لتصوير الأوعية التاجية السينمائي الانتقائي اي إجراء التصوير الداخلي للشرايين (Aortic Angiography)، وخاصة الشريان الأبهر الصاعد من القلب ثم الهابط في القفص الصدري والبطن لتغذية كل اعضاء الجسم، وذلك على يدّ البروفسور (F. Mason Sones)، في عام 1958. وهذا ما سمح بتطوير ما يُعرف اليوم بالقسطرة او تمييل الشرايين التاجية للقلب (Coronarography or Coronary Angiograhpy). اذ ان ذلك الإكتشاف سمح بتطوير تقنيّات تصوير الشرايين التاجية للقلب بسرعة فيما بعد.
وقد أتاح عمل الدكتور (Sones) ايضاً للبروفسور (René Favaloro) وهو “جرّاح قلب من اصل ارجنتيني” من مركز (Cleveland Clinic) ايضاً، ان يحتلّ مركز الريادة في تطوير جراحة الشرايين التاجية للقلب او مجازة الشريان التاجي في عام 1967. وأدّى عمل (Sones) لاحقاً ايضاً إلى تطوير تقنيّات توسيع الشرايين PCI في سويسرا بعد عقد من الزمن بسبب إكتشاف عمليات القسطرة او تلويين الشرايين التي الهمت الطبيب السويسري الذي اكتشف هذه الطريقة السعي لتطوير تقنيات توسيع الشرايين بواسطة البالون.
وفي هذا السياق يُكمل الدكتور (Svensson) ان الأطباء الروّاد الأوائل الذين عملوا في مركز كليفلند كلينك وضعوا الحجر الأساس لجراحة الشرايين التاجية للقلب، وسرعان ما أصبحت تلك العمليات واحدة من أكثر العمليات الجراحية الكبرى أداءً في العالم اجمع. وقد تمّ إطلاق برنامج الرعاية الصحية الأميركي(Medicare) في نفس الوقت تقريباً مع إنطلاق جراحات ال CABG. ويُلاحظ الدكتور (Svensson) ان ذلك ساهم بتوسيع مجال تلك الجراحة لتشمل بسرعة كبار السنّ المُصابين بمرض الشرايين التاجية للقلب. وهذا ما أدى ايضاً إلى إنتشار اكبر لتلك العمليات في كل الولايات المتحدة الأميركية. وقد كان برنامج القلب في كليفلاند كلينك من المُستفيدين الرئيسيين من ذلك البرنامج، وكذلك المستشفيات في جميع أنحاء البلاد.
وقد تمّت دراسة تحويل مسار الشريان التاجي وتحسينه في كليفلاند كلينك في السنوات اللاحقة. وأثبت فريق بقيادة الجراحَين (Floyed Loop و Bruce (Lytle، تفوّق الشريان الصدري الداخلي (Internal Thoracic Artery : ITA) على الجسور الأبهرية-التاجية التي تستعمل اوردة الساقين (الوريد الصافن الخارجي). وكان ذلك في مُنتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
ويقول جراح القلب في كليفلاند كلينيك الدكتور (Faisal Bakaeen) ، “إن زراعة الشريان الصدري الداخلي الأيسر مُباشرةً على الشريان الأمامي النازل الأيسر للقلب بإستخدام عدسات مُكبّرة أصبحت شائعة جداً اليوم. وهي “حجر الأساس” لجراحة الشرايين القلبية وأثبتت فائدتها الواسعة على المدى البعيد دون اي مُنازع في كليفلاند كلينك وفي كل دول العالم.
وبمرور الوقت، أصبح من الواضح أن الجسور الأبهرية التاجية التي تعتمد فقط على الشرايين او ما يُطلق عليه “الزرع الشرياني الكامل” (Full (Arterial Grafts هو الهدف الذي يحاول كل جرّاح قلب ان يقوم به من اجل أفضل نتيجة مُمكنة على المدى البعيد عند معظم المرضى خاصة عند الشباب منهم. ويجب على كل جرّاح ان يُحاول ذلك سواء اكان ذلك بإستعمال الشريان الصدري الداخلي الأيسر والأيمن اي بإستعمال “ثنائي الشرايين الصدرية الداخلية” او عبر إعتماد هذين الشريانين او حدهما مع إستعمال الشريان الكعبري (Radial Artery) او عبر إستعمال الشريان المعدي-الأمعائي (Gastro-Epiploic Artery). وأصبح هذا الهدف توصية اساسية لجمعية جرّاحي الصدر الأميركية (Society of Thoracic Surgery : STS) وغيرها من الجمعيات العلمية الأوروبية والدولية المُتخصّصة.
وفي هذا السياق فإنّ الدكتور (Bakaeen) وهو مُؤلّف مُشارك لإرشادات وتوصيات ال(STS) لعام 2016، يشرح بأنه قد لا يكون التطعيم الثنائي (ITA) مُمكناً في بعض الأحيان، أو انه سيكون أقل جاذبية للإستعمال عند المرضى اصحاب الحالات القلبية والعامّة المُعقّدة، او المُعرّضين لمخاطر جراحية عالية، أو عند أولئك الذين يخضعون لإعادة الجراحة بعد فشل جراحة اولى خضعوا لها في السابق. ولكنها تبقى الجراحة المفضّلة بالنسبة لمريض نموذجي صغير السن، يتمتّع بصحة جيدة ويخضع لعملية تحويل مسار الشريان التاجي “الاختيارية” او “الباردة” اي خارج إطار الحالات الطارئة التي تستدعي الإسراع في إعادة تروية عضلة القلب وبالتالي لا يكون امام الجرّاح الكثير من الوقت لتشريح شرياني الصدر الداخليين الأيسر والأيمن او غيرهما من الشرايين، ولذلك يلجأ الى استعمال الأوردة لأن إستئصالها من الفخذ اسرت بكثير. ويُكمل(Bakaeen): نعتقد أن تطعيم ال (ITA) الثنائي هو الهدف المثالي لكل جرّاح بارع يريد نتيجة افضل لمرضاه.
وفي ذات المجال، يُضيف الدكاترة Svensson و Bakaeen وآخرون أن جراحة الشرايين التاجية للقلب يجب أن تُصبح تخصّصاً فرعياً في جراحة القلب، مما يسمح لمزيد من الجراحين بإكتساب الخبرة والثقة اللازمة لإعتماد نهج ال” ITA الثنائي” ونهج “التطعيم الشرياني الكامل” بشكل روتيني.
اما من ناحية علاج امراض الشرايين القلبية بالطُرق التدخّلية فهناك ايضاً سعي حثيث ايضاً وراء عمليات PCI أكثر مثالية. وفي عام 1995، وهو العام الأول الذي تمّ فيه تصنيف كليفلاند كلينك كأول برنامج للقلب على مستوى الولايات المتحدة ( افضل مستشفى)، أجرى المركز ما يقرب من 2000 عملية جراحية لتحويل مسار الشرايين التاجية. وانخفض هذا الرقم تدريجياً بعد ذلك. كان أحد الأسباب المُهمّة لذلك الإنخفاض هو الإستخدام المُتزايد لتقنيات الـ PCI.
البروفسور (Stephen Ellis) الذي شغل منصب رئيس طبّ القلب التدخّلي في كليفلاند كلينك لسنوات عديدة، تدرّب مع الدكتور (Andreas (Gruntzing، وهو الطبيب السويسري من اصل نمساوي، الذي طوّر تقنيات توسيع الشرايين بواسطة البالون في مدينة زيوريخ في سويسرا في أواخر السبعينيات. وقد لاحظ أن فعالية ال PCI تتحسّن بمرور الوقت مع إدخال الدعامات المعدنية “العادية” او “العارية” كلياً من اي دواء (BMS : Bare Metal Stents) في التسعينيات، ثم أكثر في العقد التالي بإستخدام الدعامات “المغمورة” او “المطلية” بالأدوية DES :Drug Elluting) Stents) اي المُغطّاة بغشاء من الأدوية المُتنوّعة التي تمنع تكاثر الخلايا في مكان الإنسداد، وبالتالي تمنع مُعاودة إنسداد الشرايين في مكان توسيعها بالبالون او ما يُطلق عليه الأطباء ظاهرة ال(Restenosis). وقد ، قلّل هذا الإكتشاف من خطر معاودة الإنسداد التي تُؤدّي الى تكرار عمليات ال PCI في مكان التوسيع الأوّلي للشريان الى نسبة تتراوح بين ال 0% الى 5 % عند معظم المرضى، ما عدا مرضى السكري الذين بقيت عندهم نسبة معاودة الإنسداد اعلى بقليل من مثيلاتها عند المرضى الغير مصابين بهذا المرض.
وقد قاد الدكتور Ellis منذ فترة قصيرة تجربة مُتعدّدة المراكز لما كان يجب ان يكون واعداً جداً وتقدّماً ثورياً في عالم الPCI – وهي “الدعامات البيولوجية” او “القابلة للامتصاص تدريجياً” بعد زرعها (Bioresorbable Scaffolds or Stents). ولكن ولسوء الحظ لم تكن النتائج قصيرة ومتوسطة المدى مُؤاتية ومُشجّعة جداً مع إستعمال هذه الدعامات من “الجيل الثالث” بسبب إزدياد خطر الإصابة بتجلّط الدمّ داخل الشريان الذي كان يتمّ فيه هكذا عمليات، حتى بعد مرور زمن قد يتجاوز احياناً ال3 سنوات على زرع هكذا دعامات بيولوجية. ممّا كان يُؤدّي الى حصول “ذبحات قلبية حادّة ومتأخرة” مع “حالات موت مُفاجئ” عند بعض المرضى، وهذا ما ادّى الى سحب هذه الدعامات من الأسواق من قِبل الشركة الأميركية التي كانت قد باشرت بتسويقها، وذلك بعد حوالي خمس سنوات تقريباً على إستعمالها.
هذا ولم تشمل كل الإنجازات التي حدثت في ربع القرن الماضي في الولايات المتحدة فقط الأجهزة والتكنولوجيا. فقد أدت مُبادرات تحسين نوعية العمليات والجهود ذات الصِلة التي تُركّز على تحسين الجودة في مختبرات القسطرة وغرف عمليات القلب، إلى مكاسب كبيرة في الكفاءة والنتائج، حتى مع وجود عدد أقل من الموظفين ومع تكلفة أقل. فعلى سبيل المثال، اصبح متوسط وقت تحويل المريض الذي يُعاني من ذبحة قلبية واضحة على تخطيط القلب العادي (EKG)، او ما يسمّى احتشاء عضلة القلب الناتج عن ارتفاع في مُؤشر ST segment، إلى غرفة القسطرة وتوسيع الشريان المسدود بواسطة البالون في كليفلاند كلينك الآن أقل بكثير من 60 دقيقة، وهو أفضل بكثير من فترة 90 دقيقة المُوصى بها من الدليل الإرشادي للجمعيات العلمية المُتخصّصة في معظم دول العالم.
اما في ما يخصّ المُقارنة بين CABG مقابل PCI : فقد قطعت كل من هاتين
التقنيتين خطوات كبيرة في النتائج المُبكرة والمتوسطة والمُتأخرة الامد. ولكن السؤال الأساسي في هذا السياق هو: أيهما أفضل للمريض في العام 2022؟ وهنا يُمكن القول بشكلٍ عام، على المدى القصير، أن العلاج التدخّلي عبر الجلد (PCI) هو أقل توغّلاً ويُوفّر للمريض تخفيفاً أسرع لأعراض الذبحة الصدرية وآلام الصدر الناتجة عن مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب. ويُؤمّن له عودة أسرع إلى الحياة الطبيعية والعمل والأنشطة العادية. ومع ذلك، على المدى الطويل، قد يكون العلاج الجراحي أفضل لتخفيف طويل الأمد للأعراض وتقليل خطر الوفاة ولتخفيف خطر إحتشاء عضلة القلب، خاصة عند المرضى الذين يعانون من مرض شرياني مُعقد وعبء تصلّب شرايين اكبر ( اي وجود إصابة في اماكن حسّاسة على شرايين القلب، مثل اصابات الجذع الأيسر الأساسي، فُوّهات الشرايين، او وجود اصابات شريانية مُتعددة ومُنتشرة، مع وجود اعوجاجات ومفارق وتكلّسات كثيرة على الشرايين المُصابة، او إصابة بمرض السكري وامراض كلوية مُزمنة وما الى ذلك..)
وبينما انخفضت نسبة عمليات الجراحة الشريانية القلبية إلى 13٪ من الحجم الإجمالي لجراحة القلب في كليفلاند كلينك قبل بضع سنوات، إرتفع الحجم اليوم إلى 18٪ مع تحسّن اختيار المرضى. وأصبح من الواضح أن مرضى السكري يتحسّنون اكثر بكثير مع الجراحة في مُقابل العلاج التدخّلي.
ومع إستمرار تطوّر تقنيات الCABG
وال PCI ، أصبحت الرعاية أكثر تعقيداً مع زيادة استخدام الجسور او الطعوم الشريانية الكاملة، والتقنيات الأقل توغّلاً، وإعتماد “الإجراءات الهجينة” (Hybrid Procedures)، اي جراحة للإصابات الخطيرة الصعبة العلاج بواسطة الجراحة التقليدية، وإستكمال العلاج بواسطة العلاج التدخلي لاحقاً على الشرايين سهلة العلاج بواسطة هذه الطرق، خاصة مع إستعمال الأنواع الجديدة المُتطوّرة من الدعامات.
ولكل تلك الأسباب لن يتوقّف اليوم الجدل حول النهج الأفضل الذي يجب ان يُعتمد عند المريض. ويُشدّد الخبراء في كليفلاند كلينيك حالياً انّ إدارة ومقاربة وعلاج أمراض الشرايين التاجية للقلب هي جهد تعاوني لفريق رعاية القلب او “الفريق القلبي” (Heart Team) الذي ذكرناه في مقالات سابقة يهدف الى الوصول الى جواب على السؤال التالي وهو : ما هو العلاج الأفضل لهذا المريض ولهذه الحالة؟ على ان يتمّ في كل مرّة تخصيص توصيات خاصة بكل مريض بشكل فردي بعد دراسة كامل جوانب الملف الطبي. ولذلك سيكون السؤال المهم دائماً حالياً هو: ما هو العلاج الأفضل للمريض على أساس عبء المرض والتعقيد والأمراض المُزمنة المصاحبة عنده؟
في الجزء العاشر من هذا الملف نستكمل الحديث عن اهم التطورات التي طالت عمليات جراحة الصمام الأبهر للقلب بالطرق التقليدية او طُرق تغييره وعلاجه بواسطة القسطرة، جراحة تمدّد او إنتفاخ الشريان الأبهر في الصدر و/او البطن، واخيراً اهم ما حدث في السنوات ال 25 الماضية في مجال علاج امراض كهرباء القلب وعمليات زرع بطاريات القلب والأجهزة الصادمة الداخلية، وما هو المُتوقّع لمستقبل كل نوع من هذه الأمراض طبّياً وجراحياً.
د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين،
مُتخصّص في علاج امراض القلب بالطرق التدخّلية وفي علاج مرضى القلب المُصابين بمرض السكّري،
مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود.