أدب وفن

صدفة /قصة قصيرة/ بقلم القاصة هند يوسف خضر

صدفة
خريف يظهر في الأفق وآخر يلوح بيديه مودعاً ،يصطحب معه بضعة أوراق مصبوغة بلون الذهب تسرب اليأس بين عروقها حتى باتت تطوي صفحة من كتاب الحياة.
رأيتها الساعة الرابعة ،بعد الظهر في الطابق الثاني في المستشفى ، ترقد على سرير في الغرفة رقم ٥ ،توزع الأمل على الزوار بابتسامة خفيفة وتقبض على جيد الألم بكل صلابة رغم الألم الذي تمكن منها ،ملأت المكان حباً وحيويةً وعطاءً عندما كانت معلمة ومن ثم مديرة للمدرسة في قريتها إنها السيدة هدى ،حتى بعد تقاعدها لم تنقطع عن تقديم المشورة والدعم لأي معلم واستمرت بتقديم ما لديها من خبرات لأنها كانت تعتبر التعليم رسالة لا تنتهي إلا برحيل الإنسان ،بدأت أوجاعها تظهر فجأة ،أقدامها لم تعد تحتمل عبء أثقالها لكنها في كل لحظة تشعر فيها بانهزام أمام المرض ترفع كفيها وتصلي لعل يسوع يقبل صلاتها، جلست في الفراش وبدأت تقطع تذكرة نحو الألم لتبدأ رحلة العلاج بالمهدئات ومسكنات الألم إضافة لجرعات الأمل التي يحتاجها …
جلست قربها وبدأت تسرد حديثها رغم أوجاعها إلا أنها حاولت أن تمنحني جرعة من أكسير الحياة..
‏( لقد فتحتِ لي نافذة أمل على الحياة بعد أن وصلت لمرحلة أتمنى الموت ) هذا ما قالته لي منذ اللحظات الأولى التي جلست معها رغم أنها محاطة بالاهتمام والرعاية، شعرت بتجاذب كبير بين روحينا وكأن القدر أرسلني لأساهم في تخفيف شيء من وجعها بالابتسامة..
‏مرت عدة أيام والتقيت بها ثانيةً، انفرجت أساريها ابتسمت حد اللهفة ،أمضيت معها بعض الوقت وانتهت زيارتي لها على وعد مني بأنني سأراها مجدداً..
‏لم أستطع تفسير ما حدث سوى أن الحياة تهبنا أشخاصاً في وقت متأخر،يلامسون ظلال الروح، نصلي ليكتب الله لهم عمراً إضافياً ولكن تبقى كلمة الفصل للقضاء والقدر..
‏في اتصال هاتفي معها حلقت روحها فرحاً ،كيف لا تحلق ولغة الأرواح لا تخطئ، استعادت الأمل بإشراقة يوم جديد، أما أنا فقد انهمرت دموعي عندما قالت : أنا أحبك لا تنسي ذلك فرفعت كفوفي للسماء وطلبت من الله أن يطيل بقاء هذه الروح في ذاك الجسد ولو بدا الأمر محالاً …
‏لم يكن سوى تعارف بمحض الصدفة حصل خلال فترة زمنية قصيرة جداً ولكن لصوت وقعه في القلب صدىً عميقاً أحدث ضجيجاً في داخلي عندما صعدت تلك الروح إلى السماء باسمةً..
‏لن تموت روحاً ملأت الدنيا عطاءً و طيبةً و ورداً .






مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى