جاري الكتابة/قصة قصيرة/ بقلم القاصّة هند يوسف خضر
جاري الكتابة
في المدينة الغافية فوق وسادة نهر بردى كانت تسكن شغف في إحدى ضواحيها العشوائية الفقيرة، تذهب كل صباح إلى وظيفتها وتدعو أن يفتح الله باب الفرج المنتظر عليها…
شغف ابنة الثلاثين ربيعاً جمعتها قصة حب ذات نهار مع نبيل الذي كان يدرس معها في كلية هندسة الاتصالات، كانت ملامحها ملفتة للانتباه، الشعر الغجري الطويل، القامة الهيفاء و الوجه الأبيض الناعم الذي تزينه غمازة، كذلك نبيل يمتلك ملامح جذابة، حنطي البشرة، عيناه بلون البن ويماثلها في طول القامة، أقاما مع بعضهما في البداية علاقة صداقة مميزة ثم تحولت إلى قصة حب مليئة بالمشاكسات والوعود والأحلام، اتفقا على الزواج بعد التخرج بحيث يكون كل منهما قد وجد فرصة عمل، بعد التخرج حدث ما خططا له فقد تزوجا، كان عرسهما متواضعاً نظراً لظرف نبيل الاقتصادي، لم تكترث شغف لذلك فالحب الصادق يتحدى كل الظروف، بعد زواجهما توظفا معاً في شركة برواتب ضعيفة قد لا تكفي متطلبات الحياة الأساسية…
جلسا في إحدى الليالي يدرسان الخيارات المتاحة لتحسين حياتهما فكانت فكرة سفر نبيل هي الأنسب على أن تلحق به شغف عندما يستقر…ذات مساء حدقت شغف بنبيل وقالت ” لا تنسى يا نبيل ذكرياتنا عندما تكون في بلاد الغرب “
نظر نبيل إليها مبتسماً كعادته دون أن ينطق بكلمة واحدة،
سافر نبيل إلى إحدى الدول الأجنبية، استقر وضعه بعد أن أمن فرصة عمل براتب عالٍ جداً، بدأت رحلة شغف في الشقاء وقد وقعت على عاتقها كل المسؤوليات، لكن كانت دائماً فكرة اللحاق بزوجها تعطيها قوة وصبراً على التحمل…
كانا يتواصلان يومياً عبر الوتس آب لمدة عام، وكانت كل الأمور تسير على ما يرام، مرت فترة زمنية بعدها شعرت شغف أن تواصل نبيل معها أصبح أقل وبدأ القلق يسيطر عليها فأرسلت له تسأله عن السبب…
صباح الخير يا نبيل
صباح الخير يا شغف كيف حالك؟
أخبرني هل هناك شيء ما لا أعلمه؟
لماذا تتحدثين بهذه اللهجة؟
لأنك منذ مدة لم تتواصل معي كالسابق، باتت محادثاتك قليلة ومختصرة وكلما طرحت عليك موضوع السفر تجيبني ليس الآن، ما الأمر؟ أرجوك صارحني…
في الحقيقة تعرفت على إحدى الموظفات معي في الشركة، أصبحنا نخرج يومياً إلى أماكن عامة و وقعت في حيرة من أمري بينك وبين حبي لها
امرأة سواي؟! تجيبني بكل بساطة وأنا من تحملت الصعاب لوحدي وكان اللحاق بك عزائي الوحيد، هل هذه نتيجة من انتظرتك وصبرت من أجل أن تخفف عنك عناء الغربة؟
افهميني قليلاً…
بالله عليك ماذا أفهم وقد بلغ بك الحب إلى الوقوع في حيرة بيني وبينها، هذا إن دل على شيء فهو يدل على أنك اخترت الأخرى
اهدأي …
أغلقت شغف هاتفها المحمول، دخلت في حالة صدمة،غرقت في صمتها، بقيت طريحة الفراش مدة طويلة وقد تبدلت كل ملامحها الجميلة و اصطبغ وجهها بالشحوب و الهالات السوداء تحت عينيها…
بعد مرور خمسة أشهر حاولت أن تستعيد بعضاً من قوتها لتتخطى ضعفها، واست نفسها بأنها ستغفر له في حال كانت علاقته مجرد نزوة، فتحت الوتس آب عسى أن تجد شيئاً يثلج صدرها، تارة تشعر بيأس وتارة أخرى يعانق الأمل صباحاتها عندما تلمحه جاري الكتابة فتضيع على عتبات غيابه المفتوح على عدة احتمالات.
هند يوسف خضر …سوريا