أدب وفن

مقبرة الأحلام/قصة قصيرة/ بقلم القاصّة هند يوسف خضر

مقبرة الأحلام
غبار كثيف يجوب شوارع المدينة يصافح الوجوه المحنطة من برودة الحياة ، زخات المطر الهاطلة فجأة تحاول ترطيب الشفاه الفاقدة لأناقتها،
كل شيء بدا غربياً هذا المساء، المطر والريح يجتمعان في لحظة فارقة..
جمال الطالب الذي خرج من جامعته قسراً نتيجة ظروفه المادية القاسية يتأمل هذا المشهد من شرفة منزله باستغراب ، ترى كيف يجتمع الضدان في آن واحد ولمن ستكون الغلبة؟ صوت من بعيد يشق هدوءه إنه والده صاحب الصوت الغليظ والقلب الفاسي لقد علمته الحياة أشياء استثنائية، تعال يا جمال ادخل إلى المنزل أريد أن أتحدث معك لكن لا تقاطعني بالحديث دعك من كلام الكتب التي تقرأها. أريد منك أن تعمل عند عمك بالتجارة، فأنا لم أستطع تأمين الحد الأدنى من متطلباتك في الجامعة لهذا طلبت منك تركها.
جمال؛ لكن يا والدي كان بإمكاني أن أعمل واتابع تعليمي.
الوالد: دعك من هذا الكلام كل الشهادات لا تساوي شيئاً أمام المال انتهى النقاش.. طأطأ جمال رأسه كعادته وأعطى موافقته على مضض للعمل عند عمه الثري.
ذات شتاء مدّ يديه مداعباً حبات المطر الساقطة بجنون رافعاً رأسه للسماء محدثاً إياها: لماذا كل هذا القهر؟.
‏دخل جمال إلى المنزل مرهقاً من شدة التعب وقد تبللت ملابسه من المطر، وجد والده في صالون المنزل ألقى عليه التحية وجلس قربه يحتسي الشاي الأخضر معه يحاول أن يمنح جسده النحيل بعضاً من الدفء الذي فقده طوال حياته..
‏الأب:اسمع يا جمال ،أريدك أن تتزوج من ابنة عمك ليلى
‏جمال:ماذا تقول ؟أنا لا..
‏الأب:لا تعارض كلامي بمجرد ارتباطك بها سوف نحصل على إرث كبير وسنصبح أثرياء
‏جمال: أبي أنا لا أحبها
‏الأب :حسناً سيحصل هذا بعد الزواج ،لقد اتفقت مع عمك على التفاصيل
‏جمال:هل يعقل أن تدفن أحلامي في مقبرة الزواج التقليدي ؟ألا يكفي حلمي الجامعي لم يتحقق؟
‏الأب :انتهى الكلام.
‏مرت عدة سنوات على زواجه بابنة عمه ليلى،وهو يدرك أنها ليست الفتاة التي رسمها في مخيلته،اكتشف مع الزمن أن ما من مشتركات تجمعهما سوى ورقة ،فهي دائمة الشك والغيرة،صوتها دائماً يعلو فوق صوته تحت ذريعة أنها بمالها جعلته ثرياً،كثرت المشاحنات وبات الوضع لا يطاق..
‏لن يصلح العطار ما أفسده الزمن ولهذا لم يلتفت للوراء، اعتاد على افتعالها المشاكل باستمرار إلا أنه لن يستطيع إنهاء عقد زواجه بها نتيجة سلطة والده عليه و تحكمه في مصيره،وقع في مصيدة سؤال :ماذا بعد؟
‏عاش أياماً كلها تشبه بعضها حتى ظهر له خيط من نور في منتصف النفق ،عثر على حلمه العتيق الذي أضاء دروبه من أول القلب إلى محيطاته،سرى إحساس غريب في جسده لم يشعر به من قبل عندما رأى(شمس)،فيها اجتمعت كل أحلامه فوقعا في غرام بعضهما،انتشى معها كانتشاء عصفور يشكو حزن الخريف في دوحة الغيم،قلبت حياته رأساً على عقب وفتحت باباً كان قد انغلق بشدة،
‏تقلبا على جمر الحسرات و مواجع الزمن الخاطئ..
‏وقف في منتصف الطريق كعاشق تغرب عن صحراء الكناية وقال:لطالما بحثت عن قطرة مطر أستعيد معها فردوس أيامي الضائعة وعندما وجدتها أحيت أوجاعي من سباتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى