مقولة العداء للسامية: إنهم يزوّرون التاريخ

السفير الدكتور علي عجمي
مقولة العداء للسامية: إنهم يزوّرون التاريخ
هناك الكثير من المغالطات التاريخية حول مقولة العداء للسامية، ومحاولات التزوير التي طالتها. والتي جعلت من مصطلح العداء للسامية مرادفاً للعداء للصهيونية
بل جعلت الفهم الأساسي للتاريخ في ظل مصطلح معاداة السامية فهماً عنصرياً بحتاً، يضع بني إسرائيل في كفة والبشرية بكاملها في كفة.
وصار معه التاريخ العام للبشرية هو تاريخ العداء للسامية.
إن أول من استخدم مصطلح العداء للسامية هو الكاتب الألماني ڤلهلم مار وذلك سنة 1879، لتعريف الحركة المضادة لليهود.
في تلك الحقبة بدأت تظهر كتابات معادية لليهود في ألمانيا، مثل كتابات الفيلسوف الألماني يوجين دوهرنغ ضد السيادة اليهودية على الحياة الألمانية، والتي دعا فيها إلى اتخاذ معايير لتصحيح هذا الوضع. كما نشأت حركات وجمعيات تحت شعار معاداة السامية.
وقد انتشرت الحركة المعادية للسامية من ألمانيا إلى بقية الدول الأوروبية.
ففي روسيا تجددت الاضطهادات الدينية سنة 1881.
وفي النمسا تم تكوين جماعة معادية للسامية عام 1895.
وفي فرنسا انتشرت الدعاية المضادة لليهود، ولا سيما عبر الكاتب إدوار درومونت، وكتابه فرنسا اليهودية الصادر سنة (1886).
وفي إنجلترا وإيطاليا والولايات المتحدة ظهرت أشكال متعددة من معاداة السامية.
وقد أعطى الفيلسوف البريطاني الألماني هيوستون ستيوارت تشامبرلين قاعدة فلسفية لهذا المفهوم، فوضع العرق الألماني على قمة البشرية، ووضع العرق اليهودي في أدنى سلّم البشرية.
وفي الولايات المتحدة ذكرت تقارير صحفية أن رائد صناعة السيارات هنري فورد ساند الحركة المعادية لليهود معنوياً ومالياً.
وفي ألمانيا جعل أدولف هتلر معاداة السامية مبدأ أساسياً في برنامج حزبه النازي.
ولكن كان من الحريّ أن يكون المصطلح: العداء لليهود، وليس للسامية. لأن المقصود تحديداً كان كراهية المجتمع الأوروبي في العصور الوسطى للجماعات اليهودية.
إنها ظاهرة “العداء لليهود” في زمان ومكان محددين، وليس العداء “للسامية” بالمطلق. ومصطلح العداء للسامية يشير أساسا إلى كراهية اليهود والعداء لهم، لأسباب ذاتية تعود إلى طبيعة الجماعات اليهودية، وطبيعة الشخصية اليهودية.
إن مفهوم كراهية اليهود مفهوم محدود فيهم، ومن الخطأ تعميمه لكي يشمل كل الساميين.
لقد ابتدعت الحركة الصهيونية مفهوم “العداء السامية” وبدأت توظفه لتحقيق مصالحها. وقد اتخذت القيادات الصهيونية من ظاهرة معاداة السامية ذريعة لفصل الجماعات اليهودية في أوروبا عن المجتمعات المسيحية التي كانت تعيش بينها. وطوّرت على أساسها الفكرة القومية الموجهة لإنشاء ما يسمى بالوطن القومي لليهود.
أما تيودور هرتزل، الذي نظم المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897، ورأس المنظمة الصهيونية العالمية التي انبثقت عن المؤتمر، فقد وسّع الإطار ليجعل من معاداة السامية مشكلة العالم الغربي بأسره، وليست فقط مشكلة خاصة باليهود.
وكان هرتزل يعتقد أن القوى الكبرى يجب أن تعمل على مساعدة اليهود في التخلص من العداء للسامية، عن طريق إنشاء دولة يتم تهجير اليهود إليها، فيتحقق لهذه الدول الخلاص من العنصر اليهودي، وتنتهي بذلك ظاهرة معاداة السامية.
ومن الطريف واللافت حقاً أن هرتزل كان يرى أن العنصر اليهودي في أي مجتمع من المجتمعات عنصر مثير للاضطراب والتمرد داخل المجتمع الأوروبي، معتبراً أن هذا أمر يتعلق بطبيعة اليهودي، الذي لا يستطيع الحياة مع الشعوب الأخرى. وإن عاش فلكي يكون عنصراً مدمراً لقوة هذه الشعوب، ومحرضاً على الثورة وقلب الأوضاع.
وفي مراسلاته مع ملوك وحكام أوروبا، صور لهم هرتزل أن بقاء اليهود داخل المجتمعات التي يحكمونها، ليس في صالح هذه المجتمعات، ولا في صالح حكوماتها. ولهذا يجب على تلك الحكومات تشجيع فكرة الصهيونية، وإنشاء الوطن اليهودي، حتى تتخلص هذه الحكومات من العناصر المناهضة لها.
يتّضح هنا أن مقولة العداء للسامية كانت بمثابة رافعة اعتمد عليها هرتزل وسواه من زعماء الحركة الصهيونية من أجل الترويج لفكرة الوطن القومي اليهودي، والذي لم يكن في حينه فلسطين على الإطلاق. إذ، قبل التركيز على فلسطين، وضعت على طاولة البحث والاختيارات للوطن القومي اليهودي مجموعة من الدول من بينها الأرجنتين وأوغندا ومدغشقر.
ومن ناحية أخرى، وظّف زعماء الحركة الصهيونية فكرة معاداة السامية لخدمة الأهداف القومية اليهودية في التاريخ اليهودي، بحيث أعادوا تفسيره، ليصبح هذا التاريخ، قديمه وحديثه، لا يُفهم إلا من خلال مقولة معاداة السامية.
والقاعدة التي اتبعها المؤرخون الصهاينة تقوم على أن التاريخ اليهودي هو تاريخ العداء للسامية. وكل من ناصب اليهود العداء وتسبب في معاناتهم في أي مكان من العالم، هو حكماً معادٍ للسامية.
ولكن، إذا كانت مقولة معاداة السامية نظرية عرقية، فكيف يمكن على سبيل المثال، توجيه تهمة العداء للسامية إلى العرب، وهم ساميون. بينما غالبية يهود اليوم غير
ساميين، بل هم آريّون يتحدرون من قبائل الخزر التي عاشت في منطقة بحر قزوين في آسيا.
إن القول إن العرب معادون للسامية ينطوي على مغالطات تاريخية وعرقية، لأن العرب يمثلون الأصل الأول للساميين، ولا يمكن لهم أن يكرهوا أنفسهم كساميين.
كما أن توجيه هذه التهمة معناه إنكار سامية العرب، واعتبار اليهود من يمثل الساميين فقط.
فيما يؤكد المؤرخون اليهود أن البلاد العربية والإسلامية كانت دائما ملاذاً لليهود، يفرون إليها من الاضطهاد الأوروبي.
ومن الواضح أن اتهام العرب بالعداء للسامية يدخل ضمن إطار تعميم نظرية معاداة السامية لتشمل العالم كله، ولتصبح البشرية كلها متهمة بمعاداة السامية.
إنهم يروّجون لمظلومية اليهود عبر التاريخ، ويوظفون مقولة العداء للسامية، رغم التزوير التاريخي الهائل الذي يعتريها، من أجل تبرير ما يقوم به الصهاينة من جرائم حرب وعمليات إبادة عنصرية في غزّة، وفلسطين بشكل عام.
السفير الدكتور علي عجمي