أدب وفنمقالات واقوال مترجمة

المقابلة الأخيرة لفيديريكو غارسيا لوركا

ترجمة /سمية تكجي

المصدر / BLOGHEMIA

” أحب ان ابكي …لأنني ارغب بذلك ”

” المرأة لم تخلق كي نفهمها …هي خُلقت كي تُحَب ”

” كتب! …كتب !…هي كلمة سحرية تساوي كلمة حب! …حب! …و على الشعوب ان تنادي بها كما تنادي طلبا للخبز ” …

فيديريكو غارسيا لوركا

المقابلة الأخيرة التي أجريت مع الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا في مجلة el sol (الشمس) في العاشر من حزيران عام 1936 , و بعد هذا التاريخ بشهرين في 18 آب تم اغتيال الشاعر في فيسنار . حاوره في هذه المقابلة صديقه الشاعر و الرسام الكاريكاتيري لويس باغاريّا آي بو -LOUÍS BAGARÍA i BOU نستعرض و اياكم هذا الحوار السوريالي نوعا ما ، بين راحِلَيْن مُبْدِعَيْن …

باغاريا : انت الذي منحت تصنيفا ادبيا ل”يقطينة جيل روبل” و رأيت” بومة اونامونو” و” الكلب بلا صاحب ” لباروخا …هل تقول لي من فضلك ما هو معنى الحلزون في المشهد الصافي في أدبك ؟

لوركا : انك تسألني عن ميلي نحو الحلزون في رسوماتي …حسنا الجواب بسيط جدا ، هو يرجع الى سبب عاطفي منذ الطفولة
في احد المرات كنت ارسم و اقتربت امي و القت نظرة على رسومات انجزتها على عجل و قالت : يا بني لست اعرف كيف ستتمكن كسب حياتك من رسمك لهذه الحلازين .. و مذَّاك اخذت على عاتقي ان أعَمِّد الحلازين في رسوماتي
فهل ارتوى فضولك يا باغاريّا ؟

سؤال : غارسيا لوركا ،شعرك الرقيق و العميق ، الهش و الجميل يحمل اجنحة من فولاذ تخترق احشاء الارض
فهل تؤمن بالفن من اجل الفن أم ان الشعر هو في خدمة الناس يبكي متى بكوا و يضحك متى ضحكوا …
جواب : سؤال كبير و مشحون بالعاطفة …هذا المفهوم هو قاس …طبعا لا يوجد رجل حقيقي يؤمن ببساطة ان الفن هو من اجل الفن …في هذا الزمن التراجيدي على الفنان ان يبكي و يضحك مع شعبه ، انا اضع جانبا غصن الزنبق و اغوص في الطين حتى الحزام من اجل شعبي كي اساعده ليبحث عن الزنابق …!!!

سؤال : عند ولادة القصيدة هل يحصل أن تقترب من المستقبل الأبعد ام العكس يحصل ان تبتعد احلام الحياة البعيدة
جواب: هذا السؤال صعب و غير عادي يتعلق ببصيرة الإنشغال الميتافيزيقي الذي يملأ حياتك و لا يفهمه سوى الذي يعرفونك جيدا و يفهمونك… الخلق الشعري هو شيء غامض و صعب على التفكيك …شبيه تماما بولادة اي رجل …يسمع اصوات و لا يعرف من اين …و لا يجب الانشغال من اين اتوا …كيف انني ما انشغلت كيف ولدت و لا كيف ساموت، استمع الى اصوات الناس و الطبيعة بدهشة …و انقل ما اتعلمه من دون ان اشغل بالي ومن دون تحذلق اذا كان ما اعطيهم من معنى هم يملكونه بالفعل …لا الشاعر و لا اي احد يملك سر العالم …اتمنى ان اكون جيدا .. و اعلم ان الشعر يسمو بكاتبه و كوني جيد مع الاحمق و مع الفيلسوف ..و اظن بشكل قاطع ان الأبعد اذا وجد ..سوف تدفعني الدهشة و التقي به …لكن الظلم و الألم الذي يخيم على العالم وعلى جسدي و افكاري كل ذلك يمنعني من ان انقل بيتي الى النجوم …

سؤال : الا تظن يا شاعر ان السعادة تقطن في سخابة نشوة …نشوة من ثغر امراة ، من نبيذ ، من منظر خلاب ، و انك حين تجمع هذه اللحظات المكثفة ، تحصل على لحظات الخلود …لأن الخلود غير موجود و نفهمه من خلالنا نحن ..


جواب : انا حقا لا اعرف اين تكمن السعادة ، اذا كان وفقا للنصوص التي تعلمتها من الاستاذ الفوق الوصف orti y lara اورتي و لارا …فإن السعادة هي في السماء ،و لكن لذا الانسان هو الذي يخترع الخلود فإن الحياة مليئة بأعمال و اشياء تستحق الخلود لجمالها و سموها ..لماذا باغاريا تسالني هذه الأسئلة ؟ هل انت مشغول بفكرة ان نلتقي في الحياة الأخرى و نكمل حديثنا تحت سقف مقهى جميل ، و أجنحة و ضحكات و بيرة فوق الوصف … لا تقلق باغاريا اطمئنك اننا سوف نلتقي…

سؤال : هل تتعجب من أسئلتي أنا الكاريكاتيري المتوحش ، انت تعرف انني شخص بأقلام كثيرة و معتقدات قليلة ، متوحش حين أخوض في المادة المؤلمة ، و هل كل هذا المسار التراجيدي للحياة يزهر في بيت من الشعر تلعثم فيه والديَّ ؟ الا تعتقد ان كالدرون دي لا باركا (Calderon de la Barca) معه حق حين قال : الخطيئة الكبرى للإنسان هو انه ولد …اكثر من تفاؤل مونيوس سيكّه( Muñoz Seca)?

جواب : اسئلتك لا استغربها ابدا ،اعرف انك شاعر حقيقي ، و تضع دائما الإصبع في قلب الجرح، امّا انا … فأجيبك ببساطة و صدق ، و إن كنت لا أثرثر و اضرب و اتلعثم …فذاك فقط بسبب الجهل …ان اقلامك المتوحشة هي ملائكية , و وراء ايقاع رقصتك الموحشة هناك قيثارة ورد كالتي رسمها الإيطاليون الأوائل ..التفاؤل هو فقط لأولئك الناس الذين يملكون بعدا واحدا في نظرتهم ، و لا يرون ما يحيط بنا و هذا التيار الجارف من الدموع التي هطلت بسبب امور لها حلول و لم تُحَل …

سؤال:الشاعر الحسّاس و الإنسان فيديريكو لنحاول الحديث في الأبعد …انا أكرر الموضوع و ذلك لأن الموضوع يكرر نفسَه ، بالنسبة لأولئك المؤمنين بالحياة الأخرى حيث يجدون انفسهم في بلد الارواح حيث لا شفاه من لحم و دم للقُبَل …اليس صمت العدم أجدى و أفضل ..؟

جواب: جميل جدا هذا العصف يا باغاريّا …الا تعلم ان الكنيسة تتحدث عن قيامة الجسد كهدية للمؤمنين ؟ النبي اشعيا يقول في سطر عظيم ” و تلتئم العظام المكسورة بالرب” انا رأيت في مقبرة سان مارتين لحدا تعلوه لوحة مرثية فارغة و كانها سِنَّا من الحائط المكسور هناك ، و كانها تقول هنا تنتظر قيامة الجسد” دونا ميكايللا غوميز “…هي فكرةٌ للتعبير و هي ممكنة لأننا نملك رأسا و يدين . و المخلوقات لا ترغب ان تكون ظلالا …

سؤال : فيديريكو الا تظن ان فكرة الوطن هو لا شيء اذا كانت الحدود هي عرضة دائما للإختفاء …لماذا يكون اسباني سيء هو اخ لي أكثر من صيني سيء ؟
جواب: انا اسباني كامل و لا اتمكن من العيش خارج حدودي الجغرافية لكنني اكره ان اكون إسبانيا من اجل ان أكون إسبانيا و لا شيء آخر …لكن انا ايضا اخٌ للكل و ألعن الشخص الذي يضحي بنفسه من اجل فكرة وطنية مجردة فقط و لمجرد أنه يحب وطنه و هو معصوب العينين،
الصيني الجيد قريب مني اكثر من الإسباني السيء , أعلي النشيد لإسبانيا و أحسها حتى الصميم ، و لكن قبل ذلك انا ابن العالم و اخ للجميع ، و بالتأكيد انا لا أؤمن بالحدود السياسية ، صديقي باغاريا ليس دائما القائمون على المقابلات هم من يسألون الأسئلة ، و كذلك ضيف المقابلة يحق له ايضا الأسئلة …من يستجيب لهذه الرغبة؟ لهذا العطش إلى ما بعد بعد … الذي يطاردك؟ هل تريد حقا أن تنجو من نفسك؟ ألا تعتقد أن هذا قد تم حله بالفعل ؟ وأن الإنسان لا يستطيع حياله أن يفعل شيئًا، بإيمان أو بدونه ؟..

باغاريّا : انا في اعماقي لدي جوع هائل كي اصدق ، شيء مؤلم كثيرا ان نفنى و نختفي للأبد ، صحة، شفاه امرأة ، كأس نبيذ ينسيك حقيقة مؤلمة ، مشهد خلاب ينسيك الظلال ، نحو المسار النهائي التراجيدي أرغب فقط في استمرارية … ان يدفن جسدي في حديقة ، على الأقل في ما بعد سيكون جسدي اكثر من مجرد سماد …
لوركا : هل ترغب ان تقول لي لماذا كل السياسيين في رسوماتك الكاريكاتيرية لهم جلود الضفادع ؟
باغاريّا : لأن غالبيتهم يعيشون في البرك …


سؤال : من هم الشعراء المعاصرين المفضلين لديك؟
جواب: شاعران اثنان عظيمان انطونيو ماتشادو(Antonio Machado) و خوان رامون خيمينيس(Juan Ramón Jiménez)
الأول هو حالة نقية للصفاء و الكمال الشعري ، انه شاعر سماوي ، يمتلك بالمطلق عالمه الداخلي المذهل .. والثاني، شاعر عظيم منشغل و متعب من تمجيد لذاته، متأثر بالواقع الذي يحيط به، مجروح بشكل شديد من أشياء تبدو للغير تافهة …عدوٌ حقيقي لروحه العظيمة الشاعرة الفريدة
الوداع …باغاريّا ..عندما تعود الى اكواخ الورد ، الى الوحوش و السُّيول ، قل لرفاقك المتوحشين ان لا يهملوا رحلات الذهاب و الإياب الى مدننا الى الوحوش …الوحوش الذين لونتهم بحنان فرنسيسكاني ، قل لهم ان لا ينصاعوا للجنون ، ان يكونوا حيوانات اليفة ، قل للزهور ان لا تسرف في جمالها كي لا يتم وضعها زوجاتِِ على البطون الفاسدة للموتى…

هكذا رد باغاريّا
صدقت أيها الشاعر أعود إلى غابتي ، أزمجر ….هذا ألطف من كلمات الأصدقاء الجميلة، التي تكون أحيانًا كفرًا بصوت منخفض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى