أدب وفن
جرح عميق/ قصة قصيرة/ بقلم القاصّ محمد حسين
جرح عميق
السّاعة الثّامنة صباحاً بدأ نبيل بتجهيز أغراضه الشّخصيّة استعداداً للسّفر إلى مدينة أخرى تبعد عنه مئات الكيلومترات ،حيث تلقّى دعوة من حبيبته ريم الّتي كانت تطلق عليه لقب شاعر روحها لحضور مناسبة لم يعلم فحواها، لقد أصرّت
أن لا تخبره بها إلّا عند وصوله إليها، تناول فنجان قهوته على عجل كأنّه في سباق مع الزّمن، جملة من الأسئلة داهمت مخيّلته،
ترى ما هي المناسبة الّتي دعتني إليها ؟ أين سأجلس معها؟ كيف سأقضي الّليلة هناك فأنا لا أعرف احداً سواها ولا أملك النّقود حتّى أقضي هذه الليلة في الفندق ؟ كان عليّ أن أعتذر لكنّ قلبي لا يقاوم صوتها، هذه فرصتي للتقرّب منها أكثر ،
وصل نبيل إلى محطّة الحافلات توجّه إلى (كشك) الجرائد اشترى جريدته الّتي تعوّد أن يقرأها كلّ صباح مع قهوته الباردة، صعد إلى الحافلة، كانت وجوه الرّكّاب تشي له بنوع من الحزن، كان أغلبهم يتصفّح الجرائد والبعض الآخر يطالع في الكتب، تذكّر فوراً أنّ هذه المدينة قد أنجبت أحد أهمّ الكتّاب في وطنه، جلس في كرسيّه المخصّص، بدأ يقلّب صفحات الجريدة الّتي امتلأت بصور الموتى ودعايات فارغة وأحداث تحمل الّلون الأحمر،
حدّث نفسه: ترى كم سيستغرق من الوقت هذا الوجع؟
طوى الجريدة وراح يتأمّل جانبيّ الطريق، مساحات خضراء لكنّها تلبس ثوب البكاء، مساحات صحراء لكنّها تحمل رائحة التّاريخ.
وصل نبيل إلى مركز المدينة الّتي وطأتها قدميه للمرّة الأولى ،
انتابه شعوراً عارماً بالفرح ،
وأخيراً أنا في المدينة الّتي أنجبت صاحب كتاب( سأخون وطني هذيان في الرّعب والحرّية )
كانت ريم في استقباله في محطّة الحافلات صافحته بحرارة، أمسكت بيده أصابه شعوراً غريباً سرى في أنحاء جسده…
سارا معاً إلى خارج المحطّة كانت خطواته متثاقلة لا يريد أن ينتهي هذا الشّعور الّذي غيّر ملامح وجهه ، توجّها إلى السيّارة الّتي كانت بانتظارهم صعدا إليها، أرسل نبيل نظرات متتالية إلى وجه ريم لكنّها لم تعطيه أيّ اهتمام، بدأ شعوره يتلاشي الّذي أصيب به عندما أمسكت بيديه، انطلقت السّيّارة تأكل لحم الشّوارع القديمة حتّى وصلا إلى بيتها، كان في استقبالهم على الباب والدها الّذي رحّب بنبيل بابتسامة عريضة منحته شعوراً بالرّاحة، أحضرت له الخادمة كأساً من العصير ، جلست ريم ووالدها وتبادلا معه أطراف الحديث شعر ببرودة حديثها الذي غاب عنه حرارة الدّهشة، بعد أقلّ من ساعة اعتذرت منه وغادرت البيت لأنّها مرتبطة بموعد،
كان نبيل ينتظر بفارغ الصّبر إشارةً أو تلميحاً عن المناسبة لكنّه لم يحصل عليها،
بدأ الشّكّ يتسلّل إلى داخله وعادت الأسئلة إلى مخيّلته لكن بشكل مفزع.
ترى هل تعرّضت إلى مصيدة أو عمليّة خطف؟ لا لا .. أجزم أنّها تحبّني مثلما أحبّها لا يمكن أن تفعل شيئاً يؤذيني. حدّث نفسه..
بعد ساعات قلقة عاشها نبيل حضر رجلاً أبلغ والدها أنّ السيّارة جاهزة للانطلاق، طلب والدها من نبيل الصّعود إلى السيّارة، صعدا انطلقا إلى المكان المحّدد ، أحسّ نبيل بشيء ما يحرق روحه ، وصلا إلى المكان ، تقدّم والدها وسار أمامه تبعه نبيل بخطوات مرتبكة ، دخلا إلى صالة ضخمة وجد حشداً من الناس بدت عليهم علامات الأسر الغنية، يبدو أنّني في مهرجان ثقافيّ مهمّ تحضره شخصيّات مهمّة ، لماذا لم تقولي لي يا ريم ؟ أنا لديّ قصائد جميلة في دفتري سأتدبّر أمري من قصائدي الموجودة على الجوّال ، بدأ نبيل يتقدّم بين الحضور يبحث عن ريم التي حجب الحضور الكثيف رؤيتها، واصل تقدّمه حتّى شاهدها تجلس في صدر الصّالة تلبس الفستان الأبيض ، ضرب على رأسه التفت بعض الحضور عليه تمتم أحدهم ؛ يبدو أنّ هذا الشاب العامل في الصّالة نسي أن يحّضر الضّيافة،
أغمض عينيه بقوّة ، طلب من نادل الصّالة مرافقته إلى الخارج،
خرج مسرعاً أخذ جرعات من الأوكسجين أطلق زفيراً لامس وجه السّماء، يبدو أنّ نوع السّيّارة وربطة العنق هي من تقرّر مكانة الأشخاص في هذا الزّمن ،سأمزّق كلّ قصائدي الملعونة الّتي وضعتني في هذا الموقف، سأترك الكتب الّتي أقرأها واقرأ كتاب كيف تصبح مليونيراً في أسبوع…
*كاتب و قاصّ فلسطيني – سوريا