أدب وفن

إبحار على متن القصيدة…


ما الرقص ؟ …/ الشاعر يوسف ركين

ما الرقصُ ؟
درويشٌ يروض فكرةً
لتصيرَ شمسُ الصّاعدين غماما

ما الرقصُ ؟ أغنيةٌ
وننسى اسمها
كي لا يسمّينا الحنينُ … يتامى

شيخٌ
ويبتكر المجاز طريقةً
ليفكّ عن وجه الذهول لثاما

طفلٌ
يلوّن بالأغاني وقتَه
ليلمّ عن شفة الرّسوم كلاما

أنثى
وتشلح في القصيدة صوتَها
ليذوبَ في رئة الهديل يماما

نايٌ
يربّي الصّوت في أحلامنا
ليعيرَ للوقت الضّرير مَقاما

قمرٌ
يضيء الصمت في شرفاتنا
ليسيرَ في عتم العيون إماما …

هو أن تدورَ مع الجراح لتختفي
وتلمَّ عن وجه القبور خزامى

فالأرضُ
رغم خرابها ، درويشةٌ
في زحمة المعنى تقول … سلاما

قراءة أدبية / الشاعر مردوك الشامي

وحده الشعر ينبت للعصفور أجنحة، وللنهر نايات الحنين، وللحقل موسيقى الجنادب وهمس الجنيات..
وحده يسرق نبضة المصباح ويحيلها ضوءا واحتراقات، ويفشي سر الوجنتين الخجولتين للعاشق فيرتدي قلبه قبعة ويحمله في كرنفال المظلات…
ووحده الشعر ليس من هذه الأرض، ليس مثلنا من هنا ، هو الـ هناك بكل رحابة الاتساع والرؤية..
والقادرون على الإمساك بالشعر نادرون في كل الأزمنة.. كتّابه كثيرون، لكن المستعدين للموت من أجله، والسارين نحو تجلياته قليلون وفرادى ومتفردون ..
الشعر ليس ان نقرأه.. هو المادة القادرة على إشعالنا دون أن نترمّد، وعلى إروائنا، ونبقى دائما على ظمأ..
ومن هذا المنطلق والتوصيف أقرأ يوسف ركين، ليس فقط في قصيدته ” ما الرقص” بل في غالبية ما كتبه خلال وقت قصير هو عمر تجربته..
الشاعر لا يأتي بالتعلم، ولا يتربى على الدلال ، ولا يحقنونه مصل الشاعرية.. هو لحظة يفتح عينيه على الحياة تنقش الشمس على روزنامة الوجود أن منسوب التفاهة والشر والعتمة قلّ كثيراً لأن ثمة شاعر ولد للتو.
كل ما كتبه الأحبة في حبر أبيض عن يوسف ركين وقصيدته، أتبناه، ولن أكرره، فالصدى الطبيعي لشروق الشمس ، أن تميل زهرة عباد الشمس نحو ربّة النور ، لا تنحني ولا تركع ، بل تمارس صلاتها واقفة كالألف في الصراخ ، والآه ، والسماء.
هكذا فعل قصيدة يوسف في قارئيها..
هو انطلق من سؤال ما الرقص، وأجاب في كل ما جاء بعده من كلام ليعرفنا على الرقص، وتشكلنا معه في غوايات التوصيف، درنا مع الصوفي، ومِسْنا مع الحسناء، وانتقلنا في كل الزمان طفولة وشبابا وشيخوخة، ولامسنا الناي والقمر والجرح ، لنكتشف في النهاية أننا كلنا نمارس الرقص، ندوخ مع الأرض في رقصها الصوفي ، وهي الدرويشة التي تحاول دائما رتق خراباتنا بالأمل…
أجزم أنني درت ورقصت مع كل دلالات يوسف ركين، أنني دخت بهذه اللغة الفوارة، بهذه الصور، بهذا الإحساس الدافق كينبوع يلد ألف نهر مطلع كل بيت شعر..
لا أبالغ.. يوسف ركين في قصيدتك ، في تجربتك كلها، أنت شاعر سيحسده كثيرون .. وأنا أولهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى